تحتضن منطقة الرياض طوال أيام عيد الفطر المبارك هذا العام العديد من الفعاليات والعروض المسرحية التي تنظمها أمانة منطقة الرياض ممثلةً بإدارة الخدمات الاجتماعية في عدد من المسارح المنتشرة بالمنطقة، إيماناً بأهمية المسرح في تشكيل الوعي والفكر لدى المتلقي، من خلال محاكاته للأحاسيس الإنسانية وبثّها عبر رسائل تمثيلية تسهم في رفع مستوى الوعي في كثيرٍ من الأمور والموضوعات المختلفة التي تشغل المجتمع. وتتنوع العروض المسرحية التي تقدمها أمانة منطقة الرياض في مضامينها واشكالها, متركزة في مجملها على الترفيه الذي يحمل قيمًا ورسائل توعوية تتناسب مع هذه المناسبة السعيدة التي يعيشها المواطنون والمقيمون في المنطقة . وتقدّم الأمانة لأول مرة هذا العام عددًا من العروض المسرحية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة, حيث يستضيف مسرح الكلية التقنية عروضًا مسرحية خاصة للمكفوفين, إلى جانب عرض مسرحي خاص بالصمّ, يتناول واقع المجتمع وتفاعله مع معاناة الصمّ, وذلك على مسرح صوامع الغلال, إضافة إلى العديد من العروض الموجّهة للرجال والنساء والأطفال التي تؤكد أن المسرح ظل ملازمًا للإنسان, ومجسدًا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يعيشها. وأوضح مدير عام إدارة الخدمات الاجتماعية في أمانة منطقة الرياض المهندس إبراهيم الهويمل أن الأمانة خصّصت بمناسبة عيد الفطر المبارك لهذا العام, ثلاثة عروض مسرحية للرجال, واثنتان للنساء, وأخرى للأطفال, إلى جانب عدد من العروض المسرحية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. وأضاف الهويمل « حرصت الأمانة هذا العام على انتقاء النصوص ذات الطابع الترفيهي ذو المضمون الجيد, الذي يحمل قيمًا عالية ورسائل توعوية تتناسب وثقافة المجتمع السعودي, كما حرصت الأمانة على استقطاب نجوم الكوميديا لجذب الجمهور وتحفيزهم لحضور هذه الفعاليات « .
ومن جانبه أكد رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون سلطان البازعي, أن الجمعية منذ إنشائها قبل أكثر من (40) عامًا, وهي تولي المسرح اهتمامًا خاصًا على مستوى فروع الجمعية المنتشرة في مناطق المملكة, حيث أعدّت الجمعية العديد من الدورات والبرامج الخاصة بصناعة المسرح وتأهيل الكتّاب والممثلين المسرحين, إيمانًا منها بأهمية دور المسرح كشكل من أشكال التعبير ووسيلة هامة من وسائل التوعية والتثقيف . ويرى البازعي أن اهتمام الجمعية بالمسرح, يعدّ أمرًا طبيعيًا لكونها أول مؤسسة حكومية تعنى بالفنون والثقافة بمختلف أشكالها, وأسهمت في رفد الساحة الفنية بعدد كبير من نجوم الدراما السعودية الذين اثروا المشهد الفني في المملكة بأعمالهم التي لامست هموم المواطنين وقضاياهم, مؤكدًا أن الجمعية لا زالت معنيّة باكتشاف المواهب الشابة وتطوير إمكانياتها وتأهيلها لتقف على خشبة المسرح بكل اقتدار واحترافية .
وحول بدايات المسرح بالمملكة يشير البازعي إلى أن النشاط المسرحي بدأت أولى طلائعه في مطلع الستينات في مدارس التربية والتعليم, والجامعات, والأندية الرياضية التي كانت تلقى دعمًا من الرئاسة العامة لرعاية الشباب, والتي كان لها الأثر البالغ إلى جانب نشاطات الجمعية في نشوء حركة مسرحية ناضجة, استقطبت الجمهور في تلك الفترة .
ودعا سلطان البازعي في حديثه لـ « واس «, الجهات المسؤولة بضرورة الاهتمام بالمسرح ودعم القائمين عليه, وتطوير إمكانات كتّاب النصوص المسرحية, للإسهام في توفير عمل مسرحيّ راقي, ذو قيمة عالية, بعيدًا عن الإسفاف والسطحية والابتذال, إلى جانب ضرورة تفعيل المسرح الاجتماعي وتطوير علاقة الجمهور به, ليصبح المسرح جزءًا من العادة المستمرة للترفيه العائلي رفيع المستوى . وتقدّم الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون ضمن إطار برامجها المتنوعة, العديد من الدورات المتخصصة في إعداد الممثل والإخراج المسرحي, والسينوغرافيا وكتابة النص المسرحي, إلى جانب العديد من المسابقات التي تنظمها الجمعية وتعمل من خلالها على تهيئة بيئة خصبة لتقديم أعمال مسرحية ناضجة وفعّالة في المجتمع . وأوضح البازعي أن الجمعية تهدف من خلال اهتمامها بالثقافة والفنون المختلفة, لأن تسهم إلى جانب أجهزة ومؤسسات الدولة في تكوين المواطن متكامل الشخصية, القويّ بعقيدته وإيمانه وحسه الوطني وثقافته العالية, التي تمكّنه من المشاركة الفاعلة في التنمية وصناعة الإنسان المنتج, وخلق مجتمع المعرفة الذي ينادي به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - . ومن جانبه أكد الممثل والكاتب والمخرج المسرحي مهدي البقمي لوكالة الأنباء السعودية أن ارتباط الإنسان بالمسرح منذ القدم, ويشهد على ذلك المسارح اليونانية والرومانية حيث وثقت الارتباط الكبير بين العرض المسرحي والإنسان . وأفاد أن النشاط المسرحي لم يكن بعيدًا عن المجتمع السعودي, حتى وإن لم يأخذ شكله المتعارف عليه, فالراوي الذي يقوم بسرد القصص والسير والأشعار والألغاز في القرى والبادية يجسّد شكلاً من أشكال المسرح, وكان يحظى بالاهتمام والحضور كونه وسيلةً للترفيه ولتعليم الأفراد القيم العربية الأصيلة والعادات الحسنة . وبين البقمي أن المسرح أقوى وسيلة إعلامية يتم من خلالها توجيه الرسائل التي يرغب صانعو العمل المسرحي إيصالها للجمهور, داعيا الجهات المعنية بهذا الشأن بضرورة تفعيل الأنشطة الثقافية والمسرحية, والاهتمام بالمسرحيين واستقطابهم وتوفير البيئة المناسبة لهم ليتمكنوا من تقديم عمل مسرحي ترفيهي ذو قيمة عالية « . وحول أدوات الممثل المسرحي, رأى مهدي البقمي وجود العديد من المهارات والأدوات التي ينبغي توافرها لدى الممثل المسرحي, كالخبرة وسرعة البديهة والمرونة والاسيعاب, إضافة للحضور الذهني المتواصل, الأمر الذي يجعل من الأداء المسرحي عملاً شاقًا على النقيض من الأداء التلفزيوني الذي يمكن فيه تدارك الأخطاء من الممثلين وإعادة اللقطات بما يتناسب ورؤية المخرج .
وفي ذات السياق صنّف الناقد الفني المعدّ والمقدم لعددٍ من البرامج الإذاعية والتلفزيونية يحيى مفرح زريقان, المسرح السعودي كأحد ركائز مشروع التنمية الثقافية والفنية بالمملكة, حيث يشير إلى أن المسرح بمفهومه الشامل يعدّ وجبة فكرية ضروريةً لأيّ شكلٍ من أشكال الحياة ولأيّ شعب من الشعوب. ولفت زريقان النظر إلى أن الحركة المسرحية في بدايتها بالمملكة, كانت تشهد حضورًا قويًا, مرجعًا ذلك لتواجد المسرح المدرسي بفعالية, كما أفرز عددًا من النجوم المسرحيين الذي نقلوا خبرتهم إلى خشبة المسرح. وقال « من المؤشرات الايجابية قيام صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم, باعتماد وإقرار إعادة المسرح المدرسي للحركة التعليمية في المملكة مؤخرًا, مما سيكون له مردود ايجابي على الحركة المسرحية في القريب العاجل «.