يعد احتكار (الأمن، والدفاع، والعدل) أهم مبررات وجود أي دولة بصورتها البدائية، وهي ما تسمى بالدولة الحارسة، ويفترض وجود تلك المبررات والمقومات وغيرها في الدولة المتحضرة أو دولة الرفاهية من باب أولى، إلا أنه قد يخطئ بعضهم عندما يظن أن احتكار الأمن يعني تحمُّل الدولة كامل المسؤولية لتوفير الأمن الجنائي، وقبله الأمن الوقائي على وجه الخصوص.
إن تحقيق الأمن واستتبابه مسؤولية مشتركة بين أفراد المجتمع ومؤسسات الدولة، ويظهر ذلك جلياً عندما نفرق بين الأمن الشخصي أو الفردي من جهة وبين الأمن العام من جهة أخرى، فالأول داخل في نطاق مسؤولية الفرد -خاصة فيما يتعلق بالأمن الوقائي- فحماية متعلقاته الشخصية وممتلكاته ومن يعول من أفراد أسرته هي مسؤوليته بالدرجة الأولى، فهو المعني بحماية نفسه وعرضه وماله، إلا أن الدولة تتدخل وتتحمل المسؤولية في مثل هذه الحالات عند عدم تمكن الفرد من تأمين تلك الحماية والوقاية لأسباب وجيهة منها العجز أو توفر عنصر القهر والإكراه من المعتدي، فتعتبر الدولة في هذه الحالة مسئولة عن تحقيق الأمن بوصفه وظيفة أساسية من وظائفها، وأما فيما يتعلق بالأمن العام فإن الوظيفة الأمنية الأصلية للدولة تنصب على التصدي للظواهر والجرائم الكبرى التي لا يمكن لأفراد المجتمع مواجهتها لكونها ظواهر أو حالات عامة قد لا تضر أحداً بعينه وإنما تشكل في مجملها ضرراً عاماً على المجتمع، أو في الحالات التي تمس أفراداً أو جماعات ولكنها خارجة عن اختصاصهم ومسؤوليتهم كمباشرة قضايا القتل ونحوها من القضايا الكبرى.
إن هذا اللبس في التفريق بين مسؤولية الفرد ومهام الدولة في تحقيق الأمن من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدل الجرائم الصغيرة والمتوسطة، وهو ما انعكس سلباً على المعالجة الفعالة للجرائم الكبيرة، فترك الشخص مثلاً محرك سيارته يعمل وذهابه للتسوق فِعلٌ يهيئ لجريمة سرقة محتملة، ومثله إهمال تأمين المنازل، وكذلك وضع المقتنيات الثمينة في السيارات، هذه الحالات وغيرها من حالات الإهمال تندرج عند الكثير من فقهاء القانون الجنائي ضمن صور مساهمة الضحية في الجريمة، ويفترض أن يتحمل المجني عليه جزءاً من المسؤولية إزاء تفريطه وإهماله.
إن من غير المنطقي أن تُحمَّل الدولة كامل المسؤولية في هذه الحالات إلا إذا كان الفرد غير قادر على مقاومة الاعتداء الواقع عليه كما أسلفنا، ومن غير المنطقي أيضاً إشغال الجهات الأمنية عند دورها الرئيس والأهم بمعالجة تلك الحالات.
إن توعية أفراد المجتمع بمسؤولياتهم وواجباتهم الأمنية من أهم ما ينبغي أن تتبناه الجهات المختصة وبخاصة الإعلامية والتربوية، وصولاً إلى تكامل أمني بين أفراد المجتمع ومؤسساته الأمنية التي ينبغي أن تتفرغ لممارسة دورها الأصلي في معالجة جرائم كبيرة تأخرت معالجتها، أو التصدي لجرائم سجل بعضها ضد مجهول.
أخي المواطن والمقيم:
أنت رجل الأمن الأول، فكن عوناً ولا تكن عبئاً.