يتجه المغرب إلى القيام بمحاولة ثانية لتطوير قطاع التمويل الإسلامي معتمدا على قواعد أكثر إحكاما وإطار تشريعي أوضح لحل المشاكل التي شابت محاولته الأولى.
وبدأت بنوك المملكة في تقديم مجموعة من منتجات التمويل الإسلامي عام 2007 أطلقت عليها اسم منتجات «التمويل البديل» لكنها لم تجد استجابة تذكر من سكان أغلبهم مسلمون.
فالمستهلكون والبنوك نفسها لم يكونوا على دراية بالمنتجات المطروحة بينما أدى غياب إطار قانوني تفصيلي للتمويل الإسلامي إلى زيادة الغموض وارتفاع التكاليف.
فقد أقر مجلس النواب في البرلمان المغربي الأسبوع الماضي مشروع قانون يسمح بتأسيس بنوك إسلامية ويتيح للشركات الخاصة إصدارسندات إسلامية وذلك بعد تأجيل استمر لأشهر.
ويسعى المغرب لتطوير التمويل الإسلامي لأسباب منها جذب أموال من الخليج وتمويل العجز الكبير في الميزانية. لكن تلك الخطط تأخرت مرارا نظرا لحساسية النخبة السياسية في البلاد إزاء توجهات الإسلاميين.
وقال سعيد خيرون رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية في المجلس: إن مجلس النواب أقر مشروع القانون بأغلبية 75 صوتا دون اعتراض أي صوت.
وسيسمح القانون للبنوك الأجنبية والمحلية بإنشاء بنوك إسلامية في المغرب.
من ناحيته، قال وزير مغربي: إن بنك المغرب سيتعامل مع البنوك التشاركية (الإسلامية) بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع باقي البنوك المغربية القائمة.
وقال ادريس الأزمي الوزير المكلف بالميزانية أمام البرلمان: «إن بنك المغرب سيتعامل من حيث الرقابة بنفس الطريقة مع البنوك التشاركية المنصوص عليها في مشروع القانون وليس هناك أي امتياز.»
وبدأ البنك المركزي في تشكيل مجلس شرعي مركزي للإشراف على قطاع التمويل الإسلامي.
وقالت مصادر لرويترز: إن سبعة مستشارين شرعيين وخبراء ماليين بدأوا التدرب ليصبحوا أعضاء في المجلس.
المعالجة الضريبية
وقال سعيد أمغدير رئيس الجمعية المغربية للمالية التشاركية وهي جمعية معنية بالتمويل الإسلامي: إن المعالجة الضريبية للمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ستكون ضرورية لتطوير القطاع.
وأضاف «نسعى جاهدين للحصول على ضريبة عادلة على المنتجات التشاركية - ذلك سيجعل أسعارها متقاربة مع المنتجات التقليدية ... إنها مسألة إرادة سياسية.»
ويبدو أن التشريع الذي تم إجازته يعالج في صورته الحالية مسألة الضرائب جيدا. وتقول هدى شافيل رئيسة مغرب تسنيد إن هذا التشريع يسمح باستخدام الشركات ذات الغرض الخاص بينما لن تواجه تحويل ملكية العقارات بين المصدرين الأصليين للصكوك وشركات الغرض الخاص مشكلة الازدواج الضريبي.
ومن المتوقع أن يفضل هذا النظام استخدام صكوك الإجارة.
ومع انفتاح عدة دول في الشرق الأوسط على التمويل الإسلامي يبدو المغرب واحدا من البلدان التي تتمتع بأكبر إمكانات على المدى البعيد إذ يعتقد أن نحو نصف سكانه البالغ عددهم 33 مليون نسمة تقريبا خارج النظام المصرفي الرسمي.
وأبدت البنوك المغربية اهتماما حذرا بهذه الفرص، وقال التجاري وفا بنك أكبر بنوك المغرب وأول بنك في المملكة يؤسس وحدة للمعاملات الإسلامية إنه يعتزم توسيع وحدته بعد إقرار مشروع القانون.
وقد يقبل البنك الشعبي المركزي والبنك المغربي للتجارة الخارجية والبنك المغربي للتجارة والصناعة التابع لبنك بي.ان.بي باريبا على تأسيس وحدات إسلامية فور المصادقة على مشروع القانون.
وقال لعيدي الوردي المدير العام للبنك الشعبي ثاني أكبر بنوك المملكة: إن البنك يهدف إلى فتح فرع للمعاملات الإسلامية مع شريك يملك الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية.
وقال مصرفي كبير لرويترز «رغم أن المحللين لا يتوقعون إقبالا كبيرا على المنتجات الإسلامية بعد التصديق على مشروع القانون فينبغي أن نشارك في المعركة. من يدري؟ ينبغي أن نعد أنفسنا.»
وقال حسن بنحليمة المسؤول بمديرية الرقابة المصرفية في البنك المركزي: إن بنوكا خليجية من الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة أبدت اهتمامها بدخول السوق فور المصادقة على مشروع القانون.
وأضاف «مازلنا منفتحين في رؤيتنا ونشجع على إقامة مشروعات مشتركة بين البنوك المحلية والمستثمرين الأجانب.»
وقال مصدر من القطاع المصرفي طلب عدم ذكر اسمه نظرا لحساسية المسألة: إنه يتوقع أن يوافق البنك المركزي على إنشاء ما بين أربعة وستة بنوك إسلامية فقط لتجنب حدوث تكدس في القطاع.
وأضاف المصدر «معظم البنوك المغربية المهتمة بالتمويل الإسلامي بدأت بالفعل محادثات مع مستثمرين لإقامة مشروعات مشتركة.»
عدم وعي المستهلكين
ورغم ذلك ستواجه هذه المشروعات عقبات كبيرة أبرزها عدم وعي المستهلكين بمفاهيم التمويل الإسلامي وهو ما أظهرته مسوح أجراها البنك المغربي للتجارة الخارجية.
وقال أحد المراقبين: «أعتقد أن من الطبيعي أن نقول: إنهم يريدون المنتجات الإسلامية لكن لا أحد يعرف ما هو التمويل الإسلامي. يعتقدون أن التمويل الإسلامي بمنزلة قرض حسن.»
ويتطلع المسؤولون المغاربة أيضا إلى تطوير التمويل الإسلامي في مجالات أخرى غير المجال المصرفي. ويقول كريم حجي المدير العام والرئيس التنفيذي لبورصة الدار البيضاء: إن البورصة تستعد لتدشين مؤشر متوافق مع الشريعة يضم نحو 35 شركة وستسعى لإدراج صكوك.
وفي قطاع التكافل يتوقع ألا يسمح لشركات التأمين بفتح نوافذ إسلامية بل سيتعين عليها إقامة وحدات منفصلة في خطوة قد تساعد على التمييز بين الشركات العاملة في سوق التأمين التي تهيمن عليها حاليا الشركات الأربع الكبرى.
الأوقاف
وهناك أيضا مساع لتحسين فاعلية إدارة الأوقاف وهي عملية بدأتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عام 2012.
وقال محمد الكواري مدير الأوقاف في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: إن الأوقاف المغربية تملك نحو 80 ألف وحدة عقارية في أنحاء البلاد لكنها تتلقى إيجارات منخفضة بدلا من أسعار السوق التنافسية.
وقال الكواري «الأوقاف المغربية أوقاف قديمة. لدينا أوقاف عمرها 12 قرنا ونصف. وقد ورثنا الأوقاف القديمة في المدن القديمة الغنية بعبق التاريخ مثل فاس ومراكش.»
وتدرس الوزارة تشغيل صناديق استثمار عقاري وإمكانية إشراك شركات خاصة للمساعدة في إدارة بعض الممتلكات. ورغم ذلك أقر الكواري بأن الوزارة تواجه تحديا يتمثل في تحديث الأوقاف وتحقيق أقصى عائد ممكن منها مع تجنب ارتفاع الإيجارات الذي قد يضر بالأسر المحدودة الدخل المقيمة في تلك العقارات.
البنوك التشاركية
وتزايدت قوة الدفع السياسية الداعمة للتمويل الإسلامي منذ أن تولت حكومة بقيادة إسلاميين معتدلين مقاليد السلطة من خلال انتخابات في أواخر العام 2011. وتعاني الأسواق المالية المغربية من شح السيولة وقلة المستثمرين الأجانب ويمكن أن تجتذب إصدارات الصكوك أموالا من الصناديق الإسلامية الغنية في الخليج.
ووافق المغرب العام الماضي على تشريع يسمح للحكومة بإصدار صكوك سيادية رغم أنها لم تفعل ذلك حتى الآن.
وقدرت دراسة لتومسون رويترز عن المغرب نشرت في أبريل نيسان أن البنوك الإسلامية يمكن أن تشكل ما بين ثلاثة وخمسة في المئة من إجمالي الأصول المصرفية في البلاد بحلول 2018 أو نحو 5.2-8.6 مليار دولار. لكن ذلك سيظل معدلا منخفضا جدا مقارنة مع أسواق الخليج حيث تشكل حوالي ربع الأصول المصرفية.
وسيطلق على البنوك الإسلامية في المغرب اسم البنوك التشاركية بحسب القانون.
وفي 2010 بدأ المغرب السماح للبنوك التقليدية بتقديم خدمات مالية إسلامية محدودة لكنها لم تتمكن من النهوض بها نظرا لارتفاع تكاليف المنتجات الإسلامية.