هذا المقال لا أناقش من خلاله ما يدور حول الابتعاث وأثره الإيجابي أو السلبي، لن أقول إن من مخرجاته الأطباء والمهندسين والخبراء وغيرهم ممن يزهو بهم الوطن، ولن أقول إن نتائجه تنصير وتبشير وضياع لشباب الوطن!
هذا المقال يأتي بعد حادثة آلمتنا جميعاً، هذا الألم والوجع جاء نتيجة مقتل طالبة سعودية تحضر الدراسات العليا في بريطانيا، مبتعثة من جامعة الجوف، وهي المشهود لها بالصلاح والتقى والعفاف، فآلمنا مقتلها أشد الألم، وجاء ألم آخر عندما بدأ بعض مرضى القلوب ينالون من عرضها وهم لا يعلمون عنها شيئاً، إلا كونها مبتعثة! غرد من غرد مبدياً ما كأنه تشفٍ وفرح بهذه الحادثة، ويردد: هذه نتائج ضياع الأخلاق! هذه نتائج ترك محارمكم بين الذئاب! هذه نتائج الحرية ونزع الحجاب! بكت عيوننا لمقتلها، وبكت قلوبنا لسوء أدب بعضنا، فاجعة تكون مجالاً للسخرية والتشفي؟! (هل شققت عن قلبه) سؤال نبوي لصحابي جليل، وسؤالي لهؤلاء: هل الموت مجال للنقاش البذيء؟ هل الميت حلال العرض؟ ألم تسمعوا أن كسر عظم الميت ككسر عظمه حي؟ فما بالكم بعرضه! هل نُزعت الرحمة من قلوبكم؟ هل خرج الدين من صدوركم؟ ما بالكم لا تقيمون للدين وزناً ولا للأخلاق مقاماً؟!
آية عظيمة تقشعر منها الأبدان لا أعلم هل مرت على مسامع هؤلاء الظالمون للبشر، ظالمون بأكل لحومهم أحياء وأمواتاً، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. وتتسلسل الآيات في عظم جريمة الإفك التي نزلت في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مبرئة لها ومبينة عظم النيل من عرضها الطاهر الشريف، وهذا ينطبق على كل من نال من عرض مسلمة عفيفة شريفة.
هل هؤلاء يريدون التشفي لأجل موقف معين من قضية معينة ليس إلا؟ ووجدوا في مقتل هذه المسلمة العفيفة الشريفة فرصة لأن يقولوا ما قالوا؟ أم هو مرض قلوب ليس إلا؟
ناهد ناصر الزيد فتاة قضت على يدي الغدر وهي في سبيل طلب العلم، قضت وهي الفتاة المشهود لها بتمسكها بدينها واعتزازها بحجابها، قضت تكريماً - بإذن الله - لها حيث أنها في سبيل طلب العلم، فنسأل الله أن تكون ضمن زمرة الشهداء.
في موت بعض البشر رسائل لبعضهم الآخر، فقد يكون موت ناهد رسالة لهؤلاء المأفونين الذين لا شغل لهم إلا النيل من كل مسلم ومسلمة مبتعث، فكل هؤلاء في نظرهم ضالون منحرفون فاسقون! وما علموا أن معظمهم من خيرة أبناء الوطن ديناً وعلماً وعطاء، رحلت وهي سالكة طريق طلب العلم محافظة على دينها وسترها، مسبحة وذاكرة لربها. فما أعظم الفرق بينها وبين مرضى القلوب الذين هم في الحقيقة ممن يسعون في الأرض فساداً علموا أو لم يعلموا.
اللهم تقبل أمتك ناهد في زمرة الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وأحسن لوالديها وذويها العزاء.. والله المستعان.