عند وصولي مؤخرًا كسفير للولايات المتحدة لدى المملكة العربيَّة السعوديَّة، غمرني أنا وزوجتي «ليندا» الترحيب الحار الذي تلقيناه هنا من السعوديين في جميع مناحي الحياة. وبينما أبدأ في مباشرة مهامي، أردت أن أنقل اليكم بعض ملاحظاتي عن الشراكة الأمريكية - السعوديَّة، سواء على المستوى الحكومي أو على المستوى الشخصي.
وإِذْ إنني أرى الدبلوماسية بمثابة التفاعل من شخص إلى آخر، فأنا أتطلَّع إلى مقابلة العديد من المواطنين السعوديين من خلفيات مختلفة لتوطيد العلاقات الثنائية في السنوات المقبلة.
وأود أن أغتنم هذه الفرصة لتقديم أحرّ التهاني للشعب السعودي بمناسبة شهر رمضان المبارك. وآمل أن نستمر في المملكة العربيَّة السعوديَّة وفي جميع أنحاء المنطقة في التركيز دائمًا على ما يجمعنا: الأسرة، والتعاطف، والإحسان، والسلام.
إن العلاقة السعوديَّة الأمريكيَّة هي واحدة من أقرب وأقيم علاقاتنا في المنطقة، بل في العالم. وعلى مرِّ السنين، تشاركت كل من المملكة العربيَّة السعوديَّة والولايات المتحدة في معالجة بعض أصعب التحدِّيات التي تواجه العالم.
وقد أكَّد الرئيس أوباما على هذه الروابط الوثيقة عندما زار الرياض في يوم 28 مارس كما تربط الولايات المتحدة والمملكة العربيَّة السعوديَّة علاقات صداقة وطيدة استمرت لعدة عقود وبنيت على أساس مصالحنا المشتركة في مجالات الأمن الإقليمي والتجارة والاستثمار والطاقة والتَّعليم، تمامًا كما أوضح الرئيس أوباما في ذلك الاجتماع الذي عقده مع الملك عبد الله الذي استمر أكثر من ساعتين.
وصل حجم علاقتنا التجاريَّة الثنائية إلى أكثر من 70 مليار دولار، مما يجعل المملكة العربيَّة السعوديَّة تاسع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في العالم. وتبقى الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للمملكة العربيَّة السعوديَّة، حيث شهدت قيمة الصادرات الأمريكية إلى المملكة نموًّا بنسبة 76 في المئة منذ بداية إدارة الرئيس أوباما في عام 2009م وتتيح الاتفاقية الإطارية للتجارة والاستثمار الموقعة في عام 2003م الفرصة للولايات المتحدة والمملكة العربيَّة السعوديَّة لبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصاديَّة، ومنذ أقل من عام، وقعنا اتفاقية الأجواء المفتوحة.
ومنحت صادراتنا الزراعيَّة، التي وصلت إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، المستهلكين السعوديين جودة لا مثيل لها. كما ازداد تعاوننا الثنائي كذلك في المجالات الزراعيَّة والبيئيَّة والصحيَّة. إن المملكة العربيَّة السعوديَّة هي الآن شريك لنا في مبادرة الميثان العالميَّة التي تسعى جاهدة لخفض آثار تغير المناخ عن طريق خفض انبعاث غاز الميثان. كما أن بلدينا شركاء في القطاع الصحي على مدى 30 عامًا - في كلِّ من القطاع العام والخاص- ويستمر هذا التعاون في النمو بين وزارتي الصحة في البلدين والوزارات الأخرى والمنظمات من خلال التعاون في مجال الأبحاث، وبرامج الجامعة، وتبادل الخبراء. ومثال على ذلك. مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأمريكية (CDC) التي تعمل عن كثب مع وزارة الصحة في المملكة العربيَّة السعوديَّة لمتابعة مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية حيث إن لديها فريق عمل في المملكة يعمل يوميًّا مع خبراء وزارة الصحة. وتشمل مجالات التعاون بين البلدين أيْضًا مجال الطاقة المتجددة والطاقة البديلة وكفاءة الطاقة. وهذه الشراكة بين البلدين ستزداد قوة حيث إن زيادة إنتاج النفط الأمريكي يجعل المصالح الأمريكية والسعوديَّة تتناسق بشكل أكبر في أسواق الطاقة العالميَّة.
ويعد التَّعليم أحد أهم أشكال هذه الروابط الوثيقة. لا يزال الطلاب السعوديون يلتحقون بالجامعات والكليات الأمريكية وحتى المدارس الثانوية منذ عام 1950م، وأحد أهم إنجازات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله هو برنامج الابتعاث الخارجي الذي يحمل اسمه. ففي عام 2005م، قبل انطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، كان هناك أقل من 3.500 طالب سعودي في الولايات المتحدة. أما اليوم فيوجد هناك أكثر من 83.000 شاب وشابة سعوديين يدرسون في جامعاتنا وكلياتنا، وبذلك تحتل السعوديَّة المرتبة الرابعة من بين جنسيات الطلاب الدارسين في أمريكا. وفي العام الدراسي الأخير، التحق أكثر من 50 في المئة من طلاب برنامج الابتعاث الخارجي بالدراسة في الولايات المتحدة. ونحن فخورون بأن نكون الوجهة المفضّلة للطلاب السعوديين ونعلم أن هؤلاء السفراء الشباب سوف يبنون علاقات من شأنها أن تدعم شراكتنا لعقود قادمة. لذا فإننا نشيد برؤيته، ونأمل أن نرحب بالمزيد من الطلاب في المستقبل.
في العام الماضي صدرت 38.306 تأشيرات دراسية من أصل 126.000 تأشيرة أمريكيَّة للمواطنين السعوديين من بعثاتنا الدبلوماسية الثلاث الموجودة في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وقد تمَّت الموافقة على أكثر من 90 في المئة من طلبات التأشيرات للسعوديين، وهذه تُعدُّ واحدة من أعلى المعدلات في العالم.
كل هذه العوامل تشير إلى أن المملكة تشهد نموًّا وتطوَّرًا كبيرين. وأن دورها العالمي في ازدياد من حيث الأَهمِّيّة والمسؤولية. ومنذ ذلك اليوم المشهود في عام 1944 عندما التقى الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز على متن السفينة كوينسي حين قدم اعتراف ودعم الولايات المتحدة لهذا البلد الجديد، نمت صداقتنا وعلاقاتنا الاقتصاديَّة والسياسيَّة وترعرعت بشكل كبير. كما أكَّد قادتنا على الروابط القوية والشراكة بين شعبينا.
وقد أوكل لي الرئيس أوباما ليس فقط مسؤولية مواصلة تعزيز هذه العلاقة، ولكن أيْضًا بناء كل السبل من أجل تعزيز الأمن والاقتصاد والمصالح الثقافية المتبادلة بين البلدين. وعلى الصعيد الشخصي فقد تلقيت هنا ترحيبًا حارًا، وأنا اتطلَّع إلى أن أبذل كل ما في وسعي لمواصلة تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والمملكة العربيَّة السعوديَّة في هذه المجالات خلال فترة عملي بالمملكة.