مسلم الوليعي من جهينة كان يرعى الإبل عند عنزة وكان عند معازيبه بنت صغيرة سن وعليها جمال باهر، ومن عفة العرب وأمانتهم ما يطري عليهم الخيانة والردى، والمذكور افتتن بها ولا يقدر يبدي لها شيء أو أن يعبر لها عن شعوره نحوها.
وفي يوم ذكر حالته وحبه للفتاة لأحد العجائز من العرب. فقالت له: ادّع انك مقروص وكثّر الصياح ويبين لك منها مواري إن كان هي تودك.
وفعلاً لما اجتمعوا مع غيرهم من الرعيان وأهل الدبش للمراح كالعادة سوى نفسه مغمي عليه وصاح فقالوا الرجال مقروص من يمص السم من ابهام رجله (لأن المقروص يمص من محل القرصة وينثر بالأرض لعدة مرات حتى يخف السم) فامتنع الحاضرون عن مصه. وقالوا السم مخطور. فقالت هي: أنا أمصه وهي بأشد حسرة عليه وتبكي من أجله خوفاً عليه. فعلم أنها توده.
ومن بعد ذلك، وبعد ما عرف شعورها نحوه ومودتها له قال لها: أنا أبي أخطبك أو انهزم بك.
فقالت: أما الجواز فعيال عمي مستحيل يرضون والحل الثاني أنا ما أرضاه لنفسي، وأنا ما أرضى جواز من غيرك.
وكان لها أخت صغيرة معهم رأت منهم محادثة خلاف العادة لأنه قبل ما يجلس معهم فأخبرت والدها وحست هي أنهم نووا لها القتل أو الضرب، فقالت لها: أبا رد قدامك وأكشف الأمر فإن رأيت منهم ريبة فأنا أقول: يا مسلم ارسل لا سلمت لأنه ياقف للبل يراسلها على المارد عندما وصلت رأت منهم دلايل وهم يزعبون للإبل من البير صوتت عليه بهذه الكلمة فركب ذلول طيبة وهرب بالليل وهم ظنوا انه ذهب لشيء وراجع لهم وعندما وصل أهله زاد عليه الشوق والحب وتردت حاله فعرض أخوه حالته على أحد نسائهم الطاعنات بالسن، وقالت له أشر عليه أن تشرفون براس رضوى وخله يرقاها ولا تبعد عنه خشية أن يطيح.
فعلاً قال له نبي نتمشى نشرف براس رضوى وخلاه براسها واختفى عنه قريب منه وتذكر طلحة يستظلون بها والأيام اللي مضت معهم وقال هذه الأبيات:
عدّيت في رضوى ورضوى أمنيفة
وأخيل في عيني جنوبٍ وشام
غروٍ قراني يوم قرصة أبهامي
غروٍ صغير ما عليه ألثام
قراني وهو يسفح من الدمع ناظره
ليت قراني والعيون نيام
ترى الصبا مثل الربيع إليا زها
واحسرتي ما للربيع دوام
ذكرت بنفسي طلحة نستظل بها
عليك يا دار الحبيب سلام
وأنا جيتكم من راس رضوى عشيه
كما شن غرب باد منه وذام
ويوم قام يبي يرمي نفسه تناوله أخوه ولا مكن إلا طرف العباة وتقطعت في يده والولد طاح ومات وعندما حول أخوه عليه ولاه متقطع، وكان عليه شعر طويل فقصه وذهب بها إلى العرب اللي جاء منهم أخوه بصورة أمدوّر ذهيب، وهم ما يعرفونه وعندما وصل العرب عرفوا إبل أهل البنت بالوصف وعرفها أيضاً بالجمال ووقف عندها بالفلا وقرون أخوه على غزيلة الشداد وعرفتهن وقالت له أنشدك في مذري نسمك ومثبت قدمك عن راعي هالقرون هو حي أو ميت.
فقال: تسبب له معشوقة ورقى راس رضوى وقصد له أبيات وجدع نفسه ومات، فلما تحققت من موته أغمى عليها وماتت من ساعتها وبعدما شاف جمالها عذر أخوه وقال فيها أبيات:
والله ما لوم الوليعي ولو طاح
من راس رضوى والعوض به عباته
مير اذهنوني عند هبّات الأرياح
لذب عمري ثم أسوي سواته
وكانت موتة الوليعي من هذا السبب.
** ** **
* من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية: منديل بن محمد الفهيد