شهر الصيام لقد كرمت نزيلاً
وشفيت من كل القلوب غليلا
شهر الأمانة والصيانة والتقى
والفوز فيه لمن أراد قبولا
طوبى لعبد صح فيه صيامه
ودعا المهيمن بكرة وأصيلا
شهر يفوق على الشهور بليلة
من ألف شهر فضلت تفضيلا
يحل على الأمة العربية والإسلامية كل عام ضيفاً كريماً وعزيزاً على قلوبهم يحتفلون به في أنحاء المعمورة كافة؛ اقتداء بسنة نبي الأمة محمد صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه الكرام، فإذا رؤي هلاله هتفوا به جميعاً، مرددين شهادة اللسان (لا إله إلا الله محمداً رسول الله) الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
هلال خير ورشد آمنا بالذي خلقك، اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله.
ويتكرر هذا المشهد كل عام على الأمة العربية والإسلامية قاطبة وهم يراقبون هلال هذا الشهر الفضيل بكل فرح وشوق وسعادة ولهفة ومحبة وحنين وسرور -معبرين بهذه العبارات الجميلة أهلاً وسهلاً بسيد الشهور أهلاً بك يا شهر البر والإحسان أهلاً بك با شهر الصيام والقيام.
كما قال نبي الرحمة محمد -صلوات الله وسلامه عليه-: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) أهلاً بك يا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار -أهلاً بمجدد الهمم العالية والمعاني السامية والمشاعر النبيلة ومطهرهم من أدرات الحياة وشوائبها ومشاغل الدنيا وهواجس أفكارها. يذكرهم بخالق السموات والأرض ويحرك فيهم نوازع الفطرة والأخلاق الكريمة ويدعوهم إلى رب الأرباب ومحاسبة أنفسهم ومراجعة أعمالهم فإن الله سبحانه وتعالى يعلم طبيعة البشرية ويعلم ما يصلحها ويزكيها كما قال الحق تبارك وتعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك، في هذا الشهر الفضيل تربية للروح المسلمة حتى تراعي الجوانب الروحية والنفسية وتراقب أعمالها وأقوالها وهذا ما أراده -جل وعلا- في الحديث القدسي - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عزَّ وجلَّ كل عمل بن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة) أي وقاية من النار، أو وقاية من المعاصي والشهوات وفي رواية (كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به) وفي رواية (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي، وأنا أجزي به) وتتجه الروح إلى بادئها بالتضرع والدعاء لقول الله جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة، وقال نبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه: (إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد) فيجب على كل صائم منا أن يدعو عند إفطاره: اللهم إني لك صمت وبك آمنت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله، اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر، وحفظ اللسان - وفي ليلة القدر يستحب أن يردد هذا الدعاء (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعف عني) ويستحب لكل صائم منا أن يتجه إلى مجاهده النفس وتقوية الإرادة والوقوف على العزيمة الصادقة والإصرار المتواصل والارتقاء في الكمال ومقارعة الأهواء التي تنزع الرغبات الجامحة التي تخرج المرء عن حد الاعتدال والاستقامة فالصيام يعود المرء على الصبر وجهاد النفس وعلى الصدق في القول والعمل كما يعوده... على الأمانة والإخلاص وعلى البذل والعطاء ويطهر النفس البشرية من اأدران كافة وتستكمل بالفضائل والصفاء. كما قال الشاعر الحكيم:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان.
وختاماً أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوحد كلمة المسلمين وأن يحقق لهم النصر المبين على أعداء الأمة الإسلامية وأن يتقبل الله منا ومنهم الصيام والقيام. إنه سميع مجيب....