فُجعت أوساط المجتمع السعودي بحادثة مقتل المبتعثة السعودية في بريطانيا ناهد الزيد على يد متطرف بريطاني في حادث مأساوي، بسبب ارتدائها الزي الإسلامي، حيث أشارت التقارير عن شرطة كوليشستر البريطانية وتحليلات بعض وسائل الإعلام الإنجليزية أن دافع الجريمة يعود إلى أسباب دينية لكون الضحية مسلمة وكانت ترتدي حجاباً كاملاً.
الفقيدة ناهد الزيد لم تكن الضحية الأولى التي اغتالتها يد التعصب والتطرف، فقد سبقتها جرائم أخرى وقعت في لندن منذ أشهر قليلة لثلاث إماراتيات، تعرضن للاعتداء العنيف بمطرقة حديدية في أحد الفنادق المشهورة، ولا تزال حالت إحداهن حرجة . كما أن المصرية مروة الشربيني تعرضت للقتل في ألمانيا على يد متطرف ألماني من أصل روسي، بسبب ارتدائها الحجاب الإسلامي، حيث طُعنت ثمانية عشر طعنة بسكين في قاعة محكمة، وهناك حوادث أخرى في أماكن مختلفة لم تسلط أجهزة الإعلام الضوء عليها، ولن تكون الأخيرة التي تقع بسبب التعصب والتطرف.
إن اغتيال الفقيدة ناهد لم يكن حادثاً فردياً .. بل تعبيراً عن ثقافة وسلوك يسود بعض أفراد المجتمع الغربي، وهو عمل إرهابي وليس حادثة عنصرية كما أشارت إلى ذلك بعض الوسائل الإعلامية، وهناك فرق بين الإرهاب والعنصرية؛ فالإرهاب - كما عرّفه المجمع الفقهي الإسلامي بجده - هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان في دينه، أو دمه، أو عرضه أو عقله، أو ماله، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد، والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر . وقد حاولت المنظمات الدولية كالأمم المتحدة تحديد مفهوم الفعل الإرهابي من منطلق أن ( الإرهاب ) هو شكل من أشكال العنف المنظم، بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الأعمال الإرهابية مثل الاغتيال والتعذيب واختطاف الرهائن واحتجازهم ... الخ. والإرهابي هو من يلجأ إلى العنف ويشكل خطراً على حياة الإنسان . أما العنصرية فهي تعصُّب المرء أو الجماعة للجنس، وهي التمييز بين الناس على أساس عنصرهم أو أصلهم أو لونهم ومعاملتهم على هذا الأساس، كما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف، والعنصري هو الذي يفضل عنصره على غيره من عناصر البشر ويتعصب له .
إن مقتل المبتعثة ناهد جريمة بكل معنى الكلمة المتهم فيها ليس هو فقط ذلك القاتل الحاقد، بل إن الخطاب الإعلامي الغربي العنصري يشترك في هذه الجريمة وغيرها من جرائم الاعتداء على المسلمين في أنحاء متفرقة من بلاد الغرب .
لقد أدمنت بعض وسائل إعلامية غربية معادية للإسلام خلال السنوات الأخيرة الحديث عن التطرف الديني، وبدأت ميَّالة إلى وصل ظاهرة الغلو في الدين بالإسلام والمسلمين دون غيرهم، وتأكد هذا النهج في الوصف إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والواقع أن هذا الموقف محكوم بخلفية أيديولوجية ونزعة عنصرية قوامها التشريع لكراهية المسلمين وتأليب الناس عليهم، وذلك بإشاعة مغالطات شتى لعل أهمها جمع المسلمين كافة في سلة واحدة اسمها سلة التطرف . والثابت أن الخطاب الإعلامي الغربي يبدو في كثير من الأحيان خطاباً غير بريء محكوماً بأجندة مسبقة، تروم التهوين من العربي والمسلم، وتشويه صورته .
لقد تحول حجاب (ناهد) الإسلامي إلى إرهاب وأضحت هدفاً لهذا المجرم الحاقد، وكشف لنا هذا الحادث أن القيم التي ينادي لها الغرب مثل : حرية الفكر، والعقيدة، والتعايش مع الآخرين هي مجرد أكاذيب وأوهام، وأن ثقافة العنف والعنصرية هي التي تحكم هذه المجتمعات وتعبر عن سلوك بعض أفرادها.
إن مبدأ عدم قتل المرأة من القيم الجميلة عند العرب في جاهليتها، ثم عززها الإسلام لا في الحرب ولا في السلم . كنت أتمنى لو أن بعض مفكرينا وكتابنا قام بإيصال هذا المبدأ للأوساط الغربية بدلاً من تخوفهم على مشروع الابتعاث، أو تبرير سبب القتل بالمبالغة في الاحتشام ؛ لئلا يتكرر الاعتداء الإرهابي الوحشي بـ(16) طعنة سكين على امرأة ضعيفة، وحيدة، مغتربة، لا حول لها ولا قوة، ولا ذنب لها إلا أنها ارتدت ملابس لم تتحملها ديمقراطيتهم!!
لقد أصبح المواطن العربي والمسلم وثقافته مستهدفاً من بعض وسائل الإعلام الغربية . وهنا لابد من وقفة نؤكد فيها على ضرورة تكاتف الجهود - وخاصة الإعلامية منها - لمواجهة هذا التشويه المتعمد للإنسان العربي المسلم، وإذا ما أردنا ذلك، ينبغي التركيز على الآتي :
- إنشاء جهاز إعلامي إسلامي للبحوث يتولى رصد وتحليل واقع ما يقدم عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التي يعتمد عليها في الرد على ما يقدم من صور مشوهة أو إساءة تتعلق بالمسلمين وثقافتهم، وتقديم الصورة الحقيقية للعربي والمسلم باعتباره كائناً مدنياً إيجابياً، قادراً على التعايش مع الآخر، والتحاور معه والإفادة منه.
- دعوة منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها إلى وضع تشريعات وقوانين دولية تُجرِّم فيه العنصرية وتمنع التطاول على الأديان السماوية.
- إعادة النظر في ابتعاث طلابنا إلى الدول التي تعاني من مجموعات ومنظمات عنصرية تستهدف العرب والمسلمين لأسباب دينية وعنصرية، بحيث يكون الابتعاث لدول أخرى لا يوجد فيها منظمات عنصرية تستهدفهم .