Wednesday 30/07/2014 Issue 15280 الاربعاء 03 شوال 1435 العدد
30-07-2014

أمريكا تتحدث مع الشيطان

بعد بضعة أسابيع من قيام الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط حركة طالبان في أفغانستان، وجدت الجمهورية الإيرانية نفسها أمام مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين منتشرين شرقاً وغرباً، فأدركت أنها قد تكون هي الهدف التالي للرئيس بوش (الابن) والمحافظين الجدد. وبإيعاز من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قام السفير الإيراني في باريس (صادق خرازي) بإعداد عرض إجراء مفاوضات شاملة؛ لحل جميع الخلافات الكبرى بين طهران وواشنطن مشتملة على مذكرة إعادة اصطفاف استراتيجي بين الدولتين.

في ظل غياب قنوات دبلوماسية مباشرة بين العاصمتين، قام السفير السويسري (غولديمان) بزيارة تاريخية - في نظري - إلى واشنطن في مايو 2003م، بصفته القيم على المصالح الأمريكية في جمهورية إيران وعرضه عادةً آخر المستجدات في الجمهورية الإيرانية، لكن هذه الزيارة كانت مختلفة حيث حمل في حقيبته مفاجأة غير عادية للبيت الأبيض، ليقدم هذه المرة العرض الإيراني للحكومة الأمريكية. حيث وضع الإيرانيون بيضهم في سلة الأمريكيين ببنود العرض التي جاء فيها:

التوقف عن دعم حركة حماس والجهاد الإسلامي، ونزع سلاح حزب الله في لبنان وتحويله إلى حزب سياسي، والأهم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هو إخضاع برنامجها النووي محل النزاع، للتفتيش الدولي الدقيق، وصولا إلى التوقيع على بروتوكول إضافي للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، وفيما يتعلق بملف الإرهاب أبدت طهران استعدادها للتعاون وذلك بالعمل ضد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم القاعدة. وأيضاً ستدعم طهران الاستقرار السياسي في العراق عن طريق تشكيل حكومة غير طائفية أو مناطقية. وأخيراً قبول طهران إعلان بيروت في القمة العربية عام 2002م الذي تقدم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي طالب بالسلام الشامل مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين.

صعقت واشنطن من هذا العرض، فانقسم صناع القرار وصانعو السياسية الأمريكية بين مؤيد ومعارض، وانشطر البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي شطرين، حيث كان عرضا غير متوقع وبالذات في ذلك الوقت. كولن باول وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت أبدى اهتماما للعرض، وأراد أن تتحرك الدبلوماسية على الرغم من خلفيته عسكرية، إلا أن المحافظين الجدد وعلى رأسهم ديك تشيني نائب الرئيس ورونالد رامسفيلد وزير الدفاع خالفوه الرأي ووضعا ثقليهما السياسي في عدم تحرك الدبلوماسية بقولهم (نحن لا نتحدث مع الشيطان)، فمنعوا أي اجتماع بهذا الخصوص في جميع الدوائر السياسية الأمريكية رافعين شعار (لا مفاوضات مع إيران)، ما يعني أن إيران هي الهدف العسكري التالي، وكان السفير السويسري هو كبش الفداء لذلك العرض وعوقب على فعلته من الجانب الأمريكي.

دخل الرئيس الجديد باراك أوباما البيت الأبيض وأعلن انسحاب الجيش الأمريكي من العراق وأفغانستان. فسال لعاب طهران لإعادة المحاولة، حيث سقط عدوها صدام حسين شرقاً وسقطت حكومة طالبان غرباً ومشروعها النووي قائم، فتغيرت حسابات الإيرانيين الاستراتيجية.

في لقاء تلفزيوني أعلن باراك أوباما أنه يمكن التفاوض مع الإيرانيين. فما كان لأحمدي نجاد إلا أن يبعث ببرقية تهنئة للرئيس الجديد فيها قليلا من الغزل السياسي بعد يومين من انتخاب أوباما، فبدأ القلق العربي من ذلك الغزل الأمريكي - الإيراني لثقتهم بأن إيران لن تلتزم بوعودها.

بدأ الرئيس الجديد بحشد مستشاريه ومعاونيه والمؤيدين للعمل الدبلوماسي مع إيران من الكونغرس وغيرها من الدوائر، مطالباً بإعادة النظر في العلاقة الأمريكية تجاه إيران ونهج سياسية جديدة لتنفيذ أفضل الطرق والوسائل للوفاء بوعده كما صرح، وقد كان، فقد تناولت إعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه إيران خيارات واستراتيجيات جديدة، فمثلا:

تخفيف العقوبات على الاستثمار في البنية التحتية النفطية المتهالكة في إيران، وتأسيس تمثيل دبلوماسي على مستوى منخفض في إيران والاعتراف بقدرة طهران النووية محدودة في ظل عمليات تفتيش صارمة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وما يهمنا هو فتح قناة اتصال مباشرة مع المرشد الأعلى.

أدرك أوباما ومساعدوه أن الوقت ينفد بعد أن قرر التفاوض حيث أراد بهذه الخطوة أن يدخل التاريخ ولكن من باب بلاد فارس. في تلك الأثناء كان الإيرانيون يحشدون المزيد من اليورانيوم قليل التخصيب، والخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة بدأ يتصاعد، وفي تلك الأثناء بدأت الانتخابات الإيرانية موسمها وبدأ التساؤل إن كانت الإدارة الجديدة الإيرانية ستفتح باب التفاوض أم سترجع للمربع الأول من التحرك السياسي؟!

فاز أحمدي نجاد للمرة الثانية على الرغم من معرفة الإدارة الأمريكية بتزويرها، وحركات العنف التي حصلت للإصلاحيين والحركة الخضراء بقيادة موسوي الذي تم اعتقاله، لكن أوباما انتهج نهجا ميكافيليا وغض بصره عن كل الانتهاكات الديموقراطية للحصول على هدفه الدبلوماسي.

حاول أوباما القفز على الحبال وخرق الأعراف الدبلوماسية بالاتصال بالمرشد الأعلى مباشرة، مطالبا بحل القضية النووية والمساعدة على الاستقرار في العراق وأفغانستان، لكنه فشل في اختراق الدوائر السياسة الإيرانية بعد أن استثمر أحمدي نجاد موافقة أوباما على التفاوض معه من خلال الإعلام الذي رغب الحديث معه في رئاسته الثانية.

في ربيع 2008م وفي مبنى مجاور للسفارة الإيرانية في (لاهاي)، اجتمع كبار ممثلي الحكومة الإيرانية والحكومة الأمريكية وخبراء رفيعو المستوى في السياسة الأمريكية - معظمهم من مستشاري الرئيس باراك أوباما - وذلك على مدى يومين في سلسلة لثلاثة اجتماعات.

turki.mouh@gmail.com

@turkialmouh

مقالات أخرى للكاتب