هكذا تعلمنا في مدارسنا، وهكذا عرفنا منذ أن كنا على مقاعد الدراسة الأولى، عرفنا أن الصنعة أمان من الفقر لأن الصنعة الشريفة تغذي مسيرة الإنسان شرفا وعطاء، وتمنحه الفرصة ليقف في أوساط المجتمع شريفا في سلوكه وأخلاقه، عاليا في همته، مفاخرا بمهنته الشريفة قل دخلها أو ارتفع وهي التي تكسب الأنسان مزايا كثيرة فالتجربة والخبرة والتواصل مع المجتمع والناس من خلال هذه الصنعة تزيد من الرصيد المعنوي وترفع معدل الفكر والمكانة الاجتماعية للإنسان، وما قصة الرجل الذي جاء للرسول عليه الصلاة والسلام متسولا فمنحه درهمين وقال له أذهب واشتر بأحدهما مأكلا لك ولبيتك وفي الآخر فأسا ثم احتطب وبع خير لك من سؤال الناس أعطوك أو منعوك، وفي ذلك حث نبوي جميل على العمل الشريف وهو أيضا حث على عدم التسول، يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أني لا أرى الرجل فيعجبني فإذا قيل لا عمل له سقط من عيني)، لن يستطيع إنسان أن يحصل على عمل وهو جالس في بيته يغط في نوم عميق ينتظر العمل ليطرق أبواب منزله، لن يستطيع إنسان أن يحصل على صنعة شريفة وهو يستصعب العمل في الميدان ويظن أن العمل سيأتيه طائعا مختارا دون أن يكتسب من الخبرات والتجارب التي تعنيه للدخول في مضمار العمل مدفوعا بهذه الخبرات وتلك التجارب، إنه من الواجب على أصحاب العمل في قطاعنا الخاص أن نمنح الفرصة للشباب لإثبات جدارتهم وكفاءتهم في ميدان العمل وأعلم تمام العلم أن هناك الكثير من الشباب لا يمانعون من خوض غمار العمل بحثا عن رزق لهم ولأسرهم وفي المقابل أرى مع شديد الأسف قلة من شبابنا يبحثون عن المظهر الزائف في الوظيفة ويقررون النظرية المعكوسة التي تقول (إن البعض يبحث عن عمل في مكتب مكيف مريح براتب كبير).
لن يتمكن إنسان من الإبداع في عمل أو صنعة أو مهنة شريفة داخل مكتب مكيف ومريح دون أن يحاسب نفسه عندما يتلاعب بساعات الدوام وهو الذي يتبرم ويتضجر عندما يحاسبه صاحب العمل عند التقصير في واجباته.
إننا بحاجة للرجال المبدعين ليفجروا طاقاتهم المهنية والوظيفية ويقدموا أنفسهم لسوق العمل راضين قانعين بما أتاهم الله من الرزق الحلال حتى يكتسبوا الخبرات، ويتأهلوا بالتجارب ليحصلوا منها على الكفاءة والجدارة التي يبحث عنها سوق العمل، وفق الله كل مخلص نزيه يعمل بكفاءة، ويعطي بجدارة، ويؤدي بأمانة، ويتحرك بضمير حي والله الموفق،,