أكد خبراء بالشركات الأمنية المتخصصة في نقل الأموال بأن حجم المبالغ المسطو عليها خلال الخمس السنوات الماضية بلغ 600 مليون ريال، متوقعين زيادة هذا المبلغ ما لم تتخذ إجراءات أكثر ردعاً في حق مرتكبي هذه الجرائم والمتواطئين معهم. وقال الخبير في شؤون التأمين ونائب رئيس لجنة التأمين التعاوني بمجلس الغرف السعودية عبد العزيز أبو السعود لـ»الجزيرة»: أن شركات التأمين العاملة في المملكة تتخوف فعلاً من التطورات السيئة التي طرأت على مسيرة التأمين على الأموال المنقولة إثر استفحال عمليات السطو على السيارات التي تنقل الأموال، والتي يظن أنها تتم من قبل أفراد أو عصابات بقوة السلاح، وتشير تقديرات العاملين بقطاع التأمين المحلي إلى أن حجم الخسائر المتأتية من السطو قد لا تقل عن 200 % من حجم الأقساط التي تتقاضاها شركات التأمين مقابل تغطية نقل الأموال، على الرغم من أن بعض الشركات تشترط ألا يقل عدد الأفراد في السيارة التي تنقل الأموال عن ثلاثة بعضهم مسلح، كما أن السيارات قد تكون قيد المراقبة الإلكترونية خصوصاً في الأماكن النائية، إلا أن هذه الإجراءات لم تمنع جرائم السطو. وقال: من المؤسف حقاً أن المملكة تأتي في المرتبة الثانية، بعد جنوب أفريقيا، في أعمال السطو على الأموال المنقولة في العالم.
وأضاف: وتيرة أعمال السطو وحجم المبالغ المسطو عليها يمكن أن يكون لها آثار سلبية، فنظراً لحجم الخسائر المتكبدة بسبب السطو تسعى شركات التأمين إلى خفض مستوى الأقساط التي تحتفظ بها لحسابها وإلى زيادة مستوى إعادة التأمين، وإذا ما استمرت نتائج التأمين على الأموال المنقولة في التدهور فقد نشهد تشدداً من قبل معيدي التأمين في الخارج، لا في أسعار التأمين فحسب بل في تقييد التغطية أيضاً وإرغام شركات نقل الأموال على تحمل نصيب متعاظم من الخسائر مما سيزيد من أعبائهم، عدا عن ذلك، قد يمتنع بعض معيدي التأمين عن قبول أي اسناد إعادة تأمين على الأموال المنقولة في المملكة ويحد بذلك من قدرة شركات التأمين المحلية على تغطية مثل هذه المخاطر الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية على أنشطة شركات نقل الأموال في المملكة.
وعن أسباب هذا السطو يقول: قد يكون هناك تناسب طردي بين تطور المجتمع وتراجع التجانس بين أفراده وبين وتيرة الجرائم وتطورها، فكلما تطورت المجتمعات وضعفت العلاقات الشخصية بين أفراده وقل التجانس بين مكونات المجتمع زادت نسبة الجائم وتطورت أساليب وأدوات ارتكابها، ولا يستبعد أبداً أن يكون هناك تواطؤاً من قبل بعض العاملين في مجال نقل الأموال مع أفراد أو عصابات السطو، ولعل أفلام ومسلسلات الجرائم المنظمة قد كشفت عن أساليب متطورة تمدهم بأفكار لتنفيذ علمياتهم، كما أنه من الممكن أن تكون العقوبات المطبقة على من يقومون بعمليات السطو غير رادعة بما يكفي،كما يقول بعض المسؤولين العاملين في مجال نقل الأموال.
وأردف: لم يتوفر لي الاطلاع على إحصاءات دقيقة عن حجم الخسائر التي تتحملها شركات نقل الأموال، ولكن يجب أن نميز هنا بين الخسائر المتكبدة إجمالاً والجزء الذي تتحمله شركات نقل الأموال، إذ تتحمل شركات التأمين الجزء الأكبر من الأموال المسطو عليها، فإذا كان المبلغ المسطو عليه 25 مليون ريال مثلاً فقد لا يتجاوز نصيب الشركة الناقلة مليوني ريال وتتحمل شركة التأمين ما زاد عن ذلك. وعن آلية نقل الأموال عبر الشركات الأمنية المرخص لها يقول: هناك حوالي أربع أو خمس شركات تعمل في مجال نقل الأموال بالمملكة، وفي سيارات خاصة يعمل عليها طاقم لا يقل عدد أفراده عن ثلاثة بعضهم مسلح، وغالباً ما تكون تحركات هذه السيارات مرصودة إلكترونياً، وأحياناً ترافق هذه السيارات دوريات الأمن لا سيما في المناطق النائية.
وأشار إلى أن الجزء الأعظم من الخسائر في هذا المجال يقع على عاتق شركات التأمين، ويقدر بعض مسئولي شركات نقل الأموال أن حجم المبالغ المسطو عليها قد بلغ حوالي 600 مليون ريال خلال السنوات الخمس الماضية علماً بأن وتيرة حصول عمليات السطو قد تسارعت خلال العامين الماضيين وهي مرشحة للزيادة ما لم تتخذ إجراءات أكثر ردعاً في حق مرتكبي هذه الجرائم والمتواطئين معهم. ويقول عبد الله الزهراني، مدير الشؤون الإدارية والموارد البشرية بإحدى الشركات المتخصصة في نقل الأموال لـ»الجزيرة»: خسائر شركات نقل الأموال بدأت تنخفض تدريجياً خلال السنوات الأخيرة بسبب وجود التقنيات الحديثة التي تتبعها الشركات، وكذلك الصرافات وحزائن البنوك وكذاك خدمة التقنية التي تستخدم في عد الأموال وتسجيل المعلومة والمبالغ. وأضاف: كانت الخسائر في السابق كثيرة، كون النظام المستخدم قديماً، حيث كانت تجمع الأموال ويحملها المحاسبون في الحقائب لإيداعها في البنوك، فكانت معرضة للسطو من أجانب وضعاف نفوس، بالإضافة إلى أشخاص لهم نهج مختلف كلياً كغسل الأموال وتجارة المخدرات، وفي بعض الأحيانيكون هناك عصابات متخصصة تعلم بأن الشركة تنقل الأموال، وتعلم كذلك الوقت الذي يتم فيه النقل وتراقب جميع تحركاتها لتتم عملية السطو بطرق خطط مدروسة. وتابع: لله الحمد، استطاعت شركات نقل الأموال أن تخفف العبئ على الشركات التي تقوم بنقل أموالها عن طريق الأفراد، فأصبح لدينا سيارات بأفراد مسلحين ومزودة كذلك بنظام GPS للمراقبة عن بعد ونستطيع من خلاله مراقبة اتجاه السيارات التي تعمل على نقل الأموال من غرفة المراقبة، خاصة السيارات الخارجة عن المدن لأنه في الطرق البعيدة تكون السيارات أكثر عرضة للسطو من داخل المدن. وأشار إلى الأخطار من جانب العاملين بشركات التأمين التي تنقل الأموال «أكثر العاملين في شركات نقل الأموال هم أنفسهم من يقومون بالسطو»، داعياً إلى سن قوانين وتشريعات صارمة بحق من يقومون بالسطو، حيث وصلت خسائر شركات نقل الأموال من 55% إلى 60%.
وأضاف: مشكلة الشركات التي تقوم بنقل الأموال أن لها نظاماً على مستوى وزارة الداخلية، وهي لا تخضع لنظام العمل والعمال، ووزارة الداخلية لها نظام خاص جداً حتى في عملية قبول العاملين بنقل الأموال، فمثلاً عقود العاملين في نقل الأموال إذا وجدت الخلافات تعود لوزارة العمل، أما المخالفات التي تنص عليها وزارة الداخلية فترجع إلى الأمن الوقائي ووزارة الداخلية. من جهته قال الاقتصادي فضل البوعينين: التعامل مع نقل الأموال النقدية، وبرغم الاحتراز لم يصل بعد حد الكفاءة التي تحول دون تحمل مخاطر السرقة أو المخاطر العرضية التي لا تقل شدة وتأثيراً من السرقات المباشرة، ولكي نكون موضوعيين بجب أن نشير إلى أن استهداف الأموال النقدية المنقولة لم يعد مرتبطاً بأموال المصارف بل يرتبط أيضاً باستهداف الأشخاص الذين ينقلون أموالهم النقدية إلى البنوك أو يسحبونها منها، لذا يمكن القول إن نقل الأموال النقدية لا يخلو من المخاطر في أي بقعة من بقاع العالم، والفارق الوحيد بين بقعة وأخرى هو مستوى الأمن والقدرة على التعامل الآمن مع نقل الأموال وأعني الثقافة الأمنية. وأوضح: أعتقد أن الثقافة الأمنية في أدنى مستوياتها محلياً، وللأسف الشديد فقد أثرت سلباً على المؤسسات الخاصة في جنبي العلاقة الأمنية، وأعني المصارف من جهة والشركات الأمنية الخاصة من جهة أخرى.
وذكر البوعينين: المصارف لم تصل بعد حد كفاءة الاحترازات الأمنية ولا تمتلك في الوقت نفسه الثقافة الأمنية القادرة على تجنيبها بعالمخاطر المرتبطة بنقل النقود، فهي تتعاقد مع شركات أمنية لا تمتلك القدرة الكافية على تجنيب أموالها المخاطر، كما أنها تطبق الأمر نفسه على الحراسات الأمنية الداخلية التي يمكن تشبيهها بالحراسات الصورية التي لا يرجى منها حماية، بل ربما كانت هي في أمس الحاجة للحماية من الآخرين، أما شركات الحراسات المدنية فبعضها جزء من المشكلة لا الحل، حيث تقوم بتوظيف المتقاعدين وتقدم لهم رواتب منخفضة؛ وتحرمهم من المزايا الوظيفية المهمة؛ ما يجعلهم غير قادرين على القيام بأعباء الوظيفة الأمنية الحساسة، كل هذا يتسبب في خروقات أمنية تتسبب في فقدان البنوك أو المودعين جزء من أموالهم النقدية تحت عمليات السرقة، بل أن بعض السرقات تمت من قبل بعض رجال الأمن المدني المسئولين عن تحقيق الأمن لتلك الأموال. وأبان: أعتقد أن هناك خلل حقيقي في شركات الأمن الخاص؛ ومن حظ تلك الشركات أنها تعمل داخل منظومة أمنية حكومية صارمة تغطي على أخطائها، ولو قدر لها مواجهة عصابات السرقة المنظمة لما استطاعت حماية ريال واحد مما تنقله.
وقال: من حق شركات التأمين رفع قيمة بوليصة التأمين على الأموال النقدية المنقولة لأن المخاطر مرتفعه، ومن حقها اشتراط معايير خاصة للحماية قبل القبول بتقديم بوليصة التأمين، ولو كنت مسئولاً عن شركة تأمين لما قبلت بالتغطية التأمينية للشركات الخاصة التي يفتقر بعضها الحد الأدنى من المعايير الأمنية المطلوبة. وأوضح: عمليات السرقة تؤثر سلباً في المنظومة الأمنية، خاصة إذا ما استهدفت القطاع المصرفي من خلال أموالها المنقولة، فالمصارف يفترض أن تكون الأكثر حصانة وأمناً، ومتى اهتزت تلك الصورة فسيؤثر ذلك بشكل كبير في المفهوم الأمني للقطاع، أما التأثير المالي فأعتقد أن البنوك لم تصل بعد حد التأثر بمثل هذه العمليات لمحدوديتها مقارنة بالأموال المنقولة؛ ولتدني قيمتها مقارنة بأموال البنوك، إلا أن الخطر الأكبر هو التعايش مع الثقافة الأمنية السائدة في شركات نقل الأموال والشركات الأمنية الخاصة، ما ينذر بحدوث إشكالات خطيرة مستقبلاً في حال تطور عمليات السرقة وارتباطها بعصابات أكثر تنظيماً واحترافية.