أكد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز مساعد وزير البترول والثروة المعدنية لشؤون البترول، أن المملكة شهدت تطوراً اقتصادياً وصناعياً غير مسبوق خلال العقود الماضية؛ مما أدى إلى زيادة الاستهلاك المحلي للطاقة، وبناءً على الأنماط الحالية للاستهلاك المحلي من الطاقة فإن التقديرات تُشير إلى أن هذا الاستهلاك سينمو بمعدل يتراوح بين 4 و5 % سنويًا حتى عام 2030، لافتا إلى أنه بالرغم من أن هذا النمو في الطلب يُعزى بصورة أساسية إلى النمو الصناعي وتنامي الرفاهية الاقتصادية في المملكة؛ إلا أن جزءًا كبيراَ منه نتج عن عدم الكفاءة في الاستهلاك وأدى إلى هدر الطاقة مما يجعل هذا النمو المتسارع أمرًا غير قابل للاستدامة. كما ألمح أنه وفي حين تمكنت غالبية الدول من خفض كثافة الطاقة في اقتصاداتها، شهدت كثافة الطاقة في المملكة زيادة كبيرة على مدى العقدين الماضيين، وهذا يحتم على المملكة من الناحية الإستراتيجية أن تجعل ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة من أولوياتها الرئيسة.
وأفاد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في مقال له تصدر مجلة منتدى أوكسفورد للطاقة الصادرة من معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة في العدد 96 مايو 2014 بعنوان «أهمية الكفاءة في استهلاك الطاقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة»، أنه قد بدأ أول برنامج وطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في عام 2003 كبرنامج مؤقت مدته ثلاث سنوات يهدف إلى تحسين إدارة الأحمال الكهربائية ورفع الكفاءة في مجال توليد الكهرباء واستهلاكها في المملكة، وانتهى هذا البرنامج في عام 2006. وأضاف أنه استنادًا إلى الخبرات المستفادة من البرنامج السابق ومواصلة وتوحيد الجهود لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة تحت مظلة واحدة ودائمة، أوصت وزارة البترول والثروة المعدنية في عام 2007، وبتأييد من جهات حكومية أخرى في المملكة، بتأسيس مركز وطني دائم، نتج عن هذه التوصية تأسيس المركز السعودي لكفاءة الطاقة في عام 2010 بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، وأصبح المركز مسؤولاً منذ ذلك الحين عن جهود إدارة الطلب الهادفة إلى ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة، وتنسيق جميع الجهود ذات الصلة بين الأطراف الحكومية وغير الحكومية.
وبين مساعد وزير البترول والثروة المعدنية، أن المركز السعودي لكفاءة الطاقة يتبع بصورة مؤقتة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وله مجلس إدارة يضم ممثلين عن أكثر من 20 جهة من الوزارات والجهات الحكومية وشبه الحكومية والقطاع الخاص المعنية بقطاع الطاقة. مشيرا إلى أن من أهم الأهداف الرئيسة لهذا المركز وضع برنامج وطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة والخطط اللازمة لذلك، اقتراح النظم واللوائح التي تحقق ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة ومتابعة تنفيذ التشريعات والسياسات والخطط المتعلقة بترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة، التوصية بالخطوات اللازمة لتنفيذها ووضع مؤشرات لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعات المختلفة، وإعداد التقارير الدورية لرصد التقدم من خلال برامج وتقنيات تتناسب مع بيئة المملكة والقيام بحملات توعية والمشاركة في تنفيذ المشاريع التجريبية حسب الحاجة. وتابع: تحقيقاَ لهذه الأهداف فقد أطلق المركز السعودي لكفاءة الطاقة في عام 2012 البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، والذي تتمثل أهدافه في ترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة من خلال تصميم وتنفيذ برامج متنوعة في القطاعات المستهدفة وما يتعلق بها من عوامل ممكنة حيث تركز نطاق عمل البرنامج بصورة أساسية على ثلاثة قطاعات رئيسة «المباني، النقل، والصناعة» لاستحواذها على أكثر من 90 % من اجمالي استهلاك الطاقة في المملكة، وعلى خمسة عوامل ممكنة هي: «الأنظمة، شركات خدمات الطاقة، التمويل، الحوكمة، والتوعية».
وأفاد الأمير عبدالعزيز بن سلمان، أن هذا البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة ركز على صناعات البتروكيماويات والأسمنت والحديد، التي تستحوذ على نحو 80 % من الاستهلاك الصناعي من الطاقة في المملكة ووضع البرنامج للمصانع القا ئمة (في هذه القطاعات) مستويات طموحة مستهدفة من كثافة استهلاك الطاقة مبنية على أساس متوسط المستويات العالمية، ويُستهدف تحقيقها خلال فترة زمنية محددة، حيث يتم الآن العمل على تحقيق التوافق التام بين الأطراف المعنية في الصناعة لضمان عدم تأثير هذه المستويات على قدرة تلك الصناعات على المنافسة، كما يتم توفير آليات لمساندة الصناعة في تحقيق هذه المستويات. أما فيما يخص المصانع الجديدة، أوضح أن تصميمها وبناءها يستعين بأفضل المعايير العالمية لكفاءة استهلاك الطاقة من أجل الحصول على مختلف التراخيص والتصاريح المطلوبة للعمل في المملكة، لافتاً إلى أنه تم العمل على رفع الحد الأدنى لمعايير كفاءة الطاقة الخاصة بالمحركات الكهربائية في المصانع، وسيقوم البرنامج بتكرار هذه الإجراءات مع المعدات الصناعية الأخرى الشائعة «مثل الغلايات الصناعية».
واستطرد الأمير عبدالعزيز بن سلمان قائلا «يستحوذ النقل البري على أكثر من 90 % من إجمالي الطاقة المستهلكة في قطاع النقل في المملكة، وقد ركز البرنامج غالبية جهوده المبدئية على المركبات الخفيفة من أجل تحقيق هدفين هما: رفع معدل اقتصاد الوقود في المركبات الجديدة، وخفض استهلاك الوقود في المركبات المستخدمة حالياَ، وفيما يخص المركبات الخفيفة الجديدة التي ستدخل إلى هذا القطاع مستقبلاً، فسيشترط اعتبارًا من شهر أغسطس 2014 وضع ملصق يبين مستوى اقتصاد الوقود في المركبة». كما سيتعين على شركات تصنيع المركبات الالتزام بمعيار المملكة الجديد الخاص بمتوسط اقتصاد الوقود للمركبات الخفيفة الجديدة اعتبارًا من النصف الثاني من عام 2015 أو أوائل عام 2016.
أما فيما يتعلق بالمركبات الخفيفة المنخفضة الكفاءة المستخدمة حالياً، أبان أن برنامج كفاءة الطاقة يعمل على إيجاد حوافز لملاك هذه المركبات لاستبدالها بمركبات تتسم بالكفاءة، كما يتعاون مع جهات حكومية متعددة لإنشاء أنظمة نقل جماعي مؤقتة إلى حين الانتهاء من تنفيذ مشاريع النقل العام المقرة، في حين أن المركبات الثقيلة لم يتم إغفالها، حيث إنها تستحوذ على نسبة كبيرة من استهلاك الطاقة، وتخضع في الوقت الحالي إلى عدة برامج لهذا النوع من المركبات، وهي: لوائح لمنع إبقاء المحركات تعمل مع توقف المركبات، الإضافات في مجال الديناميكية الهوائية، وبرامج التقاعد المبكر للمركبات القديمة، كما ستخضع إطارات المركبات الخفيفة والثقيلة على حد سواء لاشتراطات مقاومة الدوران اعتبارًا من شهر نوفمبر 2015 واشتراطات القدرة على إيقاف السيارة على الطرق والأسطح المبللة اعتبارًا من شهر نوفمبر 2016.
وأفاد سموه أن البرنامج يتعاون مع مختلف الجهات الحكومية ذات الصلة بقرارات التخطيط العمراني بهدف ضمان إدراج الاشتراطات الخاصة بكفاءة استهلاك الطاقة ضمن المبادئ الإرشادية التي تصدرها تلك الجهات مركزاً بصورة خاصة على آليات التحكم في المنتجات وتطبيق الأنظمة والمعايير (الاختبار والفحص ومنح الشهادات) لضمان توفر مستوى مرتفع من الالتزام بالأنظمة والمعايير والمواصفات الجديدة، كما قام البرنامج بتصميم وتنفيذ حملات التوعية بصورة تنسجم مع التغييرات التي تم إدخالها في الأنظمة والمعايير والمواصفات بهدف تعريف المستهلك النهائي بأهمية هذه التغييرات. وأضاف أن البرنامج تعاون مع وزارة المالية لوضع آلية تتضمن معايير كمَية تستخدم في اختيار البرامج التي تحتاج الى حوافز مالية، وسيتم تركيز هذه البرامج على إيجاد حوافز للأسر للتعجيل باستبدال الأجهزة الكهربائية القديمة منخفضة الكفاءة (مثل أجهزة التكيف ومنتجات الإضاءة والمركبات القديمة) كما عمل على وضع استراتيجيات لمساندة تطوير شركات خدمات الطاقة في المملكة، وتشمل هذه الاستراتيجيات وضع نظام اعتماد، بروتوكول قياس وفحص، عقود قياسية لأداء خدمات الطاقة، كما أن برامج إعادة تأهيل المباني الحكومية في إطار ما يعرف بـ «برامج الريادة» ستؤدي إلى إيجاد طلب متنام على خدمات الطاقة لهذه الشركات.
وأشار الأمير عبدالعزيز بن سلمان إلى أن البرنامج الوطني لترشيد ورفع كفاءة استهلاك الطاقة في المملكة ركز جهوده المبدئية على رفع الحد الأدنى لمعايير كفاءة الطاقة لأجهزة التكييف ومنتجات الإضاءة والأجهزة المنزلية الأخرى (مثل الغسالات والثلاجات والنشافات)، وعلى إلزام استخدام العزل الحراري في المباني الجديدة، وبالإضافة إلى ذلك، تم التعاون مع اللجنة الوطنية لكود البناء السعودي بهدف تحسين وتنقيح الإجراءات وآليات التطبيق الالزامي في المباني الجديدة. كما سيتم إعادة تأهيل المباني الحكومية القائمة لرفع كفاءة استهلاك الطاقة فيها، فيما يتم دراسة تقديم حوافز للأسر المقيمة في المباني السكنية القائمة من خلال برامج تحفيزية لاستبدال أنواع المنتجات الكهربائية الحالية المفتقرة إلى الكفاءة بمنتجات أعلى كفاءة. وأفاد سموه في مجمل حديثه حول أجهزة التكييف أن تبريد المباني يستحوذ على نحو 50 % من الكهرباء المستهلكة في المملكة، لافتا في هذا الصدد إلى أنه تم في 7 سبتمبر 2013 رفع الحد الأدنى لمعايير كفاءة الطاقة الخاصة بأجهزة التكييف المنفصلة (الاسبليت) بحيث زاد معدل كفاءة الطاقة فيها من 7.5 إلى 9.5، علمًا بأن هذا المعدل ستتم زيادته مرة أخرى إلى 11.5 في بداية عام 2015، بما يحقق وفرًا في الكهرباء يتراوح بين 30 و35% في مجال التبريد، مقارنة بسيناريو استمرار الأوضاع الحالية. وقد أعلن نحو 50 من موردي أجهزة تكييف الهواء أن هناك أكثر من 920 ألف وحدة تكييف غير مستوفية للمعايير نهاية شهر مايو الماضي، بحيث سيتم إعادة تصديرها أو تفكيكها لتحويلها إلى قطع غيار أو إعادة تأهيلها لتستوفي الحد الأدنى لمعايير كفاءة الطاقة.