طلاب يكسرون نوافذ الفصل وأثاثه وهم يضحكون ويصورون ويبثون ما يفعلونه
طلاب يحرقون الكتب المدرسية
شباب يصيدون حيوانا نادرا ويتباهون بذبحه وتصويره
مسؤول ينهر المواطنين وكأنهم بشر درجة ثانية
مواطنون يعـذبون وافـدا لا حيـلة له
عوائل تعتدي على منتزه عام فتعيث فيه خرابا
شخص يقتل في الشارع ولا أحد يبادر بمساعدته
دكتور يصم طالبا جامعيا بلون بشرته
سيدة تلبس أغلى الماركات وترمي المخلفات من سيارتها الأوربية الفخمة
صيدلي يبيع أدوية الدولة لصيدلية خاصة
مواطنون يتزاحمون أمام شباب دائرة حكومية، كل منهم يعلو صوته على الآخر
جمهور يكسر أسوار أحدث وأفضل ملعب لدينا
أستاذ جامعي يتغيب عن طلابه دون عذر أو اعتذار
وغير ذلك كثير من المظاهر، التي تتكرر في مجتمعنا، وفي كل مرة نسأل لماذا يحدث ذلك؟ أين الوازع التربوي؟ أين الوازع الديني؟ أين السلوك الثقافي؟ أين السلوك الحضاري؟
أسسنا المدن الجميلة والمطارات والمدارس والجامعات الفخمة، والحدائق والمنتزهات، لكننا لم نؤسس الوعي. لماذا؟
نحن لم نفرق بين التمدن والتحضر، استوردنا المدنية - من بناء المدن الحديثة- وصدقنا أننا أصبحنا أفضل من الآخرين. لم ندرك عجزنا عن تطوير القيم الحضارية المصاحبة للمدنية، وبالتالي نسعى لسد ذلك العجز. لم نفرق بين التحضر والتمدن، فحسبنا التمدن هو التحضر. عملنا على تطوير التمدن ووجدنا أنفسنا في مأزق القيم والتحضر.
الفرق بين السلوك البربري والمتحضر، حسب تعريفات علوم الاجتماع، عجزنا عن استيعابها. وأخشى أننا نتمدن بشكل ممتاز، دون أن يصاحب ذلك التمدن التقدم المطلوب على مستوى القيم والسلوكيات الحضارية.
تعليمنا أو مؤسستنا التعليمية ومثلها الأمنية حائرون في التعامل مع هذه الظاهرة بين اعتبارها ظواهر فردية يجب غض النظر عنها وبين تجريمها واستخدام أسلوب العقاب تجاهها. مؤسستنا التربوية بشقيها الأسري والمؤسسي، تحديداً، لم تعمل بالشكل الكاف على تحليل وغرس أساسيات التحضر المتمثلة في قيم المساواة، والعدل والحفاظ على المال العام، والمواطنة، والحرية، والمشاركة، وقبول التنوع والاختلاف واحترام الأخر وغيرها من المفاهيم التي تشكل الإطار المفاهيمي الحضاري الذي يحكم افعال الناس ويجعل منهم قوماً متحضرين يفرقون بين الفعل البربري والفعل المتحضر.
التحضر والحضارة ليس مجرد بناء المدن أو حتى نظام عقوبات وإنما غرس مفاهيم ومرتكزات فكرية تحتاج رؤية وزمناً ليتم تكريسها. السلوك الحضاري يجب العمل عليه بصبر وحماس ورؤية عبر أجيال وليس فقط عبر توجيهات ولفترة زمنية قصيرة.
المؤسسة التعليمية والتربوية عليها التفكير ملياً، كيف يمكن غرس مفاهيم حضارية تقود إلى تحلي الأجيال القادمة بالسلوكيات الحضارية. مفاهيم تدوم وتطبق وليس مجرد دروس تحفظ بغرض إجتياز الإختبارات والحصول على الدرجات، كما تعودنا من مناهجنا التعليمية المختلفة.
المعنيين بالجانب الاجتماعي والثقافي والإعلامي والشبابي وغيرهم يتحملون مسؤولية كبرى في هذا الشأن لمساندة المؤسسة التربوية ودعمها للقيام بمثل هذه الرسالة. وهي رسالة ليست بالسهلة وتحتاج صبر كبير وعمل دؤوب..
المعنيين بالجانب التشريعي والتنفيذي عليهم تأسيس الأنظمة والتشريعات التي تقود إلى المبادئ الحضارية الكبرى التي ننشدها وإعادة النظربالقائم منها بغرض تطويرها وسد الثغرات بها والتي تقود إلى ممارسات غير حضارية كممارسات الفساد في استـخدام المال العام وفي التوظيف وفي الإخلال بحقوق الوظيفة النظامية والأخلاقية وما هو في حكم ذلك ويتعلق بغرس المبادئ والقيم الحضارية الكبرى.
كل عام وأنتم بخير.. نلتقي فيكم بعد شهر رمضان المبارك.