القطاع السياحي يعتبر من الروافد الأساسية والمهمة لاقتصاد أي دولة، باعتباره أحدى القنوات الاستثمارية التي تشكل مع غيرها تنوعاً اقتصاديا ومصدراً سريعاً للعملة الصعبة، علاوة على توفيره الكثير من الفرص الوظيفية التي يقدر عددها بالآلاف وأحيانا بالملايين، وقد بدأت المملكة خطوات حثيثة في هذا المجال بتأسيس الهيئة العامة للسياحة والآثار. «الجزيرة» ومن خلال التقرير تسلط الضوء على بعض الصعوبات التي تواجه هذا القطاع الناشئ وأبرزها نقص القوى البشرية والأيدي العاملة وخاصة السعودية منها. قبل فترة، ناقشت لجنة الشئون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى مشروع الإستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية، وتم التطرق إلى الحلول التي ستشجع الكوادر البشرية السعودية للعمل في القطاع السياحي حيث إن العديد من الوظائف التي تتضمنها الإستراتيجية غير جاذبة للأيدي العاملة السعوديه.
مليون وظيفة سياحية عام 2020
أشارت الهيئة السعودية العامة للسياحة والآثار بحسب تقارير رسمية سابقة إلى أن فرص العمل المباشرة والمتولدة عن التنمية السياحية سوف تصل إلى 654 ألف وظيفة في عام 2015م، وإلى ما يقارب من 919 ألف وظيفة في عام 2020م، في حين يستهدف وصول فرص العمل المباشرة وغير المباشرة المتولدة من التنمية السياحية في عام 2015 م إلى 1.6 مليون فرصة عمل. أما في عام 2020م فسيكون هناك نحو 2.29 مليون فرصة عمل.
خدمة الغرف والسفرجي صعبة
أوضح بعض المختصين، أن توظيف السعوديين في قطاع السياحة بالمملكة, يواجه قائمة من الوظائف الصعب توطينها وهي موجودة في قسمين أحدهما، قسم نظافة الغرف، والآخر قسم الأغذية والمشروبات المتضمن غسل الصحون، وما يعرف بـ (السفرجي)، ومرتب أدوات المطبخ؛ بينما تظهر بعض الوظائف في أقسام أخرى كالمكاتب الأمامية التي تشمل عدة وظائف منها وظيفة حامل حقائب.
وتطرق المختصون لإمكانية توظيف المرأة السعودية في مجال نظافة الغرف بالفنادق من خلال مباشرتها العمل بعد تسليم النزيل للغرفة حتى تضمن عدم احتكاكها بشكل مباشر مع النزلاء، كذلك فإن يجب زيادة أعداد المرشدات السياحيات، من أجل بدء تنفيذ رحلات نسائية سياحية بشكل واسع حتى لا تجد النساء أنفسهن مجبرات على التعامل مع مرشد سياحي، الأمر الذي ربما يؤثر على إنعاش الحركة السياحية النسائية, إضافة إلى ضرورة فتح قناة اتصال مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني لتوفير حقائب تدريبية متخصصة في الطبخ، والضيافة، وإدارة الحفلات والمناسبات، والإرشاد السياحي بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار.
وظائف القطاع السياحي مجدية مادياً
يقول مهيدب المهيدب مدير عام شركة الصرح للسفر والسياحة لـ(الجزيرة): وفقاً لإحصائيات مصلحة الإحصاءات العامة لعام 1433-1434 يبلغ سكان المملكة المواطنون حوالي 20.21 مليون نسمة، منهم 13.04 مليون فوق سن الـ 15 عاماً، وبالتالي فإن القوة العاملة الوطنية تبلغ 5.26 ملايين، المشتغلون منهم 4.63 ملايين والباقي 629 ألفاً متعطلون عن العمل، أي أن نسبة البطالة وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاءات هي 12 %.
وأضاف: إذا سلّمنا بصحة أرقام مصلحة الإحصاءات فإن أول ما يتبادر إلى الذهن، هو احتمال أن الذين هم خارج القوة العاملة وعددهم أكثر من 7 ملايين يوجد بينهم عدد كبير يئسوا من حصولهم على العمل فتوقفوا عن البحث، مشيراً إلى أن حجم الوظائف في القطاع السياحي كبير جداً.
وذكر المهيدب، أن المشكلة تكمن في بيئة العمل بالقطاع السياحي الفندقي، كونها طاردة للمواطنين، ولا ترتقي لطموح طالب العمل ولانخفاض الرواتب فيها أيضاً, كما أن الوظائف العليا المتاحة في القطاع السياحي الفندقي ودور الإيواء قليلة جداً، والوظائف الدنيا رواتبها قليلة جدا إذا تمت مقارنتها بأحد القطاعات الخدمية الأخرى، سواء كانت قطاع حكومي أو زراعي أو صناعي. وأضاف: بالنسبة لمكاتب السفر والطيران الأخرى فهي مختلفة تماماً، حيث تتوفر بها وظائف ملائمة للشباب السعودي من حيث طبيعة العمل والمردود المادي، فالرواتب تتراح في أول مربوط من 4 آلاف إلى 6 آلاف بحسب الشهادة التعليمية إضافة إلى التأمين الطبي والعمولات، إلا أنه لا يوجد مخرجات مؤهلة لشغر هذه الوظائف عطفاً على عدم الجدية من بعض الشباب والاستمرارية بالعمل.
دوره تدريبية سلوكية وانضباطية
وتابع المهيدب: يوجد مجال واسع لدى الجهات المسؤولة لإصلاح وتنظيم سوق العمل بوضع خطة سليمة لتحسين بيئة العمل حتى تكون جاذبة من حيث الأجور وساعات الدوام، فتتحول شريحة كبيرة من المواطنين من قوة معطلة إلى منتجة تساهم في الناتج القومي المستدام للوطن. واقترح المهيدب على وزارة العمل تبنيها قراراً يلزم جميع من يبحث عن عمل بالالتحاق بدورة تدريبية لا تقل مدتها عن شهر، وذلك لتهيئة طالب العمل سلوكياً وانضباطياً قبل دخوله ومباشرته مهامه وأداء عمله بحيث يكون له منهجاً خاصاً وأوقاتاً خاصة تشبه في كثير من الأحيان المعسكرات التدريبية والتحضيرية.
وشدد على أهمية وسرعة إيجاد قطاع متكامل للنقل العام نظراً لاتساع مساحة المملكة، وتنوع جغرافيتها للنهوض بالقطاع السياحي، كما أنه لم يتم التطرق إلى مشكلات التمويل والأراضي وهي ركائز أساسية لتطوير القطاع السياحي ومساعدته على النهوض.
نقل الشباب العامل من سوق العمل إلى سوق الأعمال
من جانبه أكد رئيس اللجنة الوطنية السياحية بمجلس الغرف السعودية محمد المعجل لـ(الجزيرة): بأن القطاع السياحي مولد للوظائف بحكم أنه قطاع خدمي يعتمد على الأيدي العاملة، إلا أن من ينظر لهذه الوظائف يجدها متدنية المستوى من حيث الدخل المادي إضافة إلى أن من خصائص هذا القطاع وخاصة الفندقي ودور الإيواء يشبه كثيراً في هيكلته الإدارية شركات النظافة، مضيفاً بأنه من المعروف في دول العالم بأن الوظائف فيه موسمية أو جزئية يعمل بها بعض طلبة الجامعات, مشيراً إلى أن حجم الوظائف الجاذبة فيه قليلة بالنسبة إلى العدد الكبير للوظائف المتاحة فيه، فعلى سبيل المثال يتوفر في فندق ما 400 وظيفة ولكن الوظائف الجاذبة فيه لاتتعدى الـ40 وظيفة.
وأوضح المعجل بأن نسبة التوطين في المملكة وصلت إلى 26% بالرغم من وجود تحديات كبيرة تواجه القطاع السياحي، من ضمنها الموسمية، ولذا تكون التكلفة عالية ولا تستطيع هذه الشركات أن تعطي رواتب دائمة ومرتفعة. فيما اقترح المعجل على الجهات المسؤولة، تبني نقل الشباب العامل بالقطاع السياحي من سوق العمل إلى سوق الأعمال عبر امتلاكه منشآت صغيرة وبالتالي يساعد على تمدد هذا القطاع والتوسع في وظائفه.
هيئة السياحة تدعم الشركات الأجنبية
أحد المستثمرين في القطاع السياحي «رفض ذكر اسمه» قال إن المعوق الأول في توظيف السعوديين هو دعم هيئة السياحة للشركات الأجنبية في تشغيل الفنادق بالمملكة، وذلك حرصاً منهم على جودة الخدمة، فلذا هم يعتمدون على الشركات الأجنبية الكبيرة، مبيناً بأن الإشكالية تكمن في هذا الدعم حيث إن هذه الشركات تأتي باجندتها والسعوده لا يتم تطبيقها بشكل دقيق، إضافة إلى أن الوظائف العليا والكبيرة لن تكون من نصيب السعوديين، لذا فإن هيئة السياحة تتحرك بعكس وزارة العمل.
وأشار إلى أن نظرة الهيئة العامة للسياحة والأثار تتخوف من الشركات السعودية المشغله للفنادق، ويظهر ذلك عند طلب الترخيص ومطالبة هيئة السياحة بوجود شريك أجنبي على الأقل يساعد في تقديم خدمة عالية الجودة. وأكد على أهمية دعم الشركات السعودية المشغلة للفنادق وتبادل الثقة بين الطرفين، لأن المنتج في النهاية سيكون في صالح الاقتصاد العام وأيضاً لصالح الفرد.