أكد صاحب السمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد آل سعود مستشار خادم الحرمين الشريفين ورئيس لجنة الدعوة في أفريقيا على أن الحوار يحقق ما لا تحققه القوة والعنف، قائلا إن المملكة العربية السعودية تواصل أداء رسالتها المهمّة في نشر الوسطية وترسيخ مبدأ الحوار في الدعوة إلى الله، وأن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تقوم بدور كبير في الدعوة الإسلامية حيث خرجت عدداً هائلاً من الدعاة، راجياً أن تواصل الجامعة رقيّها للمستوى الذي يطمح إليه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والمسؤولون في هذه البلاد.
جاء ذلك خلال الحفل الذي أقامته الجامعة الإسلامية مساء أمس الأول (الأحد) لاستقبال سموّه، يرافقه صاحب السموّ الأمير خالد بن بندر بن سلمان بن محمد آل سعود، ووفد من الدعاة والعلماء يمثلون 42 بلداً أفريقيًّا ضمن الملتقى الثالث والعشرين للجنة الدعوة في أفريقيا الذي يعقد هذا العام تحت عنوان «الحوار».
وأضاف سموّه خلال كلمته في الحفل: إن الحوار هو أهم ما يمكن أن ينطلق منه الداعية لبيان الحق للمخالف أو إظهار قوة الحجة له أو على الأقل تحييده، وقال: «نستطيع أن نكسب بالحوار ما لا نكسبه بالقوة والعنف».
وقال: إن اللجنة تستضيف هذا العام علماء ودعاة يمثلون 42 قطراً وبلداً من أفريقيا وأغلبهم من خريجي الجامعات السعودية، وجاءوا إلى هذه البلاد ضمن هذا الملتقى لتوطيد علاقتهم بجامعاتهم ولتأكيد التلاحم والتكاتف بين المملكة وبين دعاة أفريقيا ودعاة العالم عموماً، حيث يلتقي المسؤولون والعلماء في هذه البلاد وأئمة الحرمين، مشيراً إلى أن المشاركين في الملتقى يتنافسون بتقديم أبحاث حول موضوع «الحوار» في مسابقة رصدت لها جوائز قيمة.
وأشاد سموّه بمبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار، حيث أنشأ مركز الملك عبدالعزيز للحوار، ومركزاً دوليًّا في فيينا، إضافة إلى مركز الحوار الذي سيقام في المدينة المنورة. وأشار إلى أن لجنة الدعوة في أفريقيا استفاد منها أكثر من 640 ألف مستفيد مباشر، من خلال أكثر من 100 منشط، وهذا لم يأتِ من فراغ بل بدعم من خادم الحرمين الشريفين وحكومة المملكة وبجهد دؤوب من أعضاء اللجنة.
من جهته أكد معالي مدير الجامعة الإسلامية الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله السند أن ثمة دعاة اليوم تلبسون بأسماء الدعاة وهم دعاة على أبواب جهنم، وأن الحاجة ماسة إلى أن يقوم دعاة الخير على المنهج السلفي الصحيح الذي قامت عليه هذه اللجنة المباركة رغم تلاطم الفتن، مؤكداً أنها أفادت من مؤسسها المعروف بالمنهج السلفي من هذه الأسرة المباركة أسرة آل سعود الذين ناصروا الدعوة وأيدوها منذ تعاهدوا مع إمام الدعوة المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.
وعبّر عن اعتزاز الجامعة بأن يكون من بين العلماء والدعاة المشاركين في الملتقى عدد كبير من خريجيها، وهي الجامعة التي أنشأتها الدولة قبل أكثر من نصف قرن لتكون منارة للدعوة إلى الله على بصيرة وهدى، حتى تخرج فيها أكثر من 60 ألفاً، أصبح كثيرٌ منهم قادة الفكر والتوجيه والدعوة في بلدانهم، وهم دعاة الخير والوسطية التي هي منهج هذه الأمة.
وأضاف الدكتور السند: إننا في هذا الوقت بالذات بأمسّ الحاجة إلى بيان المنهج القويم ومدافعة الباطل وأهله، فنحن في زمن تلاطمت فيه الفتن خاصة مع فتنة الخروج التي لا زالت تتجدد في هذا الزمن، مما يحتّم وجود دعاة على المنهج الصحيح على علم وبصيرة، موصياً الدعاة والعلماء المشاركين في الملتقى باعتماد منهج الحوار في بيان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، لإزالة الشّبه ورفع اللبس الذي علق بأذهان كثير من أبناء الأمة.
ورفع الدكتور السند صادق الشكر لخادم الحرمين الشريفين على ما تلقاه الجامعة من دعم لتواصل مسيرتها في خدمة الإسلام ونشر المنهج الوسطي الصحيح، كما شكر صاحب السمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد آل سعود وأعضاء اللجنة.
وألقى كلمة الضيوف الشيخ محمد عثمان من جمهورية جزر القمر المتخرج من الجامعة الإسلامية عام 1405هـ، رفع من خلالها الشكر لحكومة المملكة على هذه الرعاية والاستضافة ولجهودها المباركة التي لا تخطئها عين في بلاد الحرمين الشريفين وحسن رعاية المسلمين زواراً وحجاجاً ومعتمرين والوقوف معهم خاصة في المصائب والمحن النازلة بهم ونصرة قضاياهم العادلة.
كما قدّم الشكر لرئيس لجنة الدعوة في أفريقيا صاحب السمو الأمير الدكتور بندر بن سلمان بن محمد، مشيداً بجهود اللجنة في جمع الدعاة سنويًّا وتهيئة اللقاءات بكبار علماء المملكة وزيارة الصروح العلمية، موصياً الدعاة بالتزام منهج السلف عقيدةً وعملاً وانتهاج منهج الحوار الذي انتهجه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
وألقى الشاعر محمد صو الطالب بمرحلة الدكتوراه بالجامعة من السنغال قصيدة شعرية أثنى فيها على جهود المملكة ممثلة في لجنة الدعوة والجامعة الإسلامية في تأهيل الدعاة في أفريقيا ونشر المنهج الإسلامي الوسطي بين المسلمين فيها.
وفي ختام الحفل تبادل سمو الأمير بندر بن سلمان بن محمد آل سعود ومعالي مدير الجامعة الهدايا التذكارية، كما تمّ تكريم الدعاة والعلماء المشاركين في الملتقى.
وشهد الحفل كذلك محاضرة بعنوان «الحوار» ألقاها الأستاذ الدكتور سليمان بن سليم الله الرحيلي الأستاذ بكلية الشريعة وأستاذ كرسي سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم للفتوى وضوابطها، أكد فيها أن الحوار أسلوب نبوي في الدعوة، لكن الخلط شائع في هذا الموضوع حيث إن هناك من ذهب إلى تكفير من يدعو إلى الحوار واتهامهم بأنهم من المنافقين ومن هُدّام الدين، وذلك لأنه جهل الحوار والمراد منه أو كان مغرضاً استغل جهل الناس بالحوار، وهناك من دعا إلى الحوار المنفتح، حيث نتحاور مع أصحاب الأديان المختلفة فلعل الحق يكون في ديننا أو بعض الحق يكون في دينهم وهذا منكر من القول وزور، ومنهم من دعا إلى الحوار مع الأديان الأخرى من أجل وحدة الأديان وتأسيس دين يرضى به الجميع، وهذا كفر بالله تعالى.
ونبّه الدكتور الرحيلي إلى ضرورة تقسيم الحوار باعتبار من نتحاور معه، فقسّم الحوار إلى حوار مع المسلم في مسألة خلافية يكون الخلاف فيها سائغاً وهذا النوع يكون بالرفق والمحبة واحترام المحاور والاعتراف بفضله وهو ما يصدق عليه قول القائل: «قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب»، وهو لا يدفع المحبة ولا يسبب النفرة.
وأشار إلى الحور مع المسلم المبتدع الذي يكون المقصود منه نصرة السنة ورحمة المبتدع وبيان الحق له، والحوار مع الكافر الذي قد يكون لإقامة الحجة عليه ودعوته للإسلام وإيصال الحق إليه، وقد يكون لرد الشبهات عن الإسلام والمسلمين وهو من الجهاد بالألسنة ويُقصد منه إيصال الحق وبيانه ولا يقصد به الوصول إلى الحق فإن الحق في ديننا بلا شك.
أما الحوار مع أصحاب الأديان بقصد تحقيق وحدة الأديان فقال الدكتور الرحيلي إنه محرم وكفر بالله تعالى، لكن إذا كان الحوار مع غير المسلمين للوصول إلى الفضائل التي جاءت بها الأديان من أجل تعزيزها والإفادة منها في عمارة الأرض فلا بأس به.
وحثّ الدكتور الرحيلي الدعاة على العمل بالحوار ومعرفة أنواعه ومعرفة المشروع منه والممنوع وبيان ضوابطه حتى لا تختلط الأمور على الناس.