أدّب الله عباده المؤمنين إلى تبنّي سلوك قويم، وهدي منيف في تعاملهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة الحجرات. وقال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا} (63) سورة النور. وهذا توجيه لمن كانوا يُنادونه بأبي (القاسم) أو بـ (يا محمد). فوجههم الله إلى وجوب تعظيمه وتشريفه بقولهم: (يا نبي الله)، (يا رسول الله ).. ولقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة في إجلال النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره عند ذكره. وهذا نابعٌ من عِظم حُبهم له، الحب المتغلغل في شغاف قلوبهم فهذا (عبدالرحمن بن القاسم) رحمه الله: كان إذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وتأثر, وتغير لونه، كأنه نزف الدم، وكان يجَفّ لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الإمام الزهري رحمه الله: كان من أهنأ الناس عيشاً وأرغدهم حالاً فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرفَكَ ولا عرفته!!
وكان (جعفر بن محمد) رحمه الله: كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم أصفرَّ لونه، ووجم، وصار كأنما على رأسه الطير، ولم يُحدِّث عن رسول الله إلا على طهارة !!!
[أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع]
فما بال أصحاب الملل المنحرفة، والطوائف الضالة يوقرن عظماءهم، ويحترمونهم ويشيدون بهم في المحافل، وينصبون لهم التماثيل في الميادين، ونحن نرى الكثير من أبنائنا لا يعرفون مقامات عظمائنا، ولا يقدرونهم حق قدرهم.. أم: [ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خُلفٍ كجلد الأجربِ]
ومن صور تعظيمه صلى الله عليه وسلم: أن لا يُقّدم كلام على كلامه، ولا هديٌ على هديه. وأن يكون لذكره نوعٌ من التميز، والسمو, والتبجيل، والتوقير، والاحترام، سواء في فعله أو في قوله. {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (32) سورة الحج. لاسيما في نفوس النشء الذين تكاد تذوب شخصياتهم في بهرجة الإعلام وخزعبلاته. ولو نظرنا إلى واقعنا لوجدنا أن كل إنسان يُحِب أن يُشار إلى مكانته العلمية، أو العملية عند ذكر اسمه. وخليل الله أولى بذلك. قال حسان رضي الله عنه:
ومثلك لم تَرَ قطُّ عيني
ومثلك لم تلد النساء
خُلقتَ مبرَّأً من كل عيب
كأنك قد خُلِقتَ كما تشاء !!
وفي الحديث: (رغم أنفُ من ذُكرت عنده فلم يصلي عليّ). والعلماء طبعاً يقولون: لا بأس بكتابة (ص) إذا قُلتَ (صلى الله عليه وسلم) قولاً، وكتبتها لفظاً... وهذا الذي أتبّعه في كتاباتي..
ومعنى رغم أنفه / أي لصق أنفه بالرغام أي التراب.. كناية عن المهانة والذلة... فالجزاء من جنس العمل.
وتعظيم جنابه صلى الله عليه وسلم بعد مماته، يكون بأن لا يقدم هدي على هديه، ولا قول على قوله كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (31) سورة آل عمران ومن صور تعظيم صلى الله عليه وسلم في حياته هو عدم نكاح زوجاته من بعده، قال العلماء: لأن العادة جرت أن من تزوج بامرأة مطلقة أنه يكره زوجها الأول، فخشية أن يكره المسلم نبيّه صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى فيه من والديه.. كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ} (53) سورة الأحزاب ومن الحِكم أيضاً أن أزواجه صلى الله عليه وسلم هن أمهات المؤمنين... فكيف ينكح المرء أمه!!!