أتردد بحيّك مثل ساعي البريد
داعي الحب يجذبني وشوق وغرام
هذا بيت من قصيدة تفيض عذوبة ووجدا سبق أن غناها المرحوم سلامة العبدالله بلحن حزين مؤثر، ومطلعها:
انهض حجاجك وسلّم ولو من بعيد
روح روحي تكرم لو بردّ السلام
وهو وإن يكن مطروقا إلا أن فيه حركة في شطره الأول، ورومنسية وعذوبة في شطره الثاني، فالتردد في الحي كان هو الأسلوب الوحيد والوسيلة المتاحة التي يلجأ إليها العاشق لرؤية الحبيب عندما تمتلئ روحه بالأشواق:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبّل ذا الجدارا وذا الجدارا
وتهون على العاشق التهمة التي يتعرض لها بكثرة تردده ودورانه في ديار الأحبة فرؤية الحبيب تستحق كل مخاطرة، والتردد في حد ذاته مريح لروحه ولو طال به الانتظار ولم يحصل على طائل. وتردد المحب في حي المحبوب دون ملل أو حساب للمخاطر مؤشر على ما يجده في قلبه تجاهه، وليس هذا بغريب على عاشق فحسين بن عاقول في مسلسل (درب الزلق) تقمص دور الكنّاس من أجل أن يرى محبوبته بنت المدير!
كان ساعي البريد يجول في الأسواق والأزقة وقد علق على كتفه حقيبته التي تحوي الرسائل بحثا عن أصحابها، وهذه الوظيفة أظنها انتهت بعد انتشار الصناديق وتطور مظاهر الحياة المدنية وبعد ثورة الاتصالات الهائلة التي ألغت كثيرا من وظائف الاتصال والتواصل القديمة كما حجمت كثيرا من الوسائل العتيدة كالبرقية وغيرها. عرفت معظم بلدان نجد وغيرها من مدن المملكة مهنة ساعي البريد في حقبة زمنية محدودة ربما لا تتجاوز الفترة بين منتصف السبعينيات حتى منتصف التسعينيات الهجرية على وجه التقريب، والمؤكد أنها شهدت أوج ازدهارها في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات.
(داعي الحب يجذبني وشوق وغرام) أما الشوق والغرام فمفهومان والثاني منهما نتيجة للأول، لكن ماذا يقصد بـ(داعي الحب)؟ أهو هاجسه؟ أم أسبابه؟ أم إفرازاته؟ أم واجباته؟ أم طبيعته؟ أم ناره ولواعجه؟ أم ..؟ أم ..؟ أظن أن هذا التعبير من فلتات الخيال الشعرية، فمعناه كما نرى نحسه ونفهمه لكن لا نستطيع تحديده.
غنى سلامة العبدالله لحلوان الحلوان كما أخبرني الشاعر بلسانه ثلاث أغان جمعها شريط واحد هي (صواريخ سام) و(انهض حجاجك) و(ألا واعذابي من هموم وغرابيل)، وهي من أجمل ما غناه سلامة.
والشريط الذي صدر عام 1393هـ وتتصدره أغنية (صواريخ سام) لأبي هاني شاعر أثيثية الجميل الأستاذ حلوان الحلوان يمثل نقلة نوعية ومحطة مهمة في تاريخ سلامة الغنائي، وقد تضمن إلى جانب هذه القصائد الثلاث عددا من قصائد شاعر عنيزة المرحوم حمد المغيولي، ومنها إن لم تخني الذاكرة (ألا واهني اللي) و(تعزيت) و(تغليت يا غالي) وغيرها.