لو عاش الإنسان تسعين عاماً بين المكتبات والكتب ينهل كل يوم من العلم والمعرفة ما يكفي لعشرات الباحثين أمثاله من المتعطشين لاكتشاف الحقائق عن الإنسان والكون والحياة، لما عرف من تلك الحقائق المنشودة سوى نزر قليل جداً منها لا يساوي في لغة الأرقام والنسب المئوية شيئاً مذكوراً.
أخطر ما في مشكلة الإنسان مع جهله أنه يتعاطى معها بتجاهل تام يأبى الاعتراف بها متوهماً أنه ممسك بنواميس الحقيقة وأسرار الكون لا يختلف في ذلك عن تعاطيه مع ظلمه إذ هو كائن تبريري محترف يبرر لنفسه وللآخرين ظلمه ليصبح عدلاً مطلقاً لا يقبل النقاش.
إن التعاطي الرشيد مع هاتين الخصلتين لهو جزء من الابتلاء والتكليف الإلهي الذي حملنا إياه ربنا وخالقنا -سبحانه- لنناور من خلاله مع أنفسنا التي ركبت فيها هاتان الخصلتان /الجهل- الظلم/ نستطيع بذلك أن نخفف من حدتهما لتبقى كل منهما في حدها الأدنى المقبول بين الناس والمغفور عند الخالق - عز وجل -.
ليس جهل الإنسان وظلمه المشار إليه في القرآن الكريم هو كله شر وابتلاء بل إن فيه من الخير والتكريم أكثر مما فيه من الشر والابتلاء فهما من أكبر الدوافع للإنسان ليعرف قدر نفسه فلا يطغى ولا يفجر ولا يستكبر ولا يظلم ولا يتعدى على حقوق الناس.