أوضحت في الحلقة السابقة كيف أن جامع ومعد ديوان شاعر بريدة الحماسي محمد بن سليمان الصغير المتوفى سنة 1326هـ، الأستاذ عبد الله بن سليمان أبا الخيل، أخطأ في نسبة قصيدة لعبد العزيز الغصاص وأخرى لإبراهيم الكنعاني، وكلاهما من شعراء عنيزة، فنسبهما خطأ إلى الشاعر محمد الصغير. وفي هذه الحلقة سأورد قصيدة ثالثة أخطأ جامع الديوان في نسبتها أيضاً، وهي:
(3) القصيدة رقم (36)، ص 160، والتي مطلعها:
دارنا من دون حقّك تبينّا
يوم كلٍّ هاب حنّا صبرنا به
فقد نسب المؤلف هذه القصيدة للشاعر محمد الصغير، معتمداً على مخطوط الشيخ صالح بن سليمان العمري، وقد تفرد العمري بهذه النسبة، وجاءت الأبيات ناقصة بيتاً واحداً، وهو ما قبل الأخير.
كذلك جاءت هذه المقطوعة عند الشيخ: عبد الرحمن بن عبد العزيز السليم، في مخطوط له، ونسبها للغصاص. كما أوردها الشيخ عبد الله بن خميس - الذي ينقل غالباً عن الربيعي- (في أهازيج الحرب) ص235، ونسبها للشاعر عبد العزيز الغصاص. كذلك نسبها للغصاص، سليمان بن حمد الهطلاني نقلاً عن الربيعي، في (شعراء عنيزة الشعبيون) 3-97.
وهؤلاء الثلاثة جاءت القطعة عندهم كاملة، وعدد أبياتها (5) أبيات. وربما جاء إسقاط البيت ما قبل الأخير من مخطوط العمري؛ لأنه لا يستقيم مع نسبة القصيدة للصغير؛ فالبيت الأخير يقول:
دام أبو خالد على العزّ ما كنا
نمتثل لأمره ونضرب إلْ مضرابه
وأبو خالد، هو أمير عنيزة: عبد العزيز بن عبد الله السليم 1283 – 1358هـ.
وقد عقد المؤلف بعض المقارنات والاحتمالات لإثبات نسبتها للصغير، والصحيح أنه لا يلجأ لمثل هذا إلا إذا تساوى احتمال نسبتها للشاعرين وتعذر الترجيح، وهذا ما لم يحدث.
يقول المؤلف عن البيت ما قبل الأخير: «وأما البيت الذي عند ابن خميس في أهازيج الحرب، وهو:
دام أبو خالد على العزّ ما كنا
نمتثل لأمره ونضرب إلْ مضرابه
فهذا البيت إما أن يكون فيه تصحيف، فصحفت كلمة: «شيخنا أو أبو حسن أو صالح أو ولد حسن» إلى كلمة « أبو خالد»، وهذا يحدث كثيراً، أو منحول برمته، وليس من لفظ الصغير، وما علاقته بأبي خالد أمير عنيزة ليمدحه، وهل الشاعر تحت ولاية أبي خالد ليمتثل أمره؟!».
قلت: أما القول بالتصحيف فمردود؛ لأن القصيدة لم يثبت من الأساس أنها للصغير، ثم إن قوله: «أبو حسن، أو صالح أو ولد حسن» هذه الكلمات لا يستقيم معها وزن البيت، فكيف فات ذلك عليه؟!.
أما قوله: وما علاقته بأبي خالد حتى يمدحه؟. فهو استفهام حول افتراض مؤداه أن القصيدة للصغير، وهو افتراض غير صحيح، بل الشواهد – ومنها هذا البيت – تدحض هذا الافتراض؛ فالشاعر الغصاص يمدح أمير عنيزة، وهو أمر طبيعي.
وما يقال هنا يقال أيضاً في بيت القصيدة الأولى التي سبق ذكرها في الحلقة الأولى، وهو:
أبو زامل صالح نافلٍ غيره
بالدها والضد ييتم ذراريها
فلماذا لم يُطرح هذا التساؤل في هذا البيت، مع أن المؤلف لم يذكر أن في البيت تصحيفاً في عبارة (أبو صالح زامل)، ولم يذكر أي تعليل لهذا الإيراد.!
أخيراً: ليس مهماً أن تكون القصيدة لشاعر من عنيزة أو بريدة أو غيرها من المدن، بقدر ما تنسب القصائد لأصحابها، وتوثق مناسباتها؛ لأن الخطأ في النسبة والتوثيق، يبنى عليه معلومات مغلوطة، تبقى هذه المعلومات عالقة في الأذهان على مر الأيام.
وليت المؤلف رجع لعدد من المهتمين بالشعر في عنيزة؛ للتحقق والتثبت من نسبة بعض القصائد التي في نسبتها شك؛ ليتوج جهوده المشكورة في إخراج هذا الديوان المهم لهواة الشعر الحماسي، وللمهتمين بالأدب والتاريخ المحلي.