وأخيراً، بدأت اليونان تُظهِر علامات تعافٍ جرّاء انهيارها في العام 2008. ولكن على الرغم من ضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة، سيكون مستقبل اقتصاد البلاد مرهوناً بمدى تنافسيّته.
والواقع أنّ البلاد تقف عند مفترق طرق، وهي قادرة على تحسين مستويات تنافسيّتها، متى نجحت في الحدّ من التكاليف المتكبَّدة في قطاعاتها التقليدية، على غرار السياحة والزراعة. ومن شأنها أيضاً، إن أرادت، أن تحدد لنفسها أهدافاً أكبر - عبر إرسائها أسساً تخوّلها إصدار منتجات ذات قيمة مضافة أعلى. وفي سبيل الإقدام على هذا النوع من التغيير، يكمن المفتاح في تطوير بنية تحتية فعّالة للابتكار، وهو أمر يشكّل تحدياً كبيراً، بالنظر إلى أن نفقات اليونان السنوية في مجالَي البحوث والتطوير لا تمثّل سوى 0.67 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. ومن الضروري جدّاً أن يستحدث الميدان السياسي رؤية خاصّة بمجال الابتكار في البلاد، علماً بأنّ سياسة ابتكار متناسقة ستتطلّب خمس خطوات أساسيّة.
- تعزيز الجهود الهادفة إلى التخلّص من البيروقراطية: من الضروري أن تعمل اليونان على تخفيف الأعباء الإدارية المرافقة لإطلاق المشاريع. ومن واجب الحكومة السماح لأصحاب المشاريع بتسجيل شركاتهم في غضون يوم واحد، والتركيز على الارتقاء بمستوى البلاد لتكون ضمن أهم 25 دولة على قائمة البنك الدولي لأهم الاقتصاديات، على خلفيّة «سهولة ممارسة الأعمال فيها».
- الاستثمار في مراكز التميّز في البحوث التطبيقية، على نسق «سيليكون فالي»، ومعاودة تنظيم المعاهد والجامعات ضمن مجمّعات متخصصة، تسمح باستحداث كفاءات أفضل وبحصول إثراء متبادل في مجال البحوث، ما يسمح باستقطاب مزيد من المواهب، من أصول يونانية وغير يونانية على حدّ سواء.
- تحسين شبكات التواصل بين مجال البحوث والشركات، وحثّ الشركاء كافة على التعاون ضمن سلسلة الابتكار. ومن الضروري أن تكون العلوم العالية النوعية متماشية مع المشاريع الجديدة التي تستند إلى التقنيّة.
- تطوير مؤسسات بحوث مستقلة سياسياً، عبر توفير منح بحوث بالاستناد إلى الكفاءة وحدها. ومن الضروري أن تكون الجامعات ومؤسسات البحوث بعيدة عن أي تأثير سياسي.
- توسيع نطاق هذه شبكة التواصل لتشمل الجالية اليونانية المعنية بالأعمال والبحوث في الخارج: من المعلوم أنّ الجالية اليونانية في الخارج لا تلقى معاملة الأصول الاقتصادية المحتملة. مع الإشارة إلى أنّ دعم الإجراءات الهادفة إلى سدّ الفراغ في مجال الابتكار اليوناني ممكن باعتماد سياسة تستهدف الجالية اليونانية في الخارج. وعلى سبيل المثال، من شأن التعيينات الأكاديمية المزدوجة في اليونان والخارج أن تضع حدّاً لاستنزاف الأدمغة وتسمح بتناقل الأفكار بين الدول. ليس تحويل اليونان إلى مركز للابتكار سوى جزء صغير من تحدٍّ أكبر تواجهه البلاد، يتمثل باستغلال الأزمة الاقتصادية لمعاودة ابتكار البلاد برمّتها، والتخلّص من الممارسات غير المنتجة التي كانت سائدة في الماضي.