وضحت الأمور وسقطت ورقة التوت عن قادة حماس الذين يُوظفون الدم الفلسطيني لخدمة توجههم السياسي وخدمة لحلفائهم الإخوان والقوى الإقليمية الحليفة. في حرب 2012 على غزة سارعت حماس بقبول مبادرة مرسي وأنجحت الدور المصري، أما في حرب 2014 رفضت مبادرة السيسي لإحراج النظام المصري الجديد وإعطاء انطباع للعالمين العربي والإسلامي أن النظام الجديد في مصر يقف ضد خيار المقاومة الفلسطينية، مع العلم أن كلتا المبادرتين تحويان نفس العناصر تقريباً، لقد قام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بفتح معبر رفح وتوجيه 25 قافلة إغاثة لحدود رفح، لكن لا أحد من حماس توجه ولو بكلمة شكر لهذا العمل، بل قاموا باستخدام أبواق إعلامية تلطم وتردح لإدانة النظام المصري، بل ورفضوا المبادرة وأصروا على شروط تمس سيادة الجغرافيا المصرية وسيادة الأمن القومي المصري بطلبهم وجود قوى دولية على الحدود الفاصلة، بل وتعيين دولة عربية من اختيار حماس تشرف على معبر رفح، إضافة إلى إقامة مطار دولي وميناء دولي وحركة الصيادين الفلسطينيين.
إن بعض هذه المطالب محقة، لكن مدسوساً بها مطالب أخرى تمس السيادة المصرية مرفوضة رفضاً قاطعاً من الإدارة المصرية، ويفترض بحماس أن تكون أولى أولوياتها هو إيقاف نزيف الدم الفلسطيني والمحافظة على الروح الفلسطينية ومن ثم تتم مناقشة الطلبات، أما حماس فنأت بنفسها عن ذلك وامتطت موجة المقاومة وعبثت بدماء الفلسطينيين.
إن ما يحرك حماس هو قوى إقليمية متمثلة في تركيا وبلدان أخرى وحركات إخوانية عالمية لتلعب حماس دوراً تمليه عليها هذه القوى وليست مصالح الشعب الفلسطيني، إضافة إلى تصريحات نارية من أردوغان كالذي يصب الزيت فوق النار وهي محاولات أردوغانية للعودة إلى الساحتين الإسلامية والعربية بعد خسارته للإخوان في مصر مع أن أردوغان لم يقدم شيئاً للمقاومة الفلسطينية، ولا حتى قام بطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة واكتفى بالتصريحات الغوغائية، مع العلم أن عدداً من الجهات التي تقف إلى جانب حماس، إما لها سفارات إسرائيلية داخل أراضيها أو مكاتب تجارية لتطبيع علاقة سياسية اقتصادية مع إسرائيل.
إننا مع خيار المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن لا يعني ذلك أن نجيّر دماء فلسطينية بريئة لخدمة أيدولوجيا إخوانية بحتة وإستراتيجية إقليمية تفرض رؤيتها على الساحة السياسية الفلسطينية بشكل متهور متناسين إراقة دماء فلسطينية لا ذنب لها.
إن لمصر الحق وكل الحق أن تغلق أنفاقاً لا تُشكّل معبراً آمناً للتحرك والنقل لكلا البلدين، وأية دولة بالعالم لها الحق في إغلاق معابر غير شرعية وغير مراقبة، فكيف يتسنى لهم أن يلوموا مصر على حماية حدودها وأراضيها بتنقلات لا نعلم ما هي هدفها؟.. وما تحتويه صناديقها؟.. في ظل وجود معبر رفح الشرعي الخاضع للرقابة المصرية، هذا إضافة إلى عقبة التعامل المصري مع القيادات الفلسطينية بشكل مزدوج مع السلطة الوطنية الفلسطينية تارة، ومع حكومة حماس المقالة تارة أخرى, فلو كان لقيادة حماس الحرص على مصالح الفلسطينيين لسلَّمت زمام الحكم في قطاع غزة للسلطة الفلسطينية الشرعية، وبالتالي ضمنت حياة لأبناء القطاع أكثر هدوءاً وأفضل حالاً مما هي عليه الآن، وبقيت حماس في خندق المقاومة وامتنعت عن لعب الدور السياسي الذي كان يرفضه كل من الشيخ الشهيد أحمد ياسين والشهيد الرنتيسي - رحمهما الله - حتى استلما الصف الثاني من حماس وهما: (خالد مشعل وإسماعيل هنية) إدارة الحركة بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين والرنتيسي وقاما (مشعل وهنية) بإقحام الحركة في العمل السياسي وإن كانت تجربة للحركة لم تنجح، فينبغي لحماس أن تعود إلى دورها المقاوم وأن تحافظ على وحدة القرار الفلسطيني والعمل وفق ما هو لصالح أبناء الشعب الفلسطيني.