الأمير عبدالله بن مساعد الرئيس العام لرعاية الشباب ، رياضي شهير ، و رجل أعمال ماهر ، وصاحب خبرات و تجارب متنوعة ، عندما تختلف معه في بعض النقاط ، لا يمكن أن تتجاوزه في نقاط أخرى له فيها قصب السبق ، وعمق التجربة ، وثراء المعلومة . لم يأت عبدالله بن مساعد للرياضة من الباب الواسع ، ولم يدخل قصرها إلا بعد أن صقلته التجربة ، و علمته الأيام ، لذا فقد كان اختياره رئيساً عاماً لرعاية الشباب محط ترحيب الجميع الذين اتفقوا انه قادر على التغيير و نقل الرياضة السعودي بكافة ألعابها ومناشطها إلى فضاءات أرحب ، وإتمام مسيرة من سبقوه في أعبائها .
في كتابه الصادر عام 2001 تحت عنوان : 1000 ميل في خطوة واحدة خصص الأمير عبدالله بن مساعد فصلاً كاملاً عن الرياضة ، شجونها وشئونها ، في بدايته قال : ( هنا طريقان سريعان للشهرة في المملكة ، الأول هو الشعر ركيكه وجيده ، الثاني هو الرياضة ، بعض الناس ينضم إلى الرياضة عاشقاً وبعضهم الآخر سعياً وراء الشهرة ... ) .
بعد ذلك تحدث عن الرياضة من زاوية رجل الأعمال .. وتساءل : ( عن الأسباب التي تجعل الرياضة عندنا عبئاً مالياً ثقيلاً على الدولة ... وتجعلها في دول أخرى مصدراً رديفاً للضرائب وحقل نشاطات متنوعة يولد مئات الألوف من فرص العمل ) و انتهى الأمير المهندس المولود عام 1965 إلى ( الاعتقاد بأننا لا زلنا ندير الرياضة كما ندير الاقتصاد القديم كأنها مربوطة إلى زمن فات لا نستطيع الانعتاق منه للانطلاق للمستقبل ) ..
هذه التساؤلات كما يقول عبدالله بن مساعد : ( قادتني إلى الاقتناع أن تفعيل الجانب الاقتصادي في الرياضة يمكن ان يجعلها صناعة رابحة كما هي في أمريكا و بريطانيا ودول أخرى ) .
الأمير عبدالله بن مساعد يلتقط طرف الحديث ليتحدث عن بعض الظواهر في مجتمعنا والتي تبرز بصورة أشد في الجانب الرياضي .. يقول سموه في الكتاب الصادر قبل 13 عاما : ( في مجتمعنا بعض الظواهر التي تبرز في اوضح صورها في الرياضة منها ضرورة لوم الآخرين على أخطاء ارتكبناها في المقام الأول . إذا خسر الفريق الفلاني في المباراة الفلانية فلان الحكم أخطأ خطأً كبيرا ً , أو لم يحسب هدفاً لذا فهو المسؤول عن الهزيمة, اذا لم يكن الحكم مُدانا فلأن الطقس حار أو مشبع بالرطوبة , أو بسبب الحظ العاثر..هذه الوجبة السريعة من الاعذار لا تساعد الرياضة على التقدم ولا تحفز المجتمع على التطور لذا اعتبرها شخصيا من اهم الآفات التي تعاني منها الرياضة، لكن تأثيراتها السلبية لا تنحصر بالرياضة والرياضيين فقط , لنحاول أن نسحب هذا الموقف على المجتمع وسنكتشف عندها التاثير الضار الذي يمكن ان تتركه خصوصا في تفكير الشباب والنشء الجديد).
ومن المؤكد هنا أن سمو الرئيس العام الذي تحدث في هذا الجانب لم يكن يقصد تقديم الحديث لمجرد الحديث بل من أجل البحث عن روشتة علاج مناسبة تكون قادرة على العلو بالشأن الرياضي وجعله ميدان تنافس شريف مهما كانت قوة المنافسة ، قبل أن يتسنم المنصب الرسمي الذي جعله المسؤول الأول عن الرياضة السعودية كان يطالب بأشياء لابد أنه سيمضي الآن نحو تطبيقها ، هو يريد أن نتخلص من مشكلة رمي كل أسباب الخسارة على طرف وحيد مثل حكم المباراة ، يريد من الطرف الخاسر أن يبحث جيداً عن أسباب هزيمته ... يقول : ( يجب أن نتخلص من هذه الآفة بسرعة, الظروف ليست مسؤولة عن كل شيء. حكم المباراة أمام فوهة مدفع اللوم مباشرة, هو مثل القاضي يدرس ويقرر ولا يمكن أن يُرضي الخصمين معاً, يجتهد فيصيب أحياناً ويخطئ أخرى لكن بما أن نهجه واحد لأن القرارات السيئة يمكن في النهاية ان تخرج متعادلة مع القرارات الجيدة , لنترك الحكم جانباً ونفكر كيف نقدم للمشاهد أو القارئ الهزيمة.
أتابع البرامج الرياضية على المحطات الأوربية والأمريكية وأسمع كيف يتحدثون عن الهزيمة ، الانطباع الأول الذي يمكن أن يخرج به المشاهد هو الفرق الكبير في مستوى الثقافة بيننا وبينهم , أول ما يمكن أن يقوله أحد أعضاء الفريق المهزوم هو : « لم نلعب جيدا « . الاعتراف بالخطأ هو أول طريق لتصحيح الأخطاء , لنفترض أن الفريق المهزوم كان مسؤولاً عن الهزيمه بنسبة 50% وكانت أسباب أخرى ( الحكم أو الطقس أو الجمهور مثلاً ) مسؤولة عن النسبة الباقية فماذا يفعل الخاسرون ؟ . ستجدهم يتحدثون أولاً وقبل كل شيء عن نصيبهم من الخسارة فيشرحون للمستمع أو المشاهد أين أخطأ فريقهم وما ينوون تطبيقه في المستقبل للتخلص من هذا الخطأ. الحديث عن أخطاء الحكم ليس مهما, المهم ان يتحسن فريقه ويفوز في المباراة التالية, أليس هذا أفضل طريق إلى ارتفاع مستوى الرياضة وكسب احترام مشجيعها). ينتقل الأمير عبدالله بن مساعد بعد ذلك إلى جزئية أخرى، وهي كيف يتعامل الرياضي أو الشاب مع الإعلام: (جزء من تدريب الرياضيين الشباب في امريكا يقوم على اتقان التعامل مع أجهزة الإعلام ومخاطبة الناس, هؤلاء لم يتطوروا صدفة وينبغي دراسة أسباب ذلك , لا نتحدث هنا عن صنع قنابل نووية بل عن المنطق والبديهة والحس السليم ,وضع الأخطاء والنقائص في مكانه تتقدم الإنجازات والكمال يتطلب احترافاً في التفكير وثقة كبيرة بالنفس , الذي نعطي هذا المنهج أولوية كبيرة في المجموعة السعودية لصناعة الورق , نريد أولا ان نعرف الأخطاء لكي نصححها بسرعة. العمل الجيد واضح ومعروف فلماذا نضيع الوقت في الحديث عنه؟).
في جزئية أخرى ناشد سمو الرئيس العام لرعاية الشباب الرياضيين والإداريين السعوديين والعرب : ( ألا يأخذوا الرياضة عرضياً. للرياضة مكانة عالية في كل مكان. الأوربيون والأمريكيون يعتبرونها صناعة كبيرة ويتعاملون معها على هذا النحو. نحن تهمنا الرياضة أكثر مما تهمهم. عندهم صناعات متقدمة واقتصاد هائل وصناعة سينما دولية ونشاطات حضارية متنوعة ومع ذلك اهتمامهم بالرياضة لا يقل عن اهتمامهم بأي صناعة أخرى.
نحن لا نملك ما يملكونه لكن نستطيع من خلال الرياضة والرياضيين أن نعُلي شأن وطننا وأن نكتسب الأصدقاء وأن نوصل رأينا إلى الآخرين ونصل إلى قلوبهم. هناك فوائد مالية أيضاً. إن لم نستطع في البداية أن نجعل الرياضة تدر المبالغ التي يمكن أن نتصورها فإنها تستطيع بعد ذلك توجيهها إلى قنوات إنفاق ضرورية.
وقت صدور الكتاب لم يكن هناك أي حديث عن تخصيص الرياضة السعودية ، كان الأمر مستبعداً ، كان عبدالله بن مساعد في ذلك الوقت يتحدث عنه بثقة ، وكأنه ينظر في المستقبل فيرى ما يحلم به واقع أمامه : (محاولة حل كل المشاكل قبل التخصيص لن تؤدي إلى نتيجة. أبسط مظاهر التخصيص أنه يتطلب ضخ الأموال الخاصة في النشاط المخصص. المحك المالي يفرز كل شيئ بسرعة. البعض يأتي إلى الأندية ويظل فيها. الأفكار في نشاط شاب مثل هذه الرياضة يجب أن تظل دائماً شابة. يجب أن نبدأ فوراً في وضع تصور شامل لنظام التخصيص تمهيداً لتطبيقه)
في ذلك الوقت كان سموه يطالب بوضع تصور شامل لنظام التخصيص ، هل كان من قبيل الصدفة أن الرجل نفسه أمسك بعد ذلك بسنوات بملف خصخصة الأندية السعودية، ثم أصبح المسؤول الأول عنها ، في اعتقادي الشخصي أن الأمر ليس محض صدفة ، بل هو نتاج طبيعي لحرص ولي الأمر على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، والرجل الذي يمكنه على نحو ما أن ينجح في رسم خطوط خصخصة وتطوير الأندية والرياضة السعودية ، دون أن نقلل هنا من قيمة من سبقوه فقد عملوا و انجزوا و تركوا نجاحاتهم شاهدة على صفحات التاريخ . يضيف سموه : (الرياضة وصلت إلى مرحلة معينة ولن تقفز القفزة المنتظرة إلا بتخصيصها. المهم هنا هو التوصل إلى طريقة مناسبة لبدء تخصيص الأندية الرياضية ويمكن حل المشاكل أولاً بأول وستتكفل المنافسة بالباقي.
توافر المال والفرص الممتازة سيجلبان أفضل المهارات والخبرات إلى القطاع مما سيزيد الاقبال على الرياضة ويعزز دخلها ويطور خدمات وصناعات خفيفة رديفة يمكن أن تقدم فرص العمل لعشرات الألوف. ما الذي يمكن أن نخسره من التخصيص؟. بعض الإشراف. هذا ليس ثمناً باهظاً لرفع مستوى الرياضة في السعودية إلى المستويات الدولية. هذا ليس ثمنا باهظاً لبناء قاعدة مؤيدين ومشجعين تقفز فوق حدود الدول العربية.
الحكومة ستوفر على نفسها مبالغ كبيرة تدفعها الآن لدعم الرياضة. عندما تكتسب الأندية المهنية العالية وتبدأ في زيادة مداخيلها فإن المتحصلات ستدعم خزينة الدولة).
يتحدث الأمير عبدالله بن مساعد بعد ذلك عن بعض هواياته في نهاية المرحلة الإعدادية، أو بداية الثانوية ، يقول : ( كنت أحتفظ بدفتر أسجل فيه كل ما يتصل بالمباريات بين الهلال والنصر. من سجل الأهداف وفي أي مباراة؟. ما هو الرقم القياسي للأهداف التي سجلها الهلال في موسم واحد؟. ما هو عدد مرات الفوز؟. ما هو عدد مرات الفوز المتوالي؟ ) .ثم يتحدث بإسهاب عن إيرادات الأندية ، ما كان يتحدث عنه عام 2001 أصبحنا نشاهده واقعاً عام 2014 ، ما كان يتمناه عبدالله بن مساعد أصبح بعضه موجوداً في الأندية، هناك الكثير المتبقي حتى نحقق كل طموحاتنا، ونصل إلى القمة المنشودة، الأمير عبدالله بن مساعد بيده اليوم الخيط والمخيط، هو لن ينجح لوحده ولن يعمل لوحده، لكن ما نحن متفائلون به أن الرجل قادر على السير بالرياضة السعودية إلى المقدمة.