ربما لم تكن أيّة أهميّة لدى الإسرائيليين، لجملة الاتصالات التي سعى إليها الرئيس الفلسطيني «أبو مازن» باتجاه الإدارة الأمريكية وبدول أوروبية مختلفة، لمنع عملية انتقام إسرائيلية، وليس بسبب عدم جدّية الدعوات التي صدرت من قِبل جهات محلية وعربية مختلفة، والتي تدعو إسرائيل
إلى التوقف عن سياسة الانتقام والعقاب الجماعي وخاصةً ضد القطاع، في أعقاب انتهاء ملف المختطفين الإسرائيليين، بالعثور عليهم أمواتاً في ضواحي مدينة حلحول خلال اليومين الفائتين، حيث إن عدم الجدّية ينبع من أنها مجرّد دعوات وليست مواقف تتسم بالقوة والصرامة، من أنه محظورٌ على إسرائيل القيام بأيّة أعمال عدائية ضد الفلسطينيين أيّاً كانت الحجج والمبررات، ناهيكم عن أنها جاءت على هذه الشاكلة وبهذه النبرة الليّنة، وخالية من ذكر حركات المقاومة باعتبارها المستهدفة فقط، وعلى رأسها حماس.
الاتصالات والدعوات السابقة، ليست السبب في إثناء أو إرجاء أو تعليق إسرائيل لنواياها بشأن قيامها بأيّة أعمال عسكرية ضد الفلسطينيين وحركة حماس بشكل خاص، لكن السبب الحقيقي كان نتيجة لِتعطّل (الكابنيت) الإسرائيلي - المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية - عن إنتاج القرارات، بسبب عدم تواجد القدر المطلوب من الانسجام، بين الراغبين في ضرورة اتخاذ قرارات سريعة باتجاه القيام بإجراءات انتقامية، كردٍ مباشرٍ على عملية الخطف، وبين المتأففين الذين لا يرون ضرورة في الاتجاه نحو توتير الأوضاع أكثر مما هي عليه، وبسبب أن أيّة إقدامات غير محسوبة وفي هذا التوقيت ستكون مؤلمة وذات أثمان أعلى بالنسبة لإسرائيل.
لا انسجام، ليس معناه أنه لم يتم التوصل إلى قرارات، وإن بالاكتفاء في هذه المرحلة بالإجراءات العقابية السارية على الأرض وسواء الحاصلة في أنحاء الضفة الغربية أو باتجاه قطاع غزة، والتي تُساير أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» المعلنة، وعلى رأسها تقويض حركة حماس، والتي أذاع بها في أعقاب تحميله لها مسؤولية اختطاف وقتل مستوطنيه الثلاثة.
على الجهة المحلية، أقدمت حكومة التوافق الوطني المنبثقة عن مشروع المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، على اتخاذها قرارات مختلفة، اعتبرتها الأخيرة قرارات أحادية، تهدف إلى نسف الوحدة واتفاق المصالحة، وتُعزز أقوالها بأن الحكومة هي امتداد لحكومة رام الله السابقة، كونها لا تُعير بنود المصالحة أي اهتمام، وتفضّل العمل من رأسها بدلاً من الرجوع إلى دراسة التفاصيل من جديد.
فعلاوة على انتهاجها - بنظر حماس- نفس السياسات السابقة، باتجاه مواصلة الاتصال بالإسرائيليين أو بنظرتها الرافضة لكل مصطلحات المقاومة المسلحة، والمجادلة بشأن دفع رواتب موظفي حكومة حماس منذ التوقيع على المصالحة في أبريل/ نيسان الماضي، فقد قامت إلى الدعوة بعودة الموظفين المستنكفين ما قبل يونيو/ حزيران 2007، إلى أعمالهم، الأمر الذي قض مضاجع حماس واعتبرته عملاً مفاجئاً وانتهاكاً للاتفاق الوطني، ومضافاً إلى سلسلة القرارات التي أصدرتها الحكومة منذ تشكيلها في أوائل يونيو/ حزيران الماضي، بدون الاتصال بها أو التشاور معها ودون الرجوع إلى نصوص المصالحة المكتوبة، علاوة على شعورها بأن القرار هو خضوع لإملاءات حركة فتح التي تهمّ بتصفية حساباتها مع الحركة ككل على حساب التوافق.
إذاً، فإن حماس في الأثناء تمر بمرحلة خشِنة لا تُحسد عليها، كونها تُعاني ثقلين كبيرين على كاهلها، من الخصوم، السلطة الفلسطينية والحكومة الجديدة وحركة فتح، باعتبارها تسابق الزمن في استغلال الفرص بشأن إضعافها إلى أقل درجة ممكنة، وفي كسب النقاط ضدها وعلى حسابها، أمام المستويين المحلي والدولي. ومن الأعداء إسرائيل، التي لا تزال ومنذ الأزل تمص أصابعها واحداً تلو الآخر، ترقّباً لفرصة مواتية تسمح بتحقيق أهدافها ضد الحركة وبأقل تكلفة.
وعلى الرغم من أن حماس ليست معنية بأيّة مواجهة متوقعة مع السلطة أو الحكومة أو حركة فتح، إلاّ أنها أعلنت بأنها لا تستطيع الامتثال أمام السياسات أو التجاوزات القائمة. وكما هي ليست معنيّة بالمواجهة مع إسرائيل، لكنها أعلنت جهوزيتها لها إذا ما فرضتها عليها، ووعدت بأنّ إسرائيل هي التي ستدفع ثمناً مضاعفاً في حال ارتكابها حماقة أخرى من سلسلة حماقاتها الفائتة، سيما وهي تعلم أن المقاومة تمتلك إمكانات كفيلة بتعطيل أيّة عدوانات إسرائيلية مقبلة، وبتقويض أحلامها أيضاً، وفي نفس الوقت تمكّنها من تكريس وجودها كمقاومة متجذرة في أرضها ضمن قاعدة شعبية متنامية.
حكومة «نتانياهو» ولا شك تجيد التهديد، بداية بالرصاص وانتهاءً بالقوة النوويّة، لكنها برغم تسلّحها الخيالي، لازالت تفتقر إلى مقومات الفوز وإمكانات النجاح أمام المقاومة، حيث إنها تخشى نوالها نفس الدرجة الممقوتة التي نالتها في أعقاب دروسها وتجاربها العسكرية السابقة، وخاصةً تلك التي خاضتها ضد حركات المقاومة وحماس داخل القطاع، لأنها وإن كانت تستطيع الرد في هذه الآونة، لكنها هذه المرّة أيضاً، لا تضمن نجاحاً، فهي ولا ريب، تريد تحقيق رغبتها (الأصل) في محو حماس واسترضاء الداخل الإسرائيلي كتحصيل حاصل، ولكن بعيداً عن الملاقاة معها عسكرياً وجهاً لوجه، وذلك درءاً لدفع أثمان ليس في الاستطاعة تقديمها أو نسيانها، ففي كل مرةّ كانت تفشل في تحقيق أيّ من أهدافها وسواء المعلنة أو المخفيّة، علاوةً على خشيتها -وهذا مهم- من تحمّلها مسؤولية تدهور الأوضاع في المنطقة التي لا تحتاج إلى المزيد من التدهورات الأمنية الحاصلة الآن، علاوة على أنها لا تستطيع التورط في حرب تتحمل مسؤوليتها محلياً، والتي ربما تقلب ليس رأس الحكومة بمفردها، بل اليمين الإسرائيلي بجملته إلى الهاوية، علاوةً على أنها مازالت لا تمتلك أيّة خيوط تدلل على أن المسؤولة عن تنفيذ العملية هي حماس، والتي من شأنها العمل على تخفيف قدرٍ ما من تلك المسؤولية المحتملة.
لذلك ستمضي حكومة «نتانياهو» على الأرجح، باتجاه المحاولة في تنفيذ أهدافها ضد حماس بطرق أخرى، من خلال لجوئها إلى مداومة العمل على الأرض في أنحاء الضفة الغربية، سواء بالاعتماد على الاقتحامات والملاحقات والاعتقالات وإغلاق مؤسسات وتجفيف مصادر تمويل وغيرها من النشاطات الحِصارية الفاعلة الأخرى، وبالنسبة إلى القطاع ستقصِر نشاطاتها على العمليات العسكرية المعتادة، وإن كانت ستستهدف مسؤولين كبارا هذه المرّة كتصعيد مسروق، وبإحكام قبضتها حول القطاع، والسعي إلى كسب المزيد من الأصوات الدولية ضد الحركة، باعتبارها خطوات جيدة ستعمل على ضعضعة حماس وإلى صعوبة مقاومتها من جديد، وإن في الوقت المنظور، وهذه المحاولات في حال السعي باتجاهها، فهي بالطبع لن تُغضب كثيراً السلطة الفلسطينية ولا الحكومة، ولا شركاء المصالحة في حركة فتح على نحوٍ خاص.
إلى التوقف عن سياسة الانتقام والعقاب الجماعي وخاصةً ضد القطاع، في أعقاب انتهاء ملف المختطفين الإسرائيليين، بالعثور عليهم أمواتاً في ضواحي مدينة حلحول خلال اليومين الفائتين، حيث إن عدم الجدّية ينبع من أنها مجرّد دعوات وليست مواقف تتسم بالقوة والصرامة، من أنه محظورٌ على إسرائيل القيام بأيّة أعمال عدائية ضد الفلسطينيين أيّاً كانت الحجج والمبررات، ناهيكم عن أنها جاءت على هذه الشاكلة وبهذه النبرة الليّنة، وخالية من ذكر حركات المقاومة باعتبارها المستهدفة فقط، وعلى رأسها حماس.
الاتصالات والدعوات السابقة، ليست السبب في إثناء أو إرجاء أو تعليق إسرائيل لنواياها بشأن قيامها بأيّة أعمال عسكرية ضد الفلسطينيين وحركة حماس بشكل خاص، لكن السبب الحقيقي كان نتيجة لِتعطّل (الكابنيت) الإسرائيلي - المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية - عن إنتاج القرارات، بسبب عدم تواجد القدر المطلوب من الانسجام، بين الراغبين في ضرورة اتخاذ قرارات سريعة باتجاه القيام بإجراءات انتقامية، كردٍ مباشرٍ على عملية الخطف، وبين المتأففين الذين لا يرون ضرورة في الاتجاه نحو توتير الأوضاع أكثر مما هي عليه، وبسبب أن أيّة إقدامات غير محسوبة وفي هذا التوقيت ستكون مؤلمة وذات أثمان أعلى بالنسبة لإسرائيل.
لا انسجام، ليس معناه أنه لم يتم التوصل إلى قرارات، وإن بالاكتفاء في هذه المرحلة بالإجراءات العقابية السارية على الأرض وسواء الحاصلة في أنحاء الضفة الغربية أو باتجاه قطاع غزة، والتي تُساير أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» المعلنة، وعلى رأسها تقويض حركة حماس، والتي أذاع بها في أعقاب تحميله لها مسؤولية اختطاف وقتل مستوطنيه الثلاثة.
على الجهة المحلية، أقدمت حكومة التوافق الوطني المنبثقة عن مشروع المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، على اتخاذها قرارات مختلفة، اعتبرتها الأخيرة قرارات أحادية، تهدف إلى نسف الوحدة واتفاق المصالحة، وتُعزز أقوالها بأن الحكومة هي امتداد لحكومة رام الله السابقة، كونها لا تُعير بنود المصالحة أي اهتمام، وتفضّل العمل من رأسها بدلاً من الرجوع إلى دراسة التفاصيل من جديد.
فعلاوة على انتهاجها - بنظر حماس- نفس السياسات السابقة، باتجاه مواصلة الاتصال بالإسرائيليين أو بنظرتها الرافضة لكل مصطلحات المقاومة المسلحة، والمجادلة بشأن دفع رواتب موظفي حكومة حماس منذ التوقيع على المصالحة في أبريل/ نيسان الماضي، فقد قامت إلى الدعوة بعودة الموظفين المستنكفين ما قبل يونيو/ حزيران 2007، إلى أعمالهم، الأمر الذي قض مضاجع حماس واعتبرته عملاً مفاجئاً وانتهاكاً للاتفاق الوطني، ومضافاً إلى سلسلة القرارات التي أصدرتها الحكومة منذ تشكيلها في أوائل يونيو/ حزيران الماضي، بدون الاتصال بها أو التشاور معها ودون الرجوع إلى نصوص المصالحة المكتوبة، علاوة على شعورها بأن القرار هو خضوع لإملاءات حركة فتح التي تهمّ بتصفية حساباتها مع الحركة ككل على حساب التوافق.
إذاً، فإن حماس في الأثناء تمر بمرحلة خشِنة لا تُحسد عليها، كونها تُعاني ثقلين كبيرين على كاهلها، من الخصوم، السلطة الفلسطينية والحكومة الجديدة وحركة فتح، باعتبارها تسابق الزمن في استغلال الفرص بشأن إضعافها إلى أقل درجة ممكنة، وفي كسب النقاط ضدها وعلى حسابها، أمام المستويين المحلي والدولي. ومن الأعداء إسرائيل، التي لا تزال ومنذ الأزل تمص أصابعها واحداً تلو الآخر، ترقّباً لفرصة مواتية تسمح بتحقيق أهدافها ضد الحركة وبأقل تكلفة.
وعلى الرغم من أن حماس ليست معنية بأيّة مواجهة متوقعة مع السلطة أو الحكومة أو حركة فتح، إلاّ أنها أعلنت بأنها لا تستطيع الامتثال أمام السياسات أو التجاوزات القائمة. وكما هي ليست معنيّة بالمواجهة مع إسرائيل، لكنها أعلنت جهوزيتها لها إذا ما فرضتها عليها، ووعدت بأنّ إسرائيل هي التي ستدفع ثمناً مضاعفاً في حال ارتكابها حماقة أخرى من سلسلة حماقاتها الفائتة، سيما وهي تعلم أن المقاومة تمتلك إمكانات كفيلة بتعطيل أيّة عدوانات إسرائيلية مقبلة، وبتقويض أحلامها أيضاً، وفي نفس الوقت تمكّنها من تكريس وجودها كمقاومة متجذرة في أرضها ضمن قاعدة شعبية متنامية.
حكومة «نتانياهو» ولا شك تجيد التهديد، بداية بالرصاص وانتهاءً بالقوة النوويّة، لكنها برغم تسلّحها الخيالي، لازالت تفتقر إلى مقومات الفوز وإمكانات النجاح أمام المقاومة، حيث إنها تخشى نوالها نفس الدرجة الممقوتة التي نالتها في أعقاب دروسها وتجاربها العسكرية السابقة، وخاصةً تلك التي خاضتها ضد حركات المقاومة وحماس داخل القطاع، لأنها وإن كانت تستطيع الرد في هذه الآونة، لكنها هذه المرّة أيضاً، لا تضمن نجاحاً، فهي ولا ريب، تريد تحقيق رغبتها (الأصل) في محو حماس واسترضاء الداخل الإسرائيلي كتحصيل حاصل، ولكن بعيداً عن الملاقاة معها عسكرياً وجهاً لوجه، وذلك درءاً لدفع أثمان ليس في الاستطاعة تقديمها أو نسيانها، ففي كل مرةّ كانت تفشل في تحقيق أيّ من أهدافها وسواء المعلنة أو المخفيّة، علاوةً على خشيتها -وهذا مهم- من تحمّلها مسؤولية تدهور الأوضاع في المنطقة التي لا تحتاج إلى المزيد من التدهورات الأمنية الحاصلة الآن، علاوة على أنها لا تستطيع التورط في حرب تتحمل مسؤوليتها محلياً، والتي ربما تقلب ليس رأس الحكومة بمفردها، بل اليمين الإسرائيلي بجملته إلى الهاوية، علاوةً على أنها مازالت لا تمتلك أيّة خيوط تدلل على أن المسؤولة عن تنفيذ العملية هي حماس، والتي من شأنها العمل على تخفيف قدرٍ ما من تلك المسؤولية المحتملة.
لذلك ستمضي حكومة «نتانياهو» على الأرجح، باتجاه المحاولة في تنفيذ أهدافها ضد حماس بطرق أخرى، من خلال لجوئها إلى مداومة العمل على الأرض في أنحاء الضفة الغربية، سواء بالاعتماد على الاقتحامات والملاحقات والاعتقالات وإغلاق مؤسسات وتجفيف مصادر تمويل وغيرها من النشاطات الحِصارية الفاعلة الأخرى، وبالنسبة إلى القطاع ستقصِر نشاطاتها على العمليات العسكرية المعتادة، وإن كانت ستستهدف مسؤولين كبارا هذه المرّة كتصعيد مسروق، وبإحكام قبضتها حول القطاع، والسعي إلى كسب المزيد من الأصوات الدولية ضد الحركة، باعتبارها خطوات جيدة ستعمل على ضعضعة حماس وإلى صعوبة مقاومتها من جديد، وإن في الوقت المنظور، وهذه المحاولات في حال السعي باتجاهها، فهي بالطبع لن تُغضب كثيراً السلطة الفلسطينية ولا الحكومة، ولا شركاء المصالحة في حركة فتح على نحوٍ خاص.
إلى التوقف عن سياسة الانتقام والعقاب الجماعي وخاصةً ضد القطاع، في أعقاب انتهاء ملف المختطفين الإسرائيليين، بالعثور عليهم أمواتاً في ضواحي مدينة حلحول خلال اليومين الفائتين، حيث إن عدم الجدّية ينبع من أنها مجرّد دعوات وليست مواقف تتسم بالقوة والصرامة، من أنه محظورٌ على إسرائيل القيام بأيّة أعمال عدائية ضد الفلسطينيين أيّاً كانت الحجج والمبررات، ناهيكم عن أنها جاءت على هذه الشاكلة وبهذه النبرة الليّنة، وخالية من ذكر حركات المقاومة باعتبارها المستهدفة فقط، وعلى رأسها حماس.
الاتصالات والدعوات السابقة، ليست السبب في إثناء أو إرجاء أو تعليق إسرائيل لنواياها بشأن قيامها بأيّة أعمال عسكرية ضد الفلسطينيين وحركة حماس بشكل خاص، لكن السبب الحقيقي كان نتيجة لِتعطّل (الكابنيت) الإسرائيلي - المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية - عن إنتاج القرارات، بسبب عدم تواجد القدر المطلوب من الانسجام، بين الراغبين في ضرورة اتخاذ قرارات سريعة باتجاه القيام بإجراءات انتقامية، كردٍ مباشرٍ على عملية الخطف، وبين المتأففين الذين لا يرون ضرورة في الاتجاه نحو توتير الأوضاع أكثر مما هي عليه، وبسبب أن أيّة إقدامات غير محسوبة وفي هذا التوقيت ستكون مؤلمة وذات أثمان أعلى بالنسبة لإسرائيل.
لا انسجام، ليس معناه أنه لم يتم التوصل إلى قرارات، وإن بالاكتفاء في هذه المرحلة بالإجراءات العقابية السارية على الأرض وسواء الحاصلة في أنحاء الضفة الغربية أو باتجاه قطاع غزة، والتي تُساير أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» المعلنة، وعلى رأسها تقويض حركة حماس، والتي أذاع بها في أعقاب تحميله لها مسؤولية اختطاف وقتل مستوطنيه الثلاثة.
على الجهة المحلية، أقدمت حكومة التوافق الوطني المنبثقة عن مشروع المصالحة الوطنية بين حركتي فتح وحماس، على اتخاذها قرارات مختلفة، اعتبرتها الأخيرة قرارات أحادية، تهدف إلى نسف الوحدة واتفاق المصالحة، وتُعزز أقوالها بأن الحكومة هي امتداد لحكومة رام الله السابقة، كونها لا تُعير بنود المصالحة أي اهتمام، وتفضّل العمل من رأسها بدلاً من الرجوع إلى دراسة التفاصيل من جديد.
فعلاوة على انتهاجها - بنظر حماس- نفس السياسات السابقة، باتجاه مواصلة الاتصال بالإسرائيليين أو بنظرتها الرافضة لكل مصطلحات المقاومة المسلحة، والمجادلة بشأن دفع رواتب موظفي حكومة حماس منذ التوقيع على المصالحة في أبريل/ نيسان الماضي، فقد قامت إلى الدعوة بعودة الموظفين المستنكفين ما قبل يونيو/ حزيران 2007، إلى أعمالهم، الأمر الذي قض مضاجع حماس واعتبرته عملاً مفاجئاً وانتهاكاً للاتفاق الوطني، ومضافاً إلى سلسلة القرارات التي أصدرتها الحكومة منذ تشكيلها في أوائل يونيو/ حزيران الماضي، بدون الاتصال بها أو التشاور معها ودون الرجوع إلى نصوص المصالحة المكتوبة، علاوة على شعورها بأن القرار هو خضوع لإملاءات حركة فتح التي تهمّ بتصفية حساباتها مع الحركة ككل على حساب التوافق.
إذاً، فإن حماس في الأثناء تمر بمرحلة خشِنة لا تُحسد عليها، كونها تُعاني ثقلين كبيرين على كاهلها، من الخصوم، السلطة الفلسطينية والحكومة الجديدة وحركة فتح، باعتبارها تسابق الزمن في استغلال الفرص بشأن إضعافها إلى أقل درجة ممكنة، وفي كسب النقاط ضدها وعلى حسابها، أمام المستويين المحلي والدولي. ومن الأعداء إسرائيل، التي لا تزال ومنذ الأزل تمص أصابعها واحداً تلو الآخر، ترقّباً لفرصة مواتية تسمح بتحقيق أهدافها ضد الحركة وبأقل تكلفة.
وعلى الرغم من أن حماس ليست معنية بأيّة مواجهة متوقعة مع السلطة أو الحكومة أو حركة فتح، إلاّ أنها أعلنت بأنها لا تستطيع الامتثال أمام السياسات أو التجاوزات القائمة. وكما هي ليست معنيّة بالمواجهة مع إسرائيل، لكنها أعلنت جهوزيتها لها إذا ما فرضتها عليها، ووعدت بأنّ إسرائيل هي التي ستدفع ثمناً مضاعفاً في حال ارتكابها حماقة أخرى من سلسلة حماقاتها الفائتة، سيما وهي تعلم أن المقاومة تمتلك إمكانات كفيلة بتعطيل أيّة عدوانات إسرائيلية مقبلة، وبتقويض أحلامها أيضاً، وفي نفس الوقت تمكّنها من تكريس وجودها كمقاومة متجذرة في أرضها ضمن قاعدة شعبية متنامية.
حكومة «نتانياهو» ولا شك تجيد التهديد، بداية بالرصاص وانتهاءً بالقوة النوويّة، لكنها برغم تسلّحها الخيالي، لازالت تفتقر إلى مقومات الفوز وإمكانات النجاح أمام المقاومة، حيث إنها تخشى نوالها نفس الدرجة الممقوتة التي نالتها في أعقاب دروسها وتجاربها العسكرية السابقة، وخاصةً تلك التي خاضتها ضد حركات المقاومة وحماس داخل القطاع، لأنها وإن كانت تستطيع الرد في هذه الآونة، لكنها هذه المرّة أيضاً، لا تضمن نجاحاً، فهي ولا ريب، تريد تحقيق رغبتها (الأصل) في محو حماس واسترضاء الداخل الإسرائيلي كتحصيل حاصل، ولكن بعيداً عن الملاقاة معها عسكرياً وجهاً لوجه، وذلك درءاً لدفع أثمان ليس في الاستطاعة تقديمها أو نسيانها، ففي كل مرةّ كانت تفشل في تحقيق أيّ من أهدافها وسواء المعلنة أو المخفيّة، علاوةً على خشيتها -وهذا مهم- من تحمّلها مسؤولية تدهور الأوضاع في المنطقة التي لا تحتاج إلى المزيد من التدهورات الأمنية الحاصلة الآن، علاوة على أنها لا تستطيع التورط في حرب تتحمل مسؤوليتها محلياً، والتي ربما تقلب ليس رأس الحكومة بمفردها، بل اليمين الإسرائيلي بجملته إلى الهاوية، علاوةً على أنها مازالت لا تمتلك أيّة خيوط تدلل على أن المسؤولة عن تنفيذ العملية هي حماس، والتي من شأنها العمل على تخفيف قدرٍ ما من تلك المسؤولية المحتملة.
لذلك ستمضي حكومة «نتانياهو» على الأرجح، باتجاه المحاولة في تنفيذ أهدافها ضد حماس بطرق أخرى، من خلال لجوئها إلى مداومة العمل على الأرض في أنحاء الضفة الغربية، سواء بالاعتماد على الاقتحامات والملاحقات والاعتقالات وإغلاق مؤسسات وتجفيف مصادر تمويل وغيرها من النشاطات الحِصارية الفاعلة الأخرى، وبالنسبة إلى القطاع ستقصِر نشاطاتها على العمليات العسكرية المعتادة، وإن كانت ستستهدف مسؤولين كبارا هذه المرّة كتصعيد مسروق، وبإحكام قبضتها حول القطاع، والسعي إلى كسب المزيد من الأصوات الدولية ضد الحركة، باعتبارها خطوات جيدة ستعمل على ضعضعة حماس وإلى صعوبة مقاومتها من جديد، وإن في الوقت المنظور، وهذه المحاولات في حال السعي باتجاهها، فهي بالطبع لن تُغضب كثيراً السلطة الفلسطينية ولا الحكومة، ولا شركاء المصالحة في حركة فتح على نحوٍ خاص.