من هديه عليه الصلاة والسلام مع هذا الضيف الكريم أنه يعجل الفطر ويحث عليه، و يتسحر ويحث على السحور ويرغب في تأخيره، ويلاحظ على بعض المسلمين أو أكثرهم أنهم يتسحرون عند منتصف الليل ثم ينامون فلا يستيقظون إلا بعد طلوع الفجر وفي هذا مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن السنة هي أن نأكل أكلة السَحر في السَحر أي قبيل طلوع الفجر الصادق، ولو فرضنا أن شخصاً يأكل هذه الوجبة بعد منتصف الليل أي بعد الثانية عشر ليلاً فالأولى له أن يستيقظ قبل طلوع الفجر الصادق ولو أن يمسك على شربة ماء، وكان هديه عليه الصلاة والسلام أنه يحث على الفطر بالتمر فإن لم يجد فعلى الماء هذا من كمال شفقته على أمته ونصحه لهم عليه الصلاة والسلام فإن أعطى الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة ادعى لقبوله، قاله ابن القيم* وبعض الناس يفطر على ما يسمى بالحلوى والأولى له أن يبدأ بالرطب اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتطبيقاً لسنته، ولأن في التمر فوائد عدة، وكان عليه الصلاة والسلام يفطر قبل أن يصلي أي المغرب وكان فطره على رطب أن وجدها فإن لم يجدها فعلى تمرات فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء عليه الصلاة والسلام، وبعض الناس يبالغ في تأخير الفطر، فلا يفطر إلا بعد الغروب بدقائق من باب الاحتياط، أو من أجل أن يجمع الضيوف أو يرتبهم أو يوزع الأطباق أو أن ينظم المقاعد، والأولى له أن يعجل الفطر وأن يستعد قبل غروب الشمس تطبيقا للسنة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم، وعلى هذا ينبغي للصائم أن يفطر ولو كان على متن سيارته عملاً بالسنة، ولا يستقيم أن يقول الواحد لست بحاجة إلى طعام أو شراب، وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام وأفطر وخيّر الصحابة بين الأمرين وكان عليه الصلاة والسلام يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله، وهنا نقول: يجوز لإخواننا المنكوبين المستضعفين في الشام الذين يقاتلون عدوهم أن يفطروا في رمضان، وبهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية «رحمه الله» في قتاله للتتار وما النظام النصيري إلا أكفر من التتار، وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها «غزوة بدر» وفي «غزوة الفتح» قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه غزونا مع رسول الله في رمضان غزوتين «بدر والفتح» فأفطرنا فيهما وما اعتمر رسول الله في رمضان قط! ولكنه رغب فيعمرة رمضان، وهنا أقول ينبغي للمسلم العازم على العمرة أن يدرس وضعه والأصلح له ولذريته فهل الأصلح له بقاؤه في بلده أو بقاؤه في مكة، وهل الأفضل له أن يعتمر ويخرج من مكة أو الأفضل أن يبقى، وينبغ لنا ألا نحصر الطاعات في طاعة والقربات في قربة، فإن العمرة في رمضان فيها فضل كبير ولكن كثيراً من الناس اليوم يذهبون إلى مكة فيضيعون أنفسهم ويضيعون أولادهم، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يدركه الفجر وهو جنب من أهله أي من جماعه لزوجاته فيغتسل بعد طلوع الفجر فيجوز لمن جامع زوجته أن يفعل ذلك كما يجوز لها أن تؤخر الاغتسال إلى ما بعد طلوع الفجر يعني أن يأكل أكلة السحر وعليه الجنابة، وكذا يجوز للمرأة الحائض أن تؤخر الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر كأن تتسحر وهي حائض فيجوز لها أن توقع الاغتسال بعد طلوع الفجر، وكان عليه الصلاة والسلام يقبل بعض زوجاته وهو صائم في رمضان، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسياً، كما يحصل من بعض الصائمين خاصة في أول رمضان من أنهم قد يشربون أو يأكلون نسياناً فيجب عليهم أن يمسكوا إذا ذكروا أو تذكروا، والذي صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الذي يفطر به الصائم الأكل والشرب ونقول مافي حكمهما كالإبر المغذية التي تغني عن الأكل والشرب والحجامة أي سحب الدم الكثير، أما اليسير كالتحاليل اليوم فلا شيء فيه كأن يأخذ دما يسيرا من أجل الكشف عن السكر ونحوها من التحاليل فإن ذلك لا يضره والقيء يفطر أي تعمد إخراج مافي المعدة أما أن خرج رغم عنك فلا شيء في ذلك والقرآن دل على أن الجماع مفطر وهو أغلظها وأشدها كأن يواقع زوجته في نهار رمضان عالماً ذكراً وإن فعله في سفره فلا شيء عليه، ويجب على المرأة ما يجب على الرجل، ومن المفطرات الاستمناء وهو تعمد خروج المني بمشاهدة أو بعبث فإن هذا يفطر وفيه الإثم! وعليه التوبة والقضاء، ومن الأمور التي لا تفطر الكحل، وقطرة الأذن، وكذا قطرة الأنف إذا لم تصل إلى الحلق كلُ ذا لا يفطر، وكخلع الضرس وغير ذلك حتى لو خرج دم فإن ذلك لا يفطر شريطة أن لا يصل إلى الجوف، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يستنشق ويتمضمض وهو صائم ولكنه عليه الصلاة والسلام منع الصائم من المبالغة في الاستنشاق، أيها القراء: وليس الصوم هو الصوم عن المفطرات فقط! وإنما أراد الشارع أن نعي أموراً وأن نفهم مسائل وهي أن الصوم يراد منه أهداف كثيرة فيجب على الأمةنتصوم عما يضرها كالصيام عن كثير من الأحداث والصيام عن متابعة الحوادث والصيام عن كثير من القيل والقال والبعد عن الفتن والبعد عن كثير من التغريدات! والصيام عنها والبعد عن كثير من السياسات وأن يحبس الإنسان نفسه على ما ينفعه في عاجل أمره أو أجله فينبغي لنا أن نصوم عن متابعة المواقع والبعد عن الأحداث التي في متابعتها ضرر علينا وضياع لأوقاتنا وقطع الصلة بربنا نعم لقد قطعنا الاتصال بالله! والسبب هو اتصالنا بالمخلوقين، الصيام عن بعض المجالس والاستراحات ومخالطة كثير من الناس الذين بمخالطتهم ضرر واضح فهي مجالس فارغة قيل وقال غيبة ونميمة كذب وسخرية مدح وذم غلو وجفا، أيها الأخوة: ما أحوجنا إلى أن ندرس أهداف الصيام وأن نصوم عن كثير مما يذاع وينشر، ولو رجعنا إلى هدي نبينا عليه الصلاة والسلام لوجدنا أن هديه أكمل هدي مع أنه رجل المعركة الأول والقائد الأعلى للقوات المسلحة ومر بحوادث كثيرة دامية كبدر وأحد والأحزاب وصلح الحديبية وفتح مكة ورمته العرب عن قوس واحدة وحاربوه إعلامياً وعسكرياً ومع ذلك استطاع بفضل الله أن يبني أمة صالحة وأن يحافظ على نفسيات أصحابه وأن يئد الفتن في مهدها وأن يصوم نفسه وأتباعه عن كثير من الأقاويل والأباطيل وهديه أكمل هدي وسيرته أفضل سيرة فلم يزج أصحابه في معترك أحداث تضرهم ولا تنفعهم ولم يدخل أولاده وصغاره أو نسائه في أمور لا نفع فيها كما نفعل اليوم من زج أنفسنا وأمتنا ومجتمعنا في معترك الأحداث الدامية مع أننا لا نملك حولا ولا طولا، فلسنا أصحاب قرار، أيها القراء: ومما ينبغي لنا أن نقضي رمضان بالدعاء والبكاء وقراءة القرآن والاتصال بالحي الذي لا يموت سبحانه الرافع الخافض المعز المذل المقدم المؤخر سبحانه جلا في علاه، وأن نقضي رمضان في مراجعة دقيقة لما مر علينا من حوادث طيلة عام مضى من ثورات وانقلابات وأحداث دامية، ما هي المحصلة وما هي الفائدة وكيف هي الأحداث وكيف هي الحوادث، وما هي الفائدة التي نجتنيها، كما أن رمضان فرصة للاجتماع ونبذ الفرقة وتوحيد الكلمة وإنما يحصل للأمة إنما هو امتحان لها! كما أن رمضان فرصة للتوبة والأوبة والرجوع إلى الله وهي فرصة لمن ابتلي بمطعوم محرم أو مشروب محرم كمن ابتلي بالتدخين أن يتوب إلى الله ومن ابتلي بالسهر على المحرمات أن يتوب إلى الله ومن ابتلي بهجر المساجد أن يتوب إلى الله
وإلى اللقاء...