شدَّني تصريح محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الأستاذ سليمان القويز والذي نُشر في (الجزيرة) يوم الثلاثاء الماضي، حيث يقول معاليه في سياق تصريحه:
(إن ما يحدث حالياً من بعض أصحاب العمل من تهرُّب أو تأخير في سداد الاشتراكات يؤثر سلباً على قدرة المؤسسة المالية، مشيراً إلى أن غرامات التأخير التي تفرض حالياً على المتأخرين في السداد لا تمثّل مصدراً ذا قيمة كمية في إيرادات المؤسسة ولكن أهميتها كونها أداة حماية للنظام لإلزام أصحاب العمل على سداد الاشتراكات في وقتها، كما أوضح أن المؤسسة تصرف حالياً معاشات شهرية تتجاوز 1200 مليون ريال، ويستفيد منها أكثر من 300 ألف مستفيد يتم تحويل معاشاتهم في أول الشهر المستحق عنه المعاش بواسطة نظام التحويل السريع إلى حساباتهم البنكية التي يختارونها مباشرة، مبيناً أن هذه المعاشات في ازدياد مستمر، وأن عدد المشتركين بلغ أكثر من 9.600.000 مشترك، وعدد المنشآت التي يُطبق عليها نظام التأمينات الاجتماعية أكثر من 441.000 منشأة، وأفاد القويز في تصريح صحفي أمس أن مصروفات المؤسسة التأمينية من معاشات وتعويضات وخدمات ارتفعت خلال السنتين الماضيتين بشكل متسارع، وكان معدل النمو خلال العامين السابقين 19%، مؤكداً أن هذا النمو الكبير والمتسارع في المصروفات مقارنة بنمو أقل في الإيرادات التأمينية التي كان معدل نموها خلال الفترة ذاتها 16% يشير إلى ازدياد أعداد المستفيدين وارتفاع معاشاتهم بشكل أكبر من أعداد المشتركين وقيمة اشتراكاتهم مما يترتب على المؤسسة أعباء مالية مستقبلية كبيرة للوفاء بصرف تلك المنافع للمستفيدين في الوقت الحاضر وللمشتركين في المستقبل).
انتهى جزء من التصريح الذي أدلى به المحافظ.
وتعليقاً على كلامه أقول إن هناك سؤالاً أو مجموعة أسئلة لا بد من مؤسسة التأمينات إيضاحها للمشتركين أو المستفيدين من نظامها، فمهما تعذَّر المحافظ أو أشار إلى (الأعباء) التي سوف تتحملها المؤسسة مستقبلاً من ناحية التزاماتها تجاه المشتركين، أقول إن هذه المؤسسة بالذات حققت آلاف (المليارات) من الريالات طوال الأربعين سنة الماضية في الأموال الكثيرة التي حصلت عليها من المنتسبين لها طوال العقود الأربعة من خلال استثماراتها في العقار بمختلف أنواعه وفي البنوك والأسهم وحتى (الاكتتابات) في الطروحات الأولية في شركات الأسهم، والتي درّت على هذه المؤسسة ملايين الريالات في الخمس سنوات الماضية والأمر لا يقتصر على مؤسسة التأمينات، بل أيضاً مؤسسة التقاعد، فأين ذهبت هذه المليارات والاستثمارات التي تحجب (نور الشمس)؟
أعلم أن معالي المحافظ سليمان القويز حديث عهد بهذه المؤسسة، حيث لا تتجاوز إدارته لها أكثر من سنتين والأكيد أنه وجد بعض العيوب أو الأخطاء السابقة من الإدارة السابقة، ولكن أجزم أنه مهما بلغ عدد المشتركين القدامى والجدد والأموال التي تستحصل منهم ومن مؤسساتهم أو شركاتهم التي يعملون بها طوال السنين الماضية لن يكون للمؤسسة أي عذر مستقبلاً في الإيفاء بالتزاماتها تجاههم، والأدهى والأمرّ هو أن معظم هؤلاء المشتركين الذين أفنوا عمرهم في العمل بالقطاع الخاص واقتطع من رواتبهم مئات الآلاف، بل الملايين طوال فترة عملهم وتجمعت لدى المؤسسة واستثمرت لتتحول إلى مليارات أن معظمهم لم يستفد ولا 30% من مستحقاته لدى المؤسسة، إما بسبب (الوفاة) أو تقليص راتبه التقاعدي بعد الوفاة واستبعاد أبنائه من مستحقات والدهم بعد بلوغهم سن 25 عاماً هذا إذا ما علمنا أن معظمهم يصل إلى هذه السن دون حصوله على وظيفة سواء الأبناء أو البنات ثم يتقلص راتب المتقاعد المتوفى حفنة من الريالات للزوجة المسكينة، حيث لا تغطي جزءاً من التزاماتها المعيشية هذا إن كانت على قيد الحياة، وبعد ذلك يتم قيد أو طي مرتب هذا المتوفى الراقد في (قبره) إلى الأبد، ويبقى الأبناء والبنات بلا (معيل) وبلا راتب أبيهم الذي يستحقونه.
فأين ذهبت مليارات الأموات؟.. سؤال بريء أتمنى على المحافظ أو المؤسسة الإجابة عليه؟
الأمر الآخر والأهم والذي لا بد أن يُطرح ويُناقش في مجلس الشورى الموقر هو: لماذا لا يتم تحديث وتطوير نظامي مؤسسة التقاعد والتأمينات اللذين عفا عليهما الزمن.. ولماذا لا يستحدث فيهما عدد من الإجراءات التي تصب في صالح المشترك والمستفيد، بدلاً من أن تكون ضده.. ولماذا لا يكون للمتقاعد سواء في التأمينات الاجتماعية أو مؤسسة التقاعد نصيب من (الأرباح) السنوية التي تحصل عليهما المؤسستان كل عام.. ولماذا لا يكون هناك زيادة سنوية للأحياء منهم لمواجهة غلاء المعيشة.. ولماذا لا تتكفّل مؤسسة التقاعد ومؤسسة التأمينات بالتأمين الصحي على مشتركيها بعد تقاعدهم كما هو حاصل في معظم دول العالم المتقدمة؟
إن المتقاعد الحي ما زال يعاني من نظامي هاتين المؤسستين وقصورهما تجاهه لدرجة تصل إلى (الغبن) وأكل حقوقه.. أما (المتوفى) - رحمه الله - فلا حقوق له ولا لأبنائه، وهذا بفعل الأنظمة القديمة الظالمة التي سُنّت قبل 5 عقود وما زال العمل جارياً بها حتى يأذن الله لأناس مخلصين وضمائر صادقة لغربلتها وإعادة حقوق الناس لأهلها دون نقصان فما أحوج المتقاعدين الأحياء منهم والأموات إلى الوفاء وحفظ الحقوق والله المستعان.