المحاصرون في مدن قطاع غزة، والمكلومون في فقد ضحاياهم، وكل الفلسطينيين والعرب والمسلمين المتضامنين مع الفلسطينيين، يتساءلون بحرقة عن هدف اجتماع باريس الذي ضمَّ الأطراف الدولية التي تحرك المحرقة، محرقة غزة، دون أن يكون فيه حضور للضحايا، ومنفذ المحرقة الطرف الأكثر قدرة على الإسهام الحقيقي في وقف العدوان الإسرائيلي.
ففي باريس اجتمع وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، إضافة إلى تركيا وقطر، وهكذا يظهر تغيُّب الأطراف المباشرة في معارك غزة والمؤثرة حقاً في إنهاء العدوان الإسرائيلي. القيادة الفلسطينية، سواء رئيس السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير الفلسطينية، وحتى ممثلو حماس لم يكن لهم حضور، إلا إذا اعتبرنا قطر وتركيا ممثلين لحماس، والدول الغربية تمثل إسرائيل، أما الطرف الأقليمي والأكثر قدرة على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه - ونعني مصر - فقد غُيِّب إكراماً لعين الباكين على اللبن المسكوب على حلفاء الإخوان المسلمين، فالأتراك لا يريدون أي حضور لمصر بعد إقصاء جماعتهم، وقطر تؤيدهم في ذلك، والنتيجة يدفع ثمنها أهالي غزة.
مؤتمر باريس الذي نجح في عقد هدنة الـ12 ساعة والتي تحولت إلى 24 ساعة، هدفه تكريس الانقسام الفلسطيني من خلال ربط مصير قطاع غزة بحماس وجماعتها من تركيا وقطر، والتوصل إلى تفاهم مع حماس عن طريق من يمثلها في باريس وزيري خارجية تركيا وقطر، ليعيد حكم غزة لحماس وجماعة الإخوان المسلمين الذين حتماً سيتفرغون لإيذاء مصر بعد أن يتعهد ممثلاهما التركي والقطري بوقف إرسال الصواريخ إلى الأراضي المحتلة وتحويلها إلى سيناء، وبإعادة حكم حماس لقطاع غزة يتكرس من جديد الشقاق الفلسطيني، وتظل غزة بمدنها وأهلها منفصلة عن أهلها في الضفة الغربية ومعزولة عن مصر، لأن مصر لن تقبل بفتح معبر رفح وغزة تحت سيطرة حماس، لأن أمن مصر لا يمكن التفريط به حتى وإن تلاعبت أمريكا وقطر وتركيا وعقدوا اتفاقاً بين الحمساويين والإسرائيليين بوقف المعارك وغلق الأنفاق مع إسرائيل، لينشطها ضد سيناء، ويجري فتح مزيد من الأنفاق مع مصر لتهريب السلاح والإرهابيين بهدف إعادة حكم الإخوان لمصر.
هذا المخطط فهمته مصر وفهمته الدول الإقليمية العربية الأخرى، وفهمه حتى السلطة الفلسطينية التي تعاني من تلاعب تركيا وقطر وأمريكا، وسيظل الفلسطيني ينزف بعد أن أوغل ممن يقدمون مصالح جماعة الإخوان المسلمين على مصالح الشعب الفلسطيني على السير في حبك المؤامرات ضد الفلسطينيين والمصريين والعرب جميعاً عبر أدوات فلسطينية تقيم في الفنادق الفخمة في الدوحة وأسطنبول.