خيم الحزن على كامل أرجاء البلاد خلال الأيام الماضية بعد العملية الإرهابية التي راح ضحيتها 15 جنديا بجبل الشعانبي على أيدي عناصر مسلحة يرجح أن تكون تسللت من الحدود مع الجزائر. وفيما كانت العائلات المنكوبة في أبنائها تلملم جراحها وتكفكف دمعها، كانت وحدات الأمن تعمل ليلا نهارا على تجميع أكبر قدر من المعلومات حول المساجد «الفالتة» التي ثبت احتفال المصلين فيها بانتصار الجماعات المسلحة على رجال الأمن والجيش، وحول الإذاعات والتلفزات التي تبث خطابا تكفيريا تحريضيا.
وبعد استكمال الأبحاث، وإلقاء القبض على أكثر من 70 عنصرا ثبت تورطهم في إمداد العناصر الإرهابية بالمعلومات الخاصة بالإستراتيجيات الأمنية لتعقبها، وبشرائح الهاتف الجوال وبالمؤن الغذائية وبكل ما يحتاجه المسلحون، قررت رئاسة الحكومة غلق كافة المساجد التي لا تخضع لسلطة وزارة الشؤون الدينية، إلى جانب إيقاف عدد من الإذاعات ومحطتين تلفزيتين غير مرخص لها عن البث نهائيا.
وكان المهدي جمعة الذي يرأس خلية الأزمة التي تم بعثها عقب العملية الإرهابية الأخيرة مباشرة، أعلن، في خطوة وصفت ب»الجريئة جدا» أن حكومته اتخذت جملة من الإجراءات تتمثل بالأساس في إحداث فريق عمل صلب لجنة متابعة العمل الجمعياتي برئاسة الحكومة يتولى التدقيق في عمليات التمويل الداخلي والخارجي للجمعيات الأهلية ومدى احتمال ارتباطها بالإرهاب، إلى جانب التعليق الفوري لنشاط الجمعيات التي لها علاقة بالإرهاب واستكمال الإجراءات القانونية المتعلقة بذلك.
كما تقرر تعزيز القدرة الميدانية للجيش والحرس الوطنيين بالشروع فورا في تهيئة الانتداب المبرمج لقانون المالية التكميلي بـ 3250 عنصرا بالجيش الوطني والإذن بانتداب استثنائي لـ 500 عنصر في سلك الحرس الوطني، مع مواصلة مقاومة الانتصاب الفوضوي بكافة المدن والأحياء وتطهير محيطات المساجد من الانتصاب الفوضوي وتعويضها بأحواض ورود.
وفي نفس الإطار، قررت خلية الأزمة القيام بالإجراءات العدلية اللازمة ضد الأشخاص الذين ثبت تورطهم في خطاب تحريضي وتكفيري، مع مواصلة مراقبة المساجد والجمعيات المشتبه في تعاطيها مع الفكر الإرهابي.
وتحدثت بعض المصادر الإعلامية عن استعداد الوحدات العسكرية لتنفيذ عمليتين على الحدود مع الجزائر بالتنسيق مع الجهاز العسكري الجزائري، وذلك بمشاركة ما لا يقل عن 8 آلاف عسكري جزائري و6 آلاف عسكري تونسي، وذلك بالتوازي مع تنفيذ 7 بنود من المخطط الأمني طويل المدى للقضاء على الجماعات الإرهابية وهو مخطط تم الاتفاق بشأنه بين الجارتين منذ شهر يونيو دون أن يتم تفعيله على أرض الواقع،،، إلا أن بشاعة العملية الإرهابية بجبل الشعانبي وما خلفته من دمار نفسي لدى عائلات الشهداء وعامة التونسيين، عجل بتطبيق بنود الاتفاقية العسكرية والأمنية بين تونس والجزائر.
كما أن العملية الإرهابية الأخيرة لم تشعل الجذوة في قلوب التونسيين وتدفعهم لمكافحة المد الإرهابي عبر المضي قدما في دفع البناء الديمقراطي لتونس الجديدة، فبعد اليومين الأولين الذين أعقبا العملية، تحركت النسب العامة للتسجيل وانتعشت القوائم الانتخابية، إلا أنها سريعا ما استرجعت بطئها وعللها الكثيرة، حيث تواصل عزوف التونسيين عن التسجيل للانتخابات في ردة فعل واضحة على رجال السياسة الذين فقد الشعب ثقته فيهم. ويوافق اليوم موعد إغلاق التسجيل في القائمات الانتخابية بعد شهر من فتحه، دون الوصول إلى المليون مسجل.
أما المحللون السياسيون، فقد ركزوا اهتماماتهم على بسط مقترحاتهم حول السبل الكفيلة بالقضاء على بؤر الإرهاب المنتشرة في كامل أرجاء البلاد، حيث أوضح أحدهم، خالد الحداد، بأن العملية الإرهابيّة الأخيرة، في توقيتها وبما كان لها من دقّة وعنف ودمويّة ، أكّدت أنّها لم تكن مجرّد عملية عابرة مضيفا بأنه من الواضح أنّها خضعت لترتيبات دقيقة وجاءت في سياق حرب حقيقية على بلادنا، وكان مشهد إبادة خمسة عشر من أبنائنا الصدمة العنيفة التي هزّت كامل البلاد وحرّكت كل العقول ترصّدا لخطورة ما حدث.