انتهى شهر كامل، كان يحمل السكينة والطمأنينة والهدوء وأصوات المساجد التي تٌعلو بالدعاء والرجاء والرحمة والمغفرة من رب السماوات والأرض، انتهى بسرعة وحلّ عيد الصائمين، عيد المكأفاة الكبرى والفرحة التي لا تنتهي لمن شعر أن لذة رمضان ذهبت فنتكرم بعدها بحلول هذا العيد، عيد الاجتماع بين الأحباب والأقارب، عيد الصفاء الذي يبعد القلوب عن الضجر والغضب، عيد الفرحة والمحبة خاصة بعد أن أتى بعد شهر مبارك، شهر هداية وفلاح، من عرف حق رمضان بالفعل سوف يعرف حق العيد وما الغاية منه، كل الأعياد تأتي بعد مناسبة دينية عظيمة كالصيام والحج، نرى منها أنها فرحة للصائم أنه أتمم صيامه ومن الحاج أنه أدى مناسكه وواجباته، الغاية الكبرى من الله لعباده هو شعور الفرحة وشعور الكرم الذي يعطيه الله لعبادة دون تردد، دون مقابل بل فيها محو لسيئات وتتضاعف الحسنات، فلكل عيد حس وروحانية مختلفة، السبب هو أن يعرف كل شخص ماذا سوف يشعر بيوم ينتهي باحتفال لعمل صالح أو قيام مؤجر أو صدقة تغفر كثيرا من الذنوب، فمن لم يشعر بفرحة العيد فالخلل به هو فليرجع قليلاً إلى الخلف وليتذكر ماذا عمل في صيامه وقيامه وبحاله، فرحة العيد قد لا يفرح بها أي أحد وقد لا يشعر بلذتها أي أحد أيضاً، وكما سن التكبير جاء الخبر في القرآن الكريم، فقوله تعالى {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ومن السنة في ليلة العيد سنة التكبير التي ثبتت بنص القرآن الكريم في قوله تعالى في آخر آية رمضان: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. وقد ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) عند تفسيره لهذا الجزء من الآية الخاص بإكمال العدة والتكبير، قال - رحمه الله - في المسألة الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ} فيه تأويلان:
أحدهما: إكمال عدة الأداء لمن أفطر في سفره أو مرضه.
الثاني: عدة الهلال سواء كانت تسعا وعشرين أو ثلاثين.
وقال جابر بن عبد الله قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الشهر يكون تسعاً عشرين). وفي هذا رد لتأويل من تأول قوله - صلى الله عليه وسلم -: (شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة) أنهما لا ينقصان عن ثلاثين يوما، أخرجه أبو داود. وتأول جمهور العلماء على معنى أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا، سواء كانا من تسع وعشرين أو ثلاثين.
أسأل الله لي ولكم عيدا مباركا ومغفرة مكتوبة والفوز بالجنان ونجاة من النيران وأسأل الله أن يكرمنا من فضله الذي لا ينتهي، والحمد لله رب العالمين».. عساكم من عواده، وكل عام وأنتم بخير».