هناك شركات وطنية تجاوزت مرحلة المسؤولية الاجتماعية إلى مكانة أعلى وأكبر وهي الوطنية الحقيقية التي تضع مصلحة الوطن والشعب السعودي فوق أي مصالح ومكاسب مادية أخرى وظهر ذاك جليا في شركة المراعي التي اتخذت مؤخرا قرارا تاريخيا بإيقاف زراعة الأعلاف في السعودية واستيراد كامل احتياجاتها من الخارج بهدف المحافظة على أهم مورد طبيعي للسعودية وهو المياه عصب الحياة، ولم تتوقف المراعي عند وقف الزراعة والاستيراد بل تجاوزت ذلك بتوقيع اتفاقية مع شركة تطوير الموانئ، المطور والمشغل لميناء الملك عبدالله في المدينة الاقتصادية برابغ بحيث تتحمل المراعي تكاليف تطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية الخاصة بعمليات استيراد الأعلاف المستخدمة في تغذية الأبقار والدواجن من خارج السعودية بميناء الملك عبد الله بالمدينة الاقتصادية في رابغ غرب السعودية بحيث تستخدمه المراعي وغيرها من الشركات لدخول الاعلاف المستوردة من الخارج.
من هنا نرى أن الشركة عندما قررت إيقاف الزراعة اتجهت نحو الاستيراد وإقامة مزارع في الخارج صاحبها اتفاقية تطوير الميناء ليتناسب مع استيراد ودخول الاعلاف، إن من حدث سيدون في سجلات التاريخ لشركة وطنية فضلت مصلحة الوطن على توفير مكاسب مالية ضخمة، وذلك بضخ استثمارات لزراعة الاعلاف في عدد من دول العالم بالاضافة إلى ضخ استثمارات في الموانئ لتهيئة دخول الأعلاف المستوردة للسوق السعودية بدلا من زراعتها محليا للمحافظة على المياه.
إن مثل هذه المواقف والقرارات تتطلب تشجيعها من قبل الدولة بتقديم المزيد من التسهيلات لمثل هذه الشركات وكذلك قيام المجتمع بتشجيعها والاشادة بما أقرته خاصة وأن المراعي كانت سباقة - كعادتها- لتقود عملية التوفير والمحافظة على الثروة المائية للأجيال القادمة، ونأمل أن تحول كافة مزارعها داخل المملكة إلى زراعات ومنتجات غير مستهلكة للمياه بكميات ضخمة، لتتناسب مع توجهات المحافظة على الثروة المائية في بلادنا العزيزة، وتوفير منتجات يحتاجها السوق المحلي أو كمواد خام لمشاريع صناعية تسهم في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي.
إن الحس الوطني يجب أن يسود كافة مؤسساتنا ومجتمعاتنا وأن تكون الاستجابة سريعة لأي توجه أو قرار وطني يكون فيه مصلحة الشعب السعودي مثل المحافظة على الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه، وعلينا أن نسير في اتجاه واحد نحو دعم ومساندة ومساعدة مثل هذه التوجهات بكل ما نملك من وسائل وأدوات تسهم في وصوله للمجتمع بطريقة ميسرة وسريعة، وأتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة توجها كبيرا من قبل بعض الشركات المحلية للسير على خطى شركة المراعي بإيقاف أي زراعة مستهلكة للمياه وفي مقدمتها الأعلاف، وأعتقد أن المراعي كشركة وطنية قد تقدم تجربتها لأي جهة أو شركة ترغب التحرك في نفس الاتجاه وذلك من باب الوطنية الحقيقية لشركاتنا التي يقوم عدد منها بدور مهم في مسؤوليته الاجتماعية وبعضهم تجاوزها إلى مرحلة الوطنية الحقيقية.