تبقى الجدران شاهدة برمزية روحانية على أحداث حياتنا التي نعيشها, للحظات حين تستوقفنا الذاكرة ونحن ننظر إليها نتخيل من مروا من هنا, هذه هي حكايتي مع قصر الحكم وجدرانه وأروقته, كلما مررت فيها تذكرت الأولين حين عاهدوا الله على أن يعلوا رايته ويبنوا الوطن ليكون منارة يهتدي بها البشر, بين جدران قصر الحكم كان القسم باليمين وكان العهد مشهود بالولاء والفداء, من هنا كانت البداية والمسيرة، وكلما عدنا إلى قصر الحكم لنحفر في ذاكرتنا قصة جديدة عادت الذكريات كلها من جديد, تلك التي عشناها وتلك التي عاشها قصر الحكم لتندمج جميعها فتصبح الطاقة التي نستمد منها قوتنا وعزيمتنا وإصرارنا بأن يكون القادم دائما أفضل.
اليوم كان موعدي في قصر الحكم مع تركي بن عبدالله بن عبدالعزيز ونحن نبايعه أميراً للرياض, ونحن نقف أمام هذا الصقر السعودي وعيوننا على الغد الأفضل بإذن الله تعالى مستشعرين التحديات التي نحن مقبلون عليها من عمران وإنشاء ونشوء وبروز في الثقافة والفكر والتطور الشامل, وبنفس الوقت مستحضرين من تاريخنا العريق تلك اللحظات التي بويع فيها عبدالعزيز ملكا على البلاد، وكيف كانت الظروف حينها والأوضاع بشكل عام، وكيف أصبحنا اليوم على ما نحن عليه, كل هذا يجعلنا نلغي من قاموسنا كلمة المستحيل, العمل وراية الاجتهاد والجد والسعي هي التي رفعناها بين يدي تركي ليقود مسيرة وعهد جديد للرياض نحو العلياء التي ما اعتادت الرياض برعاية الله طريقا سواه تمضي إليه.
هي الجدران وهي الحجارة التي شكلتها, لكنها أيضا السواعد التي بنتها ومكنتها لتكون ما هي عليه, السواعد وما اغتسلت به من عرق الجبين بفخر واعتزاز, ونحن ندور في أروقة قصر الحكم وكل تلك التسهيلات لا بد منا ألا ننسى أولئك الذي يسهرون ويسعون على تذليل الصعاب والعمل بصمت كجنود مجهولين يهمهم أن من يدخل لابد وأن يخرج فرحا مسرورا, تبقى الجدران رمزية لكن تلك الوجوه التي نشاهدها ونراها من كوادر الإمارة والمشرفين على التشريفات والخدمات فيها هي الروح الحقيقية, هؤلاء بحق هم أكثر من تخاطبهم الجدران وأكثر من يسمعون كلامها.
لكل واحد من كوادر الإمارة سلام وتحية تبجيل وتقدير, تلك الوجوه المبتسمة المتفائلة التي لا يهمها إلا العمل بكل أناقة ورتابة واهتمام, تشعرهم جميعا حولك كأنك بينهم وحدك, جباههم السعودية مشرقة مرفوعة بتوحيد الله, حول تركي كلنا كنا نبايعه ونشد على يديه وهم من حولنا أيضا يبايعون ويشدون على الأيدي, من الصعوبة بمكان أن أذكر الأسماء كلها فمنهم من أعرف اسمه ومنهم من لا أعرف إلا ابتسامته وتواضعه, ولكنها أمانة أحملها إلى معالي سحمي بن شويمي ومعالي عبدالكريم العيدان ومعالي عبدالله القرني وسعادة فيصل السديري وسلمان بن شويمي وفهد عبدالواحد وجميع زملائهم بالمراسم والإمارة ومنسوبيها وحراساتها العسكريين والمدنيين بأن يبلغوا الجميع أننا نقدر ما يقومون به، وأن احترامهم في قلوبنا يزيد وأن قصر الحكم شاهد عليهم وعلى من سبقوهم بأن الحجارة لا تنير إلا بجباه الرجال الصادقين الوافين, بوركتم وبوركت جهودكم وبورك القصر.