سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت ما كتبه أخي الأستاذ سلمان بن محمد العمري في جريدة الجزيرة في العدد رقم (15254) بتاريخ 6-9-1435هـ بعنوان:(دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وظلم ذوي القربى) فوجدت أنه لامس بقلمه جرحاً غائراً في مجتمعنا وواقعنا الذي نعيشه، فدعوة الإمام المصلح المجدد محمد بن عبدالوهاب التميمي (ت: 1206هـ) هي دعوة سلفية، سنية، وسطية، وليست مذهبية وهابية، كم وصفها المناوئون لها، إذ لا ينكر دعوة الشيخ وفضله إلا أحد رجلين: (إما جاهل به وبدعوته أو جاحد حاقد لما جاء به! وما أكثر هؤلاء وهم من بني جلدتنا) وفي نظري: أن الباحث عن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - لا يحتاج لمزيد بحث وتنقيب، إلا أن يقرأ كتب ورسائل الشيخ ليعرف حقيقته كما هي واضحة جلية، وليقرأ إن شاء رسالة: الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والتي كتبها حال دخول مكة المكرمة مع الأمير سعود في بيان معنى دعوة محمد بن عبدالوهاب، عندها سيجد حقيقة الدعوة السلفية الصحيحة.
الإمام محمد بن عبدالوهاب، إمام، عالم، دعا إلى الله تعالى، سلفي العقيدة، جدد في التوحيد، وحارب الشرك، والأوثان، والبدع والخرافات، والبناء على القبور، والأشجار، والأحجار، والذبح لغيرالله، والاحتفال وإقامة الموالم وغيرها.
وكانت نجد تشهد بذلك فقبر زيد بن الخطاب - رضي الله عنه - يدعى ويعبد من دون الله، كان عليه قبة، فهدمت وأزيلت، فكان الشرك قد علا في الأرض من أقصاها إلى أدناها، قبيل دعوة الشيخ، فقام الإمام محمد بن سعود- رحمه الله- بمناصرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وقد كان الإمام محمد بن سعود عوناً على التوحيد ونشر الدين- رحمه الله-، ونفع الله بالإمامين الإسلام والمسلمين، فأقيمت الدولة على أساس التوحيد والدعوة إليه، الذي هو حق الله على العبيد،كان ذلك (بالكتاب والسيف) فكانت هذه القوة والنصرة والفلاح لهذه الدعوة السلفية، إذ جمعت بين السيف والعلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في منهاج السنة ما نصه: (الدين لا بد له من كتاب هاد، وسيف ناصر) فكانت معاهدة الإمامين المباركين رحمهما الله تعالى، الدعوة للإسلام وأن يكون الدين كله لله، دعوة سلفية للكتاب والسنة، والتمسك بهما {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة، فقامت الدولة المباركة، دولة التوحيد. (المملكة العربية السعودية) على يديهما، وطهر الله بهما جزيرة العرب من الشرك، والخرافات، والبدع، والمحدثات، حتى أصبح الدين كله لله وحده، وما زالت مملكتنا قائمة على الحق ظاهرة عليه، ناصرة له، وإن وصفت بالتطرف والغلو!
قال الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - عن نفسه:
(أخبركم أني - ولله الحمد - عقيدتي وديني الذي أدين الله به:مذهب أهل السنة والجماعة، الذي عليه أئمة المسلمين، مثل الأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يوم القيامة، لكنني بينت للناس إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يعبد الله من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك، مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة) (الدرر السنية 46-1-65-79-80) فأين الإرهاب والتطرف الذي وصف به - رحمه الله وأتباعه).
وليس الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - تكفيرياً كما زعم معارضوه، يقول عن نفسه - رحمه الله -: (وأما التكفير: فأنا أكفر من عرف دين الرسول- صلى الله عليه وسلم-، ثم بعد ما عرفه سبه، ونهى الناس عنه، وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك) الدرر السنية 1-73).
وقال -رحمه الله - (واأما القتال: فلم نقاتل أحداً إلا دون النفس والحرمة، فإنا نقاتل على سبيل المقابلة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} (40) سورة الشورى، وكذلك من جاهر بسب دين رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما عرفه) (الدرر السنية 1-83).
فكل ما ذكر عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - من ادعاءات كلها باطلة، وهي من البهتان والكذب، يقول - رحمه الله - عن هذا: (والحاصل: إن ما ذكر عنا من الأشياء، غير دعوة الناس إلى التوحيد، والنهي عن الشرك، فكله من البهتان) (الدرر السنية 1-72).
ليس كلامه هذا فقط عن نفسه! بل حتى كلام غير المسلمين من مستشرقي الغرب، يشهدون له بذلك.. والحق ما نطقت به الأعداء.. يقول: (برناد لوس) الفرنسي في كتابه: (العرب في التاريخ): (وباسم الإسلام الخالي من الشوائب الذي ساد في القرن الأول: نادى محمد بن عبدالوهاب بالابتعاد عن جميع ما أضيف للعقيدة والعبادات من زيادات، باعتبارها بدعا خرافية غريبة عن الإسلام الصحيح).
ويقول شيخ المستشرقين (جولد سهير) في كتابه: (العقيدة والشريعة): (وإذا أردنا البحث في علاقة الإسلام السني بالحركة الوهابية، نجد أنه مما يسترعي خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الديني، الحقيقة التالية: يجب على من ينصب نفسه للحكم عن الحوادث الإسلامية أن يعتبر الوهابيين أنصاراً للديانة الإسلامية، على الصورة التي وضعها النبي والصحابة، فغاية الوهابية هي إعادة الإسلام كما كان).
ويقول المستشرق (جب) الإنجليزي في كتابه: (المحمدية) (وفي جزيرة العرب قام حوالي 1744م 1157هـ محمد بن عبدالوهاب مع أمراء الدرعية آل سعود بتحقيق الدعوة إلى المدرسة (المذهب) الحنبلية التي دعا إليها ابن تيمية في القرن الرابع عشر).
وجاء في دائرة المعارف البريطانية ما نصه: (الوهابية: اسم الحركة التطهير في الإسلام، والوهابية يتبعون تعاليم الرسول وحده، ويهملون كل ما سواه، وأعداء الوهابية هم أعداء الإسلام الصحيح).
فماذا بقي أن يقال بعد ذلك كله؟ ماذا نقول لمن حارب ديننا ودولتنا وأمننا ووصفنا بالتشدد والضياع والظلم؟
أين دور العلماء والدعاة وأهل الخير والمثقفين للدفاع عن الإسلام وديننا؟ في هذا الزمان يطلق الأعداء من الداخل والخارج على أبناء مجتمعنا وشيوخنا وولاتنا بـ(الوهابيين أو التكفيريين أو الإرهابيين) حتى أصبحت (الوهابية) لمزا يلمزه بنا الأعداء، يشار به لكل من خالفهم، وكل شر يقع في الأرض ينسب للوهابية، بل كل من تشدد في دينه وحارب الآخرين، وعاداهم وأفسد في الأرض، نسب للوهابية، وهذا من الظلم والعدوان العظيم، إذ إن الناظر الحصيف بصدق يجد أن كل من أراد النيل من ثوابت الدين، أو من دولتنا، فإنه يطلق هذه العبارات الرنانة دون عدل ولا إنصاف!!
كم عدد الدعاة والمصلحين في بلادنا؟ لماذا أصبحوا يستحون أن يدافعوا عن دينهم وعقيدتهم وولاتهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه؟ لماذا لا يبينون للناس ما هم عليه من حقيقة وخير وفضل ينعمون به في مجتمعهم؟ هل أغلقت أفواههم فلا يستطيعوا أن يتحدثوا؟ أم أنهم على استحياء من انتسابهم للسلفية ولهذه البلاد المباركة!! فلا يطعن بالشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - إلا أصحاب الأهواء والعواطف والمقاصد السيئة لديننا ووطننا.
درسنا ونحن صغاراً سيرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ودعوته الطيبة ورسائله وكتبه ككتاب: التوحيد والأصول الثلاثة وكشف الشبهات وغيرها من كتب الشيخ المجدد في مدارسنا ومساجدنا! فلماذا لا ندافع عن دعوته وما لطخ ونسج عنها من أكاذيب؟ ونحن نعلم حقيقته ودعوته، وأنها بريئة من الغلو والتكفير والتطرف والإرهاب، هل تكلم أو كفر أحد من العلماء المعتبرين الربانيين الشيخ محمد بن عبدالوهاب في زمنه أو من جاء بعده؟ فلماذا ظهرت هذه الأصوات الخداعة في هذا الوقت تحديداً وتم إغفال ميزان العدل؟ مع أنعدام مصدر المعلومة وعدم الثبت وتصديق ما قيل من الكذب والأساطير، وما ذاك إلا لتفكيك مجتمعنا المتماسك حول دينه وقيادته.
وصدق أخي الأستاذ سلمان العُمري عندما أشار أنه بالفعل في هذا الوقت تواجه الدعوة السلفية حرباً ضروساً ليس من أعدائها الظاهرين بل من أبنائها المتربصين وهذا ما بلينا به من أبناء جلدتنا باسم الإسلام والعدالة أو باسم التنوير والتحرير والثقافة والعولمة! ليس هذا والله من جزاء المعروف لديننا ووطننا.
وحري بطالب الحق أن يرجع لكتب ورسائل الشيخ ليجد العدل والحق والإنصاف!
نسأل الله أن يكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، ونسأله أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يرينا الصراط المستقيم، ونسأله أن يوفق قادتنا وولاتنا لكل خير وصلاح، وأن ينصر بهم الدين، وأن يعلي بهم كلمة الإسلام في كل مكان، وأن يشكف زيغ المنافقين والطامعين في ديننا ووطننا.. حفظ الله لنا ديننا وأمننا وولاتنا.