صور مخيفة ومرعبة ومُمعنة في الوحشية والهمجية نقلتها وسائل الإعلام للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. جيش مدجج بكل أنواع الأسلحة المدمرة يغير جواً ويقصف بالمدفعية قطاعاً لا تتجاوز مساحته أصابع اليد الواحدة من الكيلومترات.
عقيدة الجيش الإسرائيلي تقوم على غريزة الانتقام وليس غير ذلك واتضح ذلك جلياً بعد مقتل عدد من جنود لوائها النخبوي العالي التدريب والمعروف بلواء جولاني، لتتبعه مباشرة مجزرة بحق حي الشجاعية بشرق غزة، حيث نقلت الصور جثث الأطفال والنساء ملقية على قارعة الشوارع، ولم يسلم من ذلك حتى رجال الإسعاف الذين استشهدوا في عربات الإسعاف وهم يحاولون إسعاف المدنيين. بربرية الجيش الإسرائيلي ليست بالأمر الجديد فلقد شاهدها العالم من قبل في دير ياسين ومذبحة حوض البحر ومذابح صبرا وشاتيلا ومخيم جنين. ومع كل هذه المجازر والفظائع التي ترتكبها لم تقدم حتى الآن إلى محكمة الجنايات الدولية، وهي من خرقت كل قواعد الحرب ووجهت أسلحتها المدمرة نحو المدنيين العزل.كذلك بقي مجلس الأمن صامتاً كأنه تمثال أبو الهول، لم يحرك ساكناً، وهو المنوط به حفظ الأمن والسلام الدوليين. لقد أثبت العدوان البربري على غزة بعد نظرة قادة المملكة بالاعتذار عن شغل مقعد في مجلس الأمن، وهو المجلس التي دعت المملكة مراراً وتكرراً مع العديد من دول العالم على حتمية تغير آليات اتخاذ القرار فيه لضمان حقوق الشعوب المقهورة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني الذي أضحى الشعب الوحيد في العالم الذي ما زال يزأر تحت نيران الاحتلال. احتلال لا يرحم، سرق الأرض وشرد الشعب وحرق الزرع وأقام جدراً عنصرياً معيباً للعالم بأجمعه بأن يرضى به.
لم تكن إسرائيل جادة مطلقاً في إحلال السلام، فالفلسفة الإسرائيلية الإستراتيجية تنطلق من مفهوم بأن إحلال السلام معناه بداية نهاية إسرائيل، فبقاؤها يعتمد على استمرار احتلالها لأراض اعترف العالم أجمع من خلال القرار رقم 242 بأنها أراض محتلة وتشمل كافة أراضي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. وخاض الفلسطينيون محادثات لا تنتهي استمرت من اتفاق أسلوا، أي في التسعينات من القرن المنصرم وبدون نهاية، ولو كان الإسرائيليون جادين لكان هناك تفاهم مع الجانب الفلسطيني على كل شبر من الأرض، وذلك من خلال حسبة رياضية بسيطة عن عدد أيام المفاوضات مقابل الأراضي والقضايا المطروحة للتباحث. سقطت إسرائيل أخلاقياً من خلال همجيتها الانتقامية من شعب لم يكن من وراء ما تعرض له اليهود من محارق خلال الحقبة النازية البغيضة، والعرب والمسلمون لهم اليد العليا الأخلاقية في حُسن معاملة اليهود في كل بلدانهم بما في ذلك حقبة حكمهم لإسبانيا. ولكن الحقائق التاريخية تؤكد أن من يعيش الآن على أرض فلسطين ليسوا في المجمل يهوداً، بل حفنة من الصهاينة المرتبطين بأجندة مع اليمين الصهيوني المتطرف في أوروبا وأمريكا.
قدمت الدول العربية مبادرة للسلام مع إسرائيل في مؤتمر القمة العربية في بيروت في مارس من العام 2002، وتنص المبادرة بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو 1967م، وقدمت المملكة هذه المبادرة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حين كان وقتها ولياً للعهد، مبادرة سلام حقيقة هدفت إلى إقامة سلام عادل ودائم يضمن الاستقرار والآمن في منطقة من أسخن مناطق العالم، وقد علق عليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في فترته الرئاسية الأولى بأنه من الحماقة أن ترفض إسرائيل مثل هذه المبادرة. وقد حاول الرئيس أوباما وعلى غير عادة كافة الرؤساء الأمريكيين فتح ملف قضية الشرق الأوسط في أوائل حقبته الرئاسية الأولى وذلك بدفع جهود السلام بين طرفي النزاع، ليتضح له جلياً بأنه يبحث عن المستحيل مع الطرف الإسرائيلي المسوف الذي يرى في السلام نهاية للدولة العبرية. ولتستمر إسرائيل في عربدتها انطلاقاً من فلسفة ديفيد بن غوريون والمتمثلة في أن الكبار يموتون والصغار ينسون، ليضيف عليها بنيامين نتينياهو بعداً آخر يتمثل في أن الكبار يموتون والصغار نقتلهم أو نحرقهم، وليبقى العالم متفرجاً على كل هذه الفظائع وبإيجابية هي أضعف الإيمان لكل ضمير حي يتابعها بالقول» حقاً، لقد انتصر الضحية على الجلاد»!!!