السّلامُ للموقف!
ومثلُهُ لشهداءِ الواجب - رحمَهُم الله -! «فهد بن هزاع الدوسري» و»محمد بن مبارك البريكي» و»سعيد بن هادي القحطاني « و»سعيد بن علي القحطاني». وسَلَامٌ آخرَ لقيادةِ هذا الوطنِ الرّاشد! - أعزَّها الله -.
شُهداءُ الواجب.. أيُّها الوطنيون..هم فخرُنا.. وتاجُ رؤوسِنا.. وهاماتُ عيونِنَا، وأكاليلُ حُبِّنَا.
وشُهداءُ الواجب.. أيٌّها الوطنيون.. همُ الذين أَشْعَلتهم الكلمة.. ولبُّوا النداء.. وتحوّلوا إلى وهجٍ يغشى عيونَ خوارج هذا العصر وأرباب الفكر الضَّال.
وشُهداءُ الواجب.. أيُّها الوطنيون.. همُ الذين انسلُّوا سيْفاً يبترُ اليد التي تمتدُّ شبراً منه.
وشُهداءُ الواجب.. أيُّها الوطنيون.. همُ الذين اندفعوا وقدَّموا دمَهم وقوداً.. وروحَهم فداءً لرايةِ التوحيد في نهارِ رمضانَ وهُمْ صيام.
وقيادةُ هذا الوطن الرَّاشِد.. أيُّها الوطنيون.. هي المفعمةُ بتفاصيلِ الحبِّ والتقدير.. وهي من تحملُ الحبّ والتقدير، وتحملُ ممارساتِهَا ومواقِفِهَا في مَسَاقَاتِ قيمِهَا الرُّوحيةِ والمعرفيةِ ووعيها المقترنِ بالأخلاقِ والروح الوطنية، والإنسانيةِ الحقَّة التي تشبع بروحِ الحبِّ إلى التواضع. وبالتالي فهي حين تنتنج تفاصيلَهَا الرائعة في مساقاتِهَا تلك، تنتهجُهَا بتلقائية، وبرُوحٍ تهطلُ في نسيجِ وعروقِ إنسانِ هذا الوطن مطراً وفرحاً وبهجةً وعذوبةً وألقا.
والموقفُ.. أيُّها الوطنيون.. كما تعلمون أوْ تفهمون.. هو ديوانُنَا، هو علمُنَا، هو طموحُنَا، هو تاريخُنَا، هو تماسكُنَا، هو وحْدةُ مشاعرِنا، هو وحدة عقلِنَا.
الموقفُ.. أيُّها الوطنيون.. هو نحن.. وهم.. واقفون تحت لهيب الشَّمس، نرتوي عطرَ الرمل، ونشمُّ ورْد المستقبل.
ولولا الموقف.. لما استطعنا أنْ نصنع تاريخاً عظيماً مثل الذي صنعَهُ موحِّدُ هذا الكيان الملكُ المؤسِّسُ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه - حتى بلغ بنا - بقدرة الله تعالى وإعانته وتوفيقه - مبالغَ النور في وجدانِ العالم في الوقت الرّاهن رغْم أشرعةِ السُّفُنِ السوداء في بحارِ أحقادِ الإرهابيِّين المُغَالين الخارجين على الانتماءِ لوطنهم، واستفْحَال البيئات الفوضوية، واستغوال الفتن هنا وهناك!
ولولا الموقف.. لمْ ولنْ يكون للقيمِ رونقها، وللنُّبْل عذوبته، وللتنمية صوتها، وللحلم لؤلؤه، وللرخاء ألقه!
ولولا الموقف.. ما كان لكرامةٍ شموخُهَا، وللعزةِ طعمهَا، وللأمنِ سطوته، وللصعودِ مضاؤه، وللوعدِ نشوته، وللجهدِ والتفكيرِ ذروته ولذَّته!
ولولا الموقف.. لما كانَ للنّاشئةِ أهازيجهم، وللشبابِ عنفوانهم، وللشيوخِ حنينهم!
يا أبناءَ شهداءِ الواجب - وقبلهم - آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأقاربهم وذويهم..
هذا هُوَ الجمهورُ الواقفُ بأبوابِكم، المُتَكالِبُ على مقرّاتِ مراسمِ عزائِكم، الثَّمِلِ بكلماتِهم حَزِينةِ المشاعر، النازفِ بحماقاتِ أرْبابِ الفكرِ الضالّ، الحالمِ بأنْ يرحمَ شهداء الواجب «فهد» و»محمد» و»سعيد» و»سعيد» وينزلهم منازلَ الأبرار.
يا أبناءَ شهداءِ الواجب - وقبلهم - آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأقاربهم وذويهم.
هذا هو الموقفُ.. الذي خَطَفَ جمهور المشيِّعِينَ والمُعزِّينَ في المرحلة الحاليةِ مِنْ ذهولِهم.. سوف يعفر وجوهَهُم بالعطر، وسيلوِّنُ ثيابَهم بألوانِ قوس قزح، وسيملأُ جوانِحَهُم بأنْ نظل لهذا الوطن أوفياء.. نشدُّ عضُدَه.. ونقيل عثْرَتَه.. وسنحْفظُ لمن نأتِ به الظروف من الموقف موقفاً يحفظُ لَنَا في ذاكرةِ التاريخِ كلَّ شيء.
سَوْفَ يجعلون صفحةَ وطنِهم تلتهبُ تحت أقدامِهم.. وشمسَهُ تفجر غضباً يلفحُ وجوهَ من يُبيِّت العداء.. تعاهدوا أنْ يحيلوا رمالَهُ أكفاناً، وصخورَهُ شواهدَ للمعتدين الخارجين الضالِّين... وعِشْتَ قوياً منيعاً يا وطني..
يا أبناءَ شهداءِ الواجب - وقبلهم - آباءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأقاربهم وذويهم..
هذا هُوَ خادمُ الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - أيّده الله - ينشد أحلى الكلام! وهو - طَبَعَاً - مليك الكلامِ والفعل المؤثِّر! إذْ قال في كلمته التي ألقاها نيابةً عنه صاحبُ السموِّ الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بمناسبة استقبالِهِ بقصرِ منى الثلاثاء 10 ذي الحجة 1435هـ الموافق 15 أكتوبر 2014م، أصحابَ السمو الملكي الأمراء، وسماحةَ مفتي عام المملكة، والعلماء، والمشايخ، والوزراء، وقادة القطاعات العسكرية المشاركة في الحج، وقادةَ الأسرةِ الكشفية في المملكة المشارِكَةِ في الحج، الذين قدمُوا للسلامِ عليه وتهنئتِهِ بعيد الأضحى المبارك، والتي خاطَبَ بها شهداءَ الواجب:
«لن ينسى لكم هذا الوطن وشعبه، دوركم التاريخي، الذي تداعى على عتبات همته وصلابته أعوان الشيطان من الفئات الضالة، والمنحرفة، وسنذكر دوماً شهداء الواجب، ممن رحلوا عن دنيانا، مضحين بأرواحهم لحماية أمن وطنهم وأراضيه وسيادته، فلهم منا الدعاء أن يرحمهم الله برحمته، وأن ينزلهم منازل الصديقين والصالحين، وليعلم كل من أصيب أو جرح من مناضلي الحق بأن كل جرح أصابه هو وسام فخر له في نفوسنا منزلة الصدارة».
وهذا هُوَ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الذي يعلمُنا اليوم - كما علّمنا دائماً - قواعدَ التاريخِ والموقف! فيحدو بِحُداَءِ العلاقاتِ الاجتماعية والوطنية المنتظمة والتقاليدِ الأصيلة، عبر إجرائِهِ مُكالماتِ تعزيةٍ ومواساةٍ لأُسَر شهداء الواجب - رحمهم الله - واحداً تلو الآخر.
وها هُوَ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد يكْملُ لوحة التاريخ والموقف، بإجرائه أيضاً اتصالات هاتفية بأسر شهداء الواجب الذي شكَّلها بروحِ الواقعية وإحساسِ الانطباعية.
وهذا هوَ صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية الذي ما يبْرح يفكُّ في أبناءِ وذوي شهداءِ الواجب عُقْدَةَ اهتمامِهِ وتلبيةِ احتياجاتهم وتذليل الصعوبات أمامهم - شخصياً - وتقديمِ الدّعمِ والعون لهم. يوجِّهُ بترقية شهداءِ الواجبِ الأربعة في حادثِ الوديعة ويمنَحَهُم نوط الشرف. كما وجَّهَ أيضاً - حفظه الله - بمنحِهِم وسامَ الملك عبدالعزيز من الدرجه الثالثة ومبلغ مليون ريال بالإضافة إلى 100 ألف لأسرة كل شهيد. بالإضافة إلى استضافتهم لأداء العمرة خلال شهر رمضان المبارك، وتفطير 1000 صائم حتى نهايةِ الشهر صدقةً عنهم.
وهذا هُوَ صاحبُ السموِّ الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير، وصاحب السمو الملكي الأمير تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض - سلّمهما الله -، يلتقيان بأُسَرِ الشهيد العريف سعيد هادي محمد القحطاني والشهيد العريف فهد هزاع جريدي الدوسري وذويهم، في مركز الحرجة التابع لظهران الجنوب ووادي الدواسر، ويصافحونهم العينَ بالعين، واللذان احتدمَ حبُّهما وحبُّ قيادتهما لهم ؛ فأعادا إلى شرايينِهِم دماءهم، وإلى قلوبهم نَبْضَها، وإلى كلماتهم وهجها، وإلى أكفِّهم حرارتها، وإلى عيونِهِم تدفُّقها وتحدياتهم. فأصبحَ الأميران خالدٌ وتركي هما الموقفُ بالغترة والعقال!
وأضَافَ مشهدُ تقدُّمِ وكيلِ إمارة منطقة نجران عبدالله بن دليم القحطاني ووجهاء وأعيان محافظة شرورة المشيعين الذين شاركوا في مواراةِ جثمان شهيديْ الواجب محمد البريكي والعريف سعيد هادي محمد القحطاني إلى مقبرة طريق الوديعة، مشهداً آخرَ من مَشاهدِ الموقف وجمالِ تفاصيله.
مَشَاهدُ جَمَالِ الموقف وسيمفونيّةِ تفاصيلهِ لم تقفْ عند هذا الحد، فها هو صاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز رئيس مؤسسة الوليد الخيرية يعزِّي هاتفياً أسرَ شهداء الواجب «فهد» و«محمد» و«سعيد» و«سعيد» ويتبرعُ بربع مليون لأسرةِ كلِّ واحد منهم.
وها هُوَ الأميرُ عبدالرحمن بن مساعد رئيس نادي الهلال يبادرُ مبادرةً تجديديةً إنسانيةً، حيث ضمَّ أسماء شهداء الوطن الأربعة الذين استشْهِدُوا أثناء مواجهات شرورة إلى سجلِّ مكافآت الحدِّ الأقصى للفوزِ والبطولات للموسم المقبل وستسلَّمُ لأسرهم في نفس وقت تسليمِهَا للاعبي الفريق الأول.
وهذه هي إدارةُ النادي الأهلي تقرِّرُ، تخصيص 20% من دخلِ الحضور الجماهيري، لمباريات الفريق الكروي الأول في النادي خلال الموسم المقبل لأسرِ شهداءِ الوطن الأربعة.
والذين تابعوا كلَّ تلك التفاصيلِ بآفاقِهَا الواسِعَةِ الرّحبة، يعرفون أنَّها تعطي أبْدَى الدلالات وأميزِهَا على أنّ المواطنَ والقيادةَ يقفون على هذه الأرضِ الطّيبةِ المعطاءة، وهم يواكبون بشعورِهم وجهدِهم وعَرَقِهِم وبعلمهم وبخبراتِهِم وبانتمائِهم.. كلَّ هذه الأبعادِ الهائلةِ لحجم الإنجازات الضخمة بكل زخمِهَا الحضاريّ. وأنهم مستعدون لبقائه قوياً آمناً ومستقراً، لا تهزُّه يدُ الغدر، ولا ترهِبُهُ قنابلُ الفكْرِ السامّ ولا تؤثر في عزائمِهِ أحزمةُ الخيانة.
وختاماً.. سألني ابني «عبدالله» ذي الـ12 ربيعاً عن دلالات الصورةِ التي تمّ تداولها على نطاقٍ واسع، و»خالد» ابن الشهيد العريف محمد بن هزاع الدوسري ذي الـ5 سنوات يشير بأصبعيْهِ بالنّصر أمامَ وسائلِ الإعلام مصحوبة بالابتسامة العريضة وصاحبُ السموِّ الملكيِّ الأمير تركي بن عبدالله أمير الرياض يحتضنه أثناءَ زيارتِهِ الخاصة لمحافظة وادي الدواسر لتقديمِ واجبِ العزاء: فجاوبته قائلاً: «إنها ردّةُ الفعلِ العاقلة بما يحدثُ حولَهَا، والواعية برسالتِها، والكبيرة بثقتِها في وجهِ كلِّ مكيدةٍ لحاقد أو فرْيَةٍ رخيصةٍ لمُرْجِف، تولَّدتْ في الأطفال حتى يشبُّوا كبارا».
ولا يَسَعُنِي بعد حَمْدِ الله وَشُكْرِه - على أحداثه أيّاً كانت - إلا أنْ أدعو الله تعالى بأنْ يحفظَ الله هذا الوطن وقادتَهُ الأوفياء، وأنْ يُديم وحدتَهُ وتضامنَهُ ووحدةَ صفِّهِ، وأنْ يدرجنا بهم إلى مدارجِ النجاحِ والرقيِّ والسؤدد والاستقرار والتنمية، وأنْ يقطع دابرَ المتآمرين، ومَنْ يحاولُ الإخلالَ بأمنِهِ والنيْلِ منه. إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.