يا كبدي!!

أطلق الشاعر حطان بن المعلا الطائي الأبيات الشهيرة يُشبّه فيها مكانة الأولاد في النفس كوضع الكبد من الجسد، وفيها يقول:

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

إن هبت الريح على بعضهم

لامتنعت عيني من الغمض

ولعل مَنْ أصابته علة في كبده، يستشعر تلك الأبيات الصادقة، سواء من تعرضت كبده لالتهابات أو فيروسات أو تشمُّع أو تليُّف أو وجود أكياس مائية فيها، أو سرطان يفتتها.

والكبد أكبر عضو غُدِّي في الجسم وتُعد من ملحقات الأنبوب الهضمي، ويبلغ وزنها حوالي كيلو جرام ونصف الكيلو جرام، ولها دور أساس في عملية الاستقلاب ونزع السمية، ومركز تخزين للجليكوجين وتنظيم مستوى السكر في الدم، ومركز تصنيع لبروتينات (البلازما) الدموية وتكوين مادة الصفراء (عصارة المرارة).. وتقوم الكبد بحوالي 500 عملية وظيفية بالدم ومكوناته.. فهي إذاً تقوم بتنظيم كل عمليات وظائف الجسم تقريباً.. والعجيب أن الكبد تنتج معظم بروتينات تجلُّط الدم، ولو قلّت فإن المريض يتعرض للنزيف الدموي.

ولمن لا يعلم، فإن بعض الخلايا في جسم الإنسان لا تنقسم مطلقاً مثل الخلايا العصبية وخلايا الدم الحمراء البالغة، فضلاً عن أن بعض الخلايا لا تنقسم في الأحوال العادية، لكنها تحتفظ بالقدرة على الانقسام تحت ظروف معينة ومنها خلايا الكبد، فإذا تعرضت للجرح أو القطع أو التلف بجزء منها حتى ثلثيها، فإن الخلايا الباقية تنقسم حتى تعوّض الجزء المفقود، وعندها تتوقف عن الانقسام.. وهنا برزت فكرة عملية زراعة الكبد، حيث يمكن تعويض الكبد المريضة بالتبرع بجزء من كبد سليمة لشخص آخر، وباستطاعتها النمو وبعدها يُمارس المرء حياته ما لم يصب بفيروسات وبشرط عدم تناول الكحول.. وقد بدأت زراعة الكبد عام 1983م وبفضل الله ثم التقنيات الحديثة حققت نجاحاً باهراً حتى وصلت نسبة النجاح إلى 97%، والمحزن أنه بسبب الفقر عند بعض الشعوب فقد تحوّل التبرع إلى تجارة مؤلمة!!

والمدهش أن الكبد يطلق عليها تارة مذكراً، وتارة أخرى مؤنثاً!.. وهي العضو الوحيد الذي يطلق عليها اللفظ المزدوج!

وبنظرة سريعة لوظيفة الكبد وحساسيتها وأهميتها في جسد الإنسان جاء تشبيه الأبناء بها!

ألا فأدعو لكل مصاب بكبده بالشفاء والعافية، كما تدعون لمن فقدَ أحد أبنائه أن يربط الله على قلبه، ويعوّضه بالصبر والسلوان.

متّعكم الله بأكبادكم سليمة من الأذى، وأقرّ الله عيونكم بأبنائكم حولكم يحفونكم ببرهم، ويطوقونكم بحبهم.