نما مسعود حساني على مقربة من العاصمة الأفغانيّة كابل. وشهد منذ نعومة أظفاره مآسي مريعة سبّبتها الألغام الأرضية، التي تبقى حتّى يومنا هذا موزّعة في أرجاء المنطقة. وتشكّل الألغام الأرضية مصدر قلق أمنياً عالمياً، مع زرع أكثر من 110 ملايين لغم حول العالم، ما يودي كلّ سنة بحياة أكثر من 20 ألف نسمة.
وقد عزم حساني في سن مبكرة على المساهمة في إزالة هذه المتفجّرات الملحقة للأذيّة.
وعلى امتداد طفولته، أحب حساني استحداث الألعاب، وكان بعضها يعمل بقوة الرياح التي تهبّ في الصحراء القريبة من بيته. وبعد سنوات، سمحت له هذه الذكريات باقتراح حل لأزمة الألغام الأرضية.
وصنع حسّاني ابتكاره، الذي يحمل تسمية «كافون الألغام»، وتعني «مفجّر الألغام» بلغته الأم - من نحو مئة عود قصب منبثق من محور مركزي، علماً بأن أسطوانة من الطين تعلو طرف كلّ من عيدان القصب البالغ طولها ستة أقدام. ويبدو المنتج النهائي شبيهاً بزهرة الهندباء البرية العملاقة التي تستعدّ لإطلاق بذورها، وهي خفيفة بما فيه الكفاية لتتدحرج في الصحراء، مع الإشارة إلى أنّ أسطوانات الطين التي تكسوها قوية بما فيه الكفاية لتفجير الألغام المختبئة تحت الأرض.
ويشار إلى أن «كافون الألغام» - الذي لا يمتّ بصلة بعمليات التفتيش المضنية التي يُقدِم عليها البشر والكلاب - يحمل وعوداً كبيرة بإزالة الألغام بطرق أكثر أماناً، وبتكلفة أقل بمئة مرّة.
وقد تنظرون إلى هذا المشروع الناشئ (ويتم حالياً إنتاج نماذج أولية عن «كافون الألغام» وإخضاعها للاختبار، بفضل حملة مموّلة بالكامل عبر موقع «كيكستارتر» الإلكتروني) على أنّه خطوة ممتازة على صعيد إستراتيجية الأعمال، كونه يتطرّق بكل جرأة لمجال لم يسبق أن تواجد فيه أي سوق. ولكن بالاستماع إلى حساني، من الواضح أنه لا يعتبر نفسه خبير إستراتيجيات، بل ينظر إلى نفسه على أنّه مبتكِر.
وقد أصبحنا نرى بصورة متكرّرة مبتكرين من العالم يهزمون خبراء الإستراتيجيات - ويكرّسون جهودهم للتمرّس في كيفية الالتزام بقواعد العمل في السوق، علماً بأنّ الاحتفاظ بهذه الميزة لن يكون ممكناً لوقت طويل في محيط الأعمال السريع التغيّر اليوم، حتّى إن أراد المرء نشر أصوله الراهنة بأكثر الطرق ذكاءً، في حال قرّر الالتزام بقواعد العمل المعتمَدة اليوم.
أما الخبر السار، فهو أنه بالنظر إلى تدني ثمن التكنولوجيا اليوم، والنفاذ السريع إلى رأس المال، وتوافر أسواق خالية من الاحتكاك (أي أسواق لا تكثر فيها الفوارق بين السلع المتنافسة، ما يسمح للعميل بالإقدام على خيار متميّز)، لم يسبق أن تسنّت فرص كبيرة إلى هذا الحد بإحداث فارق في مجال الإبداع.
وبصفتنا قادة، من مسؤوليتنا أن نعترف بأهمية معاودة الابتكار المستمرّة - لجعل الابتكار قوام إستراتيجيّتنا. وقواعد العمل اليوم سهلة: فإما تُحدث خللاً في محيطك أو تعرّض نفسك للخلل، علماً بأن الشركات التي تعتمد أسلوباً «إستراتيجياً» لتحسين نماذجها الحاليّة ستنضم إلى شركات «بلوكباستر»، و»بان أميركان»،
و»بولارويد»، التي باتت تشكّل حالات دراسيّة هامة، إذ كانت في الماضي من الشركات المبدعة، ومن ثمّ انهارت أعمالها. ومن الضروري أن تقوم أهم الأولويات على إطلاق ابتكارات كبيرة وبالغة الأهمية.