أكد اقتصاديون ومختصون ماليون، أن قرار مجلس هيئة السوق المالية الذي اصدر مؤخرا باعتماد الإجراءات والتعليمات الخاصة بالشركات المدرجة أسهمها في السوق التي بلغت خسائرها المتراكمة 50 بالمئة فأكثر من رأسمالها، سيحدث نقلة نوعية في أداء السوق وسيضرب المتلاعبين فيها.
وأوضحوا لـ«الجزيرة» أن القرار سيهدف للانتقال إلى سوق مالية ذات رقابة عالية على أداء الشركات والسوق إجمالاً، وخاصة الشركات التي عليها استفهامات كثيرة من قبل المراقبين والمستثمرين وتحولها إلى الخسائر بصورة غير واضحة وهي في قطاع عامل ومنتج، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن القرار سيرفع الغرر عن غالبية المتداولين الذين يقحمون أنفسهم في شركات خاسرة دون معرفة.
وشددوا، على ضرورة تطبيق الإجراءات الرقابية على الجميع، إذ يهدف القرار إلى تقديم الشفافية مع المتداول العادي من حيث توضيح الشركات الخاسرة على الشاشة بكل وضوح، لافتين إلى أن القرار بمثابة الحماية للمتعاملين في السوق وخصوصا المستثمرين الجدد الذين لا يملكون الخبرة الكافية في سوق عالي المخاطر.
وأكد الخبير الاقتصادي والمالي فضل بن سعد البوعينين، أن قرار مجلس هيئة السوق المالية يشكل مرحلة جديدة للسوق، تساعد على رفع الغرر وتحجيم عمل المضاربين، ودعم خطط المستثمرين الإستراتيجيين الباحثين عن الفرص، إلى جانب أن هذه المرحلة ستكشف خطط الإداريين المستقبلية للتعامل مع وضعية شركاتهم الخاسرة من خلال الدخول والخروج من تصنيف الشركات الخاسرة.
وأوضح البوعينين، أن القرار الجديد جاء ليرفع الغرر عن غالبية المتداولين الذين يقحمون أنفسهم في شركات خاسرة دون معرفة، أو دون تقييم للمخاطر المتوقعة من استثمارهم في شركات خاسرة ومهددة بإجراءات نظامية قد تحول دون استمرارها في السوق، أو في مزاولة النشاط، حيث دأب الكثير على المضاربة في الشركات الخاسرة التي تجاوزت أسعار بعضها قيم شركات ضخمة كسابك والمصارف السعودية، لافتا إلى انه بعد تطبيق هذا القرار سيكون المستثمر في الشركات الخاسرة على علم مسبق وإطلاع تام بحجم خسائر الشركة دون الحاجة للتعمق في قراءة بياناتها المالية، وبذلك يفترض أن يتحمل قرار شرائه لتلك الأسهم دون الإدعاء على جهات أخرى بالتظليل.
وبين البوعينين، أن القرار أتاح عمليات التخارج لمن أراد، أو الاستثمار لأولئك الباحثين عن الشركات الخاسرة لإعادتها إلى الربحية، إذ يتيح النظام حين تطبيقه آلية جيدة للتداول تضمن العدالة والشفافية للجميع، مشيرا إلى أن من أهم إيجابيات القرار الوضوح والشفافية لوضع الشركات المالي وفق آلية مبسطة تمكن الجميع من معرفتها، إضافة إلى إتاحة فرصة التداول وفق آلية محددة للشركات الخاسرة التي كانت تعلق أسهمها دون تمكين حملة الأسهم من التخلص منها، أو تمكين الراغبين في الإستثمار فيها لإعادة هيكلتها من تحقيق ذلك الهدف، كذلك فتح منصة موازية أشبه بالسوق الموازية قد يساعد على تطويرها مستقبلا لتشمل الشركات حديثة الإدراج، حيث إن القرار عالج معضلة محدودية عدد شركات السوق التي حالت دون تحقيق هدف «السوق الثانية» الذي كان من أهداف هيئة السوق منذ إنشائها.
ولفت اليوعينين إلى أن القرار سيمكن الجهات الرقابية من تجربة زمن التقاص الجديد، وهو أمر غاية في الأهمية لحماية السوق مستقبلا، أو شركات محددة من المضاربات المحمومة الموجهة لإحداث الآثار السلبية المتعمدة، كذلك من الإيجابيات تحفيز إدارات الشركات المساهمة على تحسين أداء شركاتهم المالي، لحماية الشركة من تطبيق النظام عليها، أو لمساعدة الشركة على الخروج من نظام الشركات الخاسرة. وفيما يخص توقيت تطبيق القرار، قال البوعينين «أعتقد أن التوقيت مناسب جدا، فطالما أن القرار يهدف إلى تعزيز الشفافية والإفصاح عن وضعية الشركات المالية فلا ضرر من صدوره بالتزامن مع إعلان البيانات المالية التي ستكون المحددة في دخول بعض الشركات في النظام الجديد أو خروجها منه، بل إني أعتقد أن تطبيق النظام تأخر كثيرا وربما تسبب في أضرار كان من الممكن تلافيها لو تم تطبيقه في فترة زمنية مبكرة.»
وأضاف « يمكن للنظام الجديد وفق تدرجه الحالي أن يسهم في تحفيز حملة الأسهم على متابعة أداء الشركة ومساءلة المجلس الذي سيكون منكشفا أمام الجميع وليس أمام مساهميه، إذ إن النظام لن يسمح بالضبابية بعد اليوم، ولن يسمح بالتخفي، وسيعري جميع الشركات الخاسرة دون استثناء، فلا حصانة لأحد، فمجالس الإدارات تعمل باستقلالية عن ضغط حملة الأسهم الذين لا يمارسون حقهم المشروع في الجمعيات العمومية، وهم لا يتحركون إلا بعد وقوع الكارثة».
وأكد البوعينين أن القرار سيحدث نقلة نوعية في أداء السوق ويضرب المتلاعبين فيها ويشل الكثير من أساليبهم إلى جانب فضح الشركات الضعيفة التي لا تمتلك أي خطط مستقبلية واضحة، بدءا من كشف حقيقة الشركة الخاسرة ووضعها المالي، ومرورا بعملية التقاص التي تحتاج إلى يومي عمل في بعض الحالات، ما يعني الحد من المضاربات، وانتهاء بزمن البقاء في تصنيف الخسارة الذي سيحدد بجلاء جهود الإدارة في تحسين وضع الشركة من عدمه.
من جهته، بين محلل الأسواق المالية،هشام الوليعي، أن القرار يعد نقلة نوعية ستهدف إلى الانتقال إلى سوق مالية ذات رقابة عالية على أداء الشركات والسوق إجمالاً، وخاصة الشركات التي عليها استفهامات كثيرة من قبل المراقبين والمستثمرين وتحولها إلى الخسائر بصورة غير واضحة وهي في قطاع عامل ومنتج وأيضاً تلك الشركات التي تفتقد للربحية من تاريخ إنشائها وتآكل رأس مالها ومواردها، مما يضع بدوره التساؤلات من جدوى طرحها للعموم،ويضع أيضاً المزيد من التساؤلات على آلية الطرح وعمل مجالس الإدارات و دور الجمعيات العمومية في تلك الشركات.
وقال الوليعي «هذا القرار ليس إشارة بوجود سوق ثانوي، بل تنظيم إجرائي يهدف بالدرجة الأولى إلى الرقابة على الشركات التي وصلت خسائرها 50 بالمئة فما فوق والشركات التي تجاوزت خسائرها 75 بالمئة فما فوق، وذلك من خلال الإعلانات الفورية مع التعليق المؤقت عن التداول وقت الإعلان، وإجبار تلك الشركات عن طرح التقارير والقوائم المالية الشهرية والالتزام بتطبيقها وتخفيض الخسائر إلى مادون النسب المقررة خلال عامين ماليين أو الخروج من السوق، وهذا بحد ذاته عامل ضغط كبير وتعرية على إدارات تلك الشركات».
وأضاف «ما يهمنا كمراقبين أن تطبق الإجراءات الرقابية على الجميع، إذ يهدف القرار إلى تقديم الشفافية مع المتداول العادي من حيث توضيح الشركات الخاسرة على الشاشة بكل وضوح، ومن فوائد التنظيم الجديد هو عودة المقاصة خارج المنصة على الشركات الملغى إدراجها والتي وصلت خسائرها حد الإفلاس».
وأكد الوليعي انه ليس هنالك حاجة لإخراج الشركات التي سيتم التداول عليها بنظام «T+2» من المؤشر العام، حيث أنها في الغالب قليلة العدد وصغيرة الوزن على المؤشر فهي لا تملك التأثير على دقته، مشيرا إلى أن وقت تطبيق القرار وتزامنه مع إعلانات الربع الثالث لا يعكس أهمية كبيرة، إذ وضحت الهيئة في الإجراءات أنها فورية ملزمة من حيث الإعلان وتعليق التداول والعودة إلى التداول.
وعلى الصعيد ذاته، أكد المحلل المالي والخبير في الدورات الاقتصادية، مساعد السعيد، أن القرار بوجه عام ايجابي ويعزز مستقبل السوق ويحسن بيئته الاستثمارية، ويعتبر نقله نوعيه تدعم الإستراتيجية العامة التي تتبناها هيئه سوق المال (كجهة مسؤولة عن تنظم السوق) وذلك يجعل السوق المالية جاذبة استثماريا وأكثر حماية لأموال المستثمرين خاصة الأفراد الذين يدخلون السوق مباشرة وبدون استشارات من مسشارين متخصصين، كذلك يشجع القرار على دخول رؤوس الأموال الجديدة التي تبحث عن استثمارات آمنة سواء كانت محلية أو أجنبية، حيث سينقل ذلك جميعه السوق السعودي الواعد ليكون أكثر نضجاً ليتبوأ مكانته الطبيعية بإذن الله بين الأسواق العالمية، ويحسن بيئته الاستثمارية، كما تعتبر هذا أحد الخطوات المهمة في هذا الاتجاه.
وأبان السعيد أن من ايجابيات القرار أيضا، أن مجالس إدارة الشركات الخاسرة سيكونون بالواجهة تماماً، وسيجنون أي إخفاق في إدارة شركاتهم وسيتحملون نتائج إخفاقاتهم وسوء أدائهم، أما سلبيات القرار فتتمحور حول انه لم يوضح ماذا ستتحمل تلك الإدارات المتسببة بطرد شركاتهم من السوق بعد تسجيل الخسائر، إذ كان من الواجب تحميل الإدارات المتسببة بشكل واضح وصريح وبنصوص قانونيه تتزامن مع تطبيق القرار، بمعنى أن لا يكون العقاب فقط على حملة الأسهم بتلك الشركات، وإنما يجب أن تحمل المسؤولية للإدارات نفسها، كذلك القرار لا يميز بين أسباب وصول الشركة لتلك النسبة من الخسائر فقد تكون الإدارة مجتهدة فعلاً، ولكن لظروف خارجة عن الإرادة مثل الكوارث الطبيعية أو حالات الحروب لا قدر الله أو أي سبب يكون خارج عن الإرادة، فالمفترض أن يميز القرار بين الأسباب ومن ثم معاقبة المتسبب إن كان من داخل الإدارة أو كان ناتجا عن تقصير أو تلاعب عمد، هذا بالإضافة إلى أن القرار ينقل الشركة في سوق شبه ميت،وهو البيع والشراء بالمقاصة، حيث كان من الواجب إيجاد سوق أولي للشركات الخاسرة والجديدة التي يكتتب بها للتأسيس، ويتم التداول فيه كما بالسوق الثانوي( الحالي) وهذا معمول به في الأسواق العالمية.
وتطرق السعيد إلى أن توقيت القرار مناسب وتم الإعلان عنه بوقت مبكر، قائلا : الكره الآن في مرمى المستثمرين أنفسهم للقراءة الجيدة لوضع الشركة، وعدم الانجراف خلف المضاربات العشوائية والمخاطرة برأس المال بالدخول بشركات مهدده أو خاسره سواء بالوقت الراهن أو مستقبلاً. وأكد السعيد، أن القرار سيجعل مجالس الإدارات بالواجهة أمام أي إخفاق وهذا سيحفز من يريد أن يعمل بجد، كما سيكون عاملاً مساعداً لتنظيف شركات السوق من مجالس الإدارات الفاشلة وغير الجديرة بإدارة تلك الشركات، كذلك سيساعد القرار كثيرا على تحسين البيئة الاستثمارية للسوق السعودي الذي يستحق مكانة عالمية أكثر من موقعه الحالي. وقال:»أما من حيث انه يستهدف المضاربين فلا اعتقد ذلك لان المضارب سيضارب سواء بشركة رابحة أو خاسرة، ولكن لو تم عمل سوق أولي كما أسلفنا سيخدم تدفق الأموال التي تبحث عن مضاربات مشروعه، وسيفتح نافذة شرعيه للأموال المتحفزة، وسيقلل من تكون الفقاعات الاقتصادية التي تضرب سوق العقار أو الأسهم بسبب توفر السيولة لدى الأفراد بشكل ملحوظ كما تبينه الأرقام التي تعلنها المصارف بشكل دوري وسنوي».
أما عبدالله بن فرحان الغامدي -مستثمر في سوق الأسهم- فأوضح أن هذا القرار يعتبر من القرارات المهمة التي تصدرها هيئة سوق المال والذي يعزز بدوره الشفافية المطلوبة في مثل هذا المجال، خصوصا وان سوق الأسهم يعتبر من الأسواق الأعلى في المخاطر مقارنة بالمجالات الاستثمارية الأخرى، كذلك يعتبر القرار بمثابة الحماية للمتعاملين في السوق وخصوصا المستثمرين الجدد الذين لا يملكون الخبرة الكافية في سوق عالي المخاطر، وممن يتبعون الشائعات أو التوصيات التي لا تخدم في نهاية المطاف إلا من أطلقها وروج لها.
وقال الغامدي: «في السابق كانت اغلب خسائر المستثمرين في سوق الأسهم السعودية جاءت نتيجة لاستثمارهم في شركات خاسرة، حيث كان في ذلك الوقت يصعب على المتداولين متابعة نشاط الشركات وتتبع أرباحها وخسائرها لعدم وجود الشفافية الكافية لذلك، أما مع تطبيق هذا القرار فانه ستكون هناك مساحة كبيرة للمستثمرين لمعرفة أنشطة الشركات وجميع المعلومات التي يحتاجها المتداولين، كما أن القرار سيقطع الطريق على المتلاعبين وبعض المضاربين الذين يطلقون الشائعات التي تخدم مصالحهم».
وكان مجلس هيئة السوق المالية قد اصدر مؤخرا، قرارا باعتماد الإجراءات والتعليمات الخاصة بالشركات المدرجة أسهمها في السوق التي بلغت خسائرها المتراكمة 50 بالمئة فأكثر من رأسمالها في 18 نوفمبر 2013م، الذي أوضح في قراره أنه سيتم العمل بهذه الإجراءات والتعليمات اعتباراً من 1 يوليو المقبل، إذ تهدف الهيئة من هذا القرار إلى تطوير السوق المالية في المملكة وتعزيز حماية المستثمرين، وتطوير الإجراءات الكفيلة بالحد من المخاطر المرتبطة بمعاملات الأوراق المالية، حيث تضمنت هذه اللائحة 3 مواد رئيسة تبين الإجراءات والتعليمات اللازمة عند بلوغ الخسائر المتراكمة للشركة 50 بالمئة فأكثر، بالإضافة إلى مادة مختصة بالتعامل في أسهم الشركة بعد إلغاء إدراج أسهمها.