للترجمة كفايات لابد أن تتوفر في من يمارسها، فمن الخطأ الاعتقاد أن الشرط الوحيد للقيام بالترجمة هو معرفة لغة ما. المقصود بالكفايات هي المعارف التي لا بد أن تتوفر لدى المترجم. يمكن تقسيم هذه الكفايات الى قسمين: القسم الأول: كفايات لغوية (المقصود هنا اللغة الأجنبية): وتتشكل هذه الكفايات عن طريق دراسة اللغة بشكل علمي ودقيق. أهم الكفايات اللغوية التي أرى أنه لابد أن يمتلكها المترجم هي:
1– الفهم العميق للمنظومة القواعدية للغة، فالقواعد في اللغة، كالقلب في الجسد. القواعد ليست مجموعة من القوالب والصيغ الجامدة، ولكنها الفاظ تعبر عن معان محددة، نجاح العملية التواصلية أو فشلها يتوقف أحيانا على مدى التمكن من المنظومة القواعدية. ومن الأمور المشاهدة أن اختيار صيغة قواعدية لا تتناسب مع الموقف، أو لا تناسب مع المعنى الذي يريد المتحدث التعبير عنه يؤدي الى ظهور عقبات في عملية التواصل. اذا ما أسقطنا هذا الأمر على الترجمة فإن عدم فهم المترجم للمنظمة القواعدية بشكل عميق يؤدي الى إنتاج ترجمة غير دقيقة وأحيانا غير صحيحة.
2- المعرفة الجيدة بوسائل التعبير اللغوي: ويقصد بها العبارات «التقليدية» التي يستخدمها عادة اهل اللغة في المواقف الحياتية المختلفة. على سبيل المثال، في العربية نقول عادة: أنا لست من (سكان) هذه المنطقة، أما في الروسية فيقولون (حرفيا): أنا لست محليا. اتفقت المواقف واختلفت الوسائل. نكاد نجزم أن أغلب العقبات التي تعيق عملية التواصل وقد تفشلها أحيانا تعود الى عدم معرفة المتحدث بوسائل التعبير اللغوي التي يتطلبها هذا الموقف أو ذاك. وللخروج من هذا المأزق يلجأ البعض الى طريقة ظاهرها الانقاذ وباطنها الاغراق، وهذه الطريقة: هي أن يترجم حرفيا وسائل التعبير اللغوي التي تستخدم في لغته الأم في نفس الموقف. خطورة هذه الطريقة تكمن في أن وسائل التعبير عن موقف واحد تختلف بين اللغات في كثير من الحالات. ولذلك لابد أن يكون لدى المترجم حصيلة كبيرة من وسائل التعبير اللغوي، اذ إن عدم معرفته بها يؤدي الى احد أمرين: اما ان تكون الجملة غير مفهومة، أو أن تكون مفهومة ولكن غير طبيعية.
3- العبارات الاصطلاحية:وهي تعابير ثابتة المعنى والتركيب اصطلح عليها أصحاب اللغة لاستخدامها في مواقف حياتية محددة، مثل: ذر الرماد في العيون، الطابور الخامس. تكمن صعوبة ترجمة هذا النوع من العبارات في أن معناها العام وفحواها لا يمكن أن يفهم من الكلمات المكونة للعبارة، لتلافي مثل هذه المواقف الصعبة لابد للمترجم أن يطلع على أكبرعدد ممكن من التعابير الاصطلاحية في اللغة التي يدرسها.
أما النوع الثاني من كفايات المترجم فهي الكفايات الترجمية: ونعني بها الإلمام ببعض الجوانب المهمة لعلم الترجمة، ومنها على سبيل المثال: 1- التعرف على مفهوم نماذج الترجمة (ويطلق عليها في أدبيات الترجمة «موديلات» الترجمة) وهي عبارة عن نظريات وضعها بعض علماء الترجمة يصفون فيها عملية الترجمة ويطرحون من خلالها تصوراتهم عن الطريقة المثلى للقيام بالترجمة.
2- التعرف على أكبر عدد ممكن من التحويلات الترجمية: وهي الوسائل التي يستخدمها المترجم أثناء صياغته لنص الترجمة وذلك لاخراجه بشكل صحيح ومفهوم. لا تكاد تخلو أي عملية ترجمة من استخدام التحويلات الترجمية وذلك لاختلاف المنظومات اللغوية. ان التحويلات الترجمية هي زاد المترجم، ولهذا يجب أن يعرفها بدقة وأن يجيد استعمالها، ومن هذه الوسائل نذكر: التعميم والتخصيص والتعويض والترجمة العكسية وغيرها. تجدر الاشارة هنا الى أن استخدام هذه التحويلات الترجمية، على الرغم من أهميتها، ليس مطلقا، ولكنه مشروط بأمور منها: أن يكون استخدام هذه الوسيلة أو تلك مبررا.
3- الاطلاع على الآراء المختلفة حول مفهوم «التكافؤ» لكونه احد المفاهيم الرئيسية في علم الترجمة.
تكمن أهمية الالمام بمثل هذه الكفايات الترجمية في أنها تحسن كثيرا من جودة عمل المترجم، وتقدم له حلولا متنوعة للمشاكل التي يواجهها أثناء عمله. تجدر الاشارة هنا الى أن المعارف الترجمية المذكورة آنفا تحتوي على عدد من المحاور والتفصيلات التي تحتاج لذهن متقد كي تفهم ومن ثم تطبق عمليا. ومع ذلك فهي تمثل جزءا يسيرا من جوانب علم الترجمة. الا أنني أعتقد أن النقاط المذكورة تمثل المعارف التي يحتاجها المترجم لكي يؤدي مهمته بنجاح. أما القضايا العلمية الكثيرة الأخرى فتدخل في حيز اهتمام علماء الترجمة ومنظريها.
وفي الختام: ان الكفايات اللغوية والترجمية المذكورة هي وسائل «السلامة» والنجاح للمترجم، وتسبغ على أدائه لمسة احترافية. وللتمثيل على أهميتها نقول: ان المترجم الذي لا يمتلك الكفايات اللغوية محكوم على عمله بالفشل، ومن لا يمتلك الكفايات الترجمية فهوكمن يسير على حبل: امكانية سقوطه في أي لحظة واردة بقوة!