يا لهذه الفتاة المبهرة ذات الوجه المورَّد الذي لم تلوِّحه الهواجر، هبطتْ على القرية ذات مساء، فما أضحى اليوم التالي حتى غدتْ معروفةً لدى القرية بـ(المعلمة السورية)، وأبوها العجوز الأبيض الذي لم يكن وجهه متغضناً أسمر كوجوه شيوخ القرية!
في غرفة ملحقة بالمدرسة سكنتْ مع أبيها، لم يكن العجوز يختلط كثيراً بالناس، ولم تكن تجاوز سور المدرسة إلا برفقته؛ يتبعها وهي تركض في الحقول، تجمع الفراشات، تحمل سلَّتَها الصغيرة المحكمة، وأخرى لها ذراع طويلة، تحاصر بها الفراشات، قبل أن تضطرها للدخول إلى السلَّة، عشراتُ الفراشات محاصرة في سلة صغيرة.
عند الغروب تعود إلى حجرتهما بالغنيمة، يتبعها العجوز الوديع، وفضول الصغير المبهور بهذه المعلمة السورية، عاشقة الفراشات التي طالما سحقها كلما حامت حول وهج السراج، لم يجد بأساً بأن يرافقهما إلى المدرسة، ولم يتردد في الدخول إلى حجرتهما ليرى ما تصنع بهذه الفراشات، ولم لا وقد أمسك لها عدداً من الفراشات بيده دون الحاجة لسلة الصيد ذات الذراع الطويلة؟ جلسَ ينظر للعجوز الذي استلقى على ظهره، أخذ نَفَساً عميقاً، ثم أطلق زفرات متتالية وعيناه شاخصتين جهة السقف.
يقلّب الغلام نظره بينها وبين الفراشات، لم يقترب منها كثيراً، فهو يدرك أن الغبار يكسو ثيابه وجسده، فهو يغتسل ككل أبناء القرية عندما تغتسل الأشجار والصخور والجدران تُمسكُ الفراشاتِ واحدةً واحدة، ترش رأسها بالكولونيا، تضعها على سطح كرتون معدٍّ لاحتضار فراشات.
عندما رافقهما في يوم تال إلى غرفتهما، وجدها قد صنعت من الفراشات الملونة لوحات زاهية، حيث تغرز في رؤوسها دبابيس وتوزعها على لوحة الفلين في تناغم للألوان مدهش، تتوزع اللوحات الزاهية على جدران الغرفة، تحافظ الفراشات على جمالها مفرودة الجناحين حتى بعد موتها.