مع بزوغ فجر يوم من الأيام وأنا أستعد للاستيقاظ لصلاة الفجر وذلك قبل قرابة الخمس سنوات ترامى إلى مسامعي صوت زوجتي تناديني بصوت عال منزعج فنهضت من فراشي على عجل لاستطلع ما دهاها فإذا بها تقول لي أسرع بنا إلى المستشفى الابن عبدالمحسن هناك وفي حالة تشنج وهو في قسم الطوارئ، وكان في تلك الليلة نائماً عند أبناء إحدى خالاته فقلت لها لحظة سوف أتوضأ ونذهب، انزعجت جداً ولكني دخلت دورة المياه وتوضأت على عجل وذهبنا للمستشفى مسرعين إلى قسم الطوارئ ووجدت أسرة عديلي ودخلت مسرعاً إلى حيث الابن وكان منظراً قاسياً جداً حيث لم أستطع تحمله فقد كان يتشنج بقوة وتذكرت قول الله سبحانه وتعالى {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} الآية، والدكتور واقف عنده لم أره يفعل شيئاً ودارت بي الدنيا ولم أستطع البقاء فذهبت لأداء صلاة الفجر مع جماعة المسجد وتركت والدته مع خالته خارج الغرفة متكلاً على رب العزة والجلال ليفعل به ما يريد.
عدت من المسجد ووجدتهم قد أخذوه إلى غرفة العناية المركزة، وذهبت لأراه فيها فإذا هو في حالة سكون وأمه عند رأسه تتلو عليه ما تيسر لها من كتابه الكريم. انتظرت فترة من الزمن ساعة أو ساعتين وقلت لها سوف أعود للمنزل لأطمئن على الموجودين فيه وأرسل لها أخيه سلمان الذي يكبره بسنوات ليكون بجوارها وجواره وأعود بعد أن ألتقط أنفاسي. تمددت لأرتاح قليلاً وأخذتني سنة من النوم وبعد قرابة الساعة أو الساعتين اتصل سلمان ليبشرني أن الابن قد أفاق وأنه يتكلم معهم ولا يعلم ماذا حدث له وأنه بخير وكنت قد طلبت منه أن يطلعني أولاً بأول عن ما سوف يجري لأخيه. ردت إلي روحي قليلاً وانقضى ذلك اليوم العصيب بعد أن تم إخراجه من غرفة العناية المركزة إلى غرفة عادية وتماثل للشفاء بتوفيق من الله وبحمده وكان المشرف على حالته أستاذ جراحة المخ والأعصاب وقد أمّ جماعة المسجد في صلاة الفجر حسب ما قيل لي فارتاحت نفسي لذلك وذكر لنا طبيب في مستشفى الملك فيصل التخصصي وهو قريب العائلة وإنسان يتحلى بكل فضائل الإنسانية وأعلى مراتب الأخلاق وقمة التواضع أن الدكتور المشرف على حالة ابني هو أستاذ الأطباء في جامعة الملك سعود وأنه طبيب شهير في تخصصه فزاد ارتياحي واطمئناني لتشخيص الدكتور لحالة الابن عبدالمحسن وما تم اتخاذه من تدابير حيال حالته من تحاليل وعلاجات وأشعة وما تم صرفه له من أدوية ويعرض حالة عبدالمحسن لاحقاً على أطباء المخ والأعصاب في مستشفى الملك فيصل التخصصي والذي يوجد له ملف علاجي فيه، وبعد إجراء التحاليل والأشعة اللازمة اتضح أن لديه بؤرة في الرأس قريبة من المخ أروناها على الشاشة تبدو كنقطة بيضاء كبيرة وبدأ مسار العلاج وأخذ الأدوية وذكروا لنا أن الأدوية سوف تستمر معه لفترة طويلة وأنه قد يصاب ما بين فترة وأخرى بتشنجات من خفيفة إلى متوسطة وأن من الأفضل له عدم قيادة السيارة وأنهم سوف يستمرون بمراقبة حالته الصحية ومتابعة علاجه واتخاذ ما يلزم من تحاليل وأشعة مقطعية ما بين فترة وأخرى وأن العلاجات سوف تتم زيادتها حسب مقتضيات الحاجة ولو شعر بشيء غير طبيعي أو حدثت له تشنجات ينبغي أن تحضره للمستشفى - قسم الطوارئ - لاتخاذ اللازم وتم برمجة برنامج علاجي له طويل المدى من أخذ تحاليل ما بين فترة وأخرى وعمل أشعة مقطعية وغير ذلك، وأن لديهم حالات مماثلة كثيرة تتماثل للشفاء بإذن الله بأخذ الأدوية وإجراء الجراحة، وبدأت تزداد جرعات الدوية حتى وصلت إلى الحد الذي تقرر فيه إجراء عملية جراحية حتى لا يتضرر من الأدوية ويدمن عليها.
استعنا بالله الحي القيم وبحمده من الله وتوفيقه تم إجراء العملية بعد طول انتظار وعمل تحاليل يومية مكثفة وأشعة مقطعية وقسطرة للمخ، وأما القسطرة فقصتها قصة فالمحلول يستورد من ألمانيا والمتعهد لا يؤمنه بكميات كافية وفي الوقت المطلوب مما يحرج الأطباء ويوتر المرضى من التردد والتأمل بالحصول على المحلول في الوقت المطلوب، ويجرى للمريض اختبارات نفسية. أخيراً تمت العملية وخرج منها سالماً بحمد الله وتوفيقه ودعوات الصالحين من محبيه من الوالدين وإخوانه وأخواته وأقاربه وأصدقائه ومعارفه على يد أطباء مهرة في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ولا أنسى أن ابني قال لي إنه بعد أن أفاق من العملية رأى الدكتور يقبل رأسه ويقول له عبدالمحسن العملية نجحت والحمدلله على سلامتك قدامك العافية. هل رأيتم تواضعاً أكثر من هذا وأخلاقاً أكثر من هذا، وأشهد أن الله بفضله وكرمه قد سخر للابن عبدالمحسن جنوداً وملائكة حافظين وأن علينا الاطمئنان والصبر وأنه بحول الله وقوته سوف يتماثل للشفاء قريباً.
أحمد من لا يحمد غيره على كرمه ومنه وأفضاله وأعجز عن شكر من الأطباء ومساعديهم الذين أشرفوا على حالة ابني وأكن لهم كل التقدير والمحبة والدعاء والعرفان بالجميل وهؤلاء هم أبناء الوطن وعدته وهذه هي أخلاق المسلمين كما قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر». وهؤلاء هم:
د. فيصل العتيبي.
د. مشاعل الخطيب.
د. خير الله الباز.
طبيب التخدير.
الفريق الطبي.
الربوت إن كان حياً ومرافقاً لهم.
الفريق الطبي الكبير أعترف لكم أن لساني عاجز عن شكركم جميعاً من عرفت ومن لم أعرف، حيث أن فرحتنا بتماثل الابن للشفاء والعافية لا تسعها الدنيا حيث عانى وعانينا الشيء الكثير نفسياً لكن فضل الله ورحمته وتسخيره لكم للابن ولنا فضل ونعمة من الله لا نحصي ثناء عليه فلكم منا كل التحية والمودة وخالص الحب والتقدير.