عندما أخذت القلم من محبرتي لأكتب هذا المقال فإن الحيرة أخذت بمجامع عقلي وفكري ماذا عساي أن أقول في أمة مزقها الضياع وحل الخوف بساحتها في وقت نحن بحاجة فيه إلى الوحدة والوئام؟ ولكن مع الأسف الشديد أنه من سوء الطالع أن الأمر غير ذلك وما دامت الأمة اليوم على أعتاب شهر رمضان المبارك ذلك الشهر الذي هو محل للرحمات والتعاون والصفح الجميل فخليق بالأمة أن تجلي معاني ومضامين هذا الشهر.
إن الأمة الإسلامية لها سنوات عدة ترزح تحت نير الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقبلها الدينية كل هذا بسبب انكفاء الأمة عن تلك المضامين والمبادئ السامية التي جاء بها ديننا الحنيف.. إنه يوم تنكبت الأمة عن هديه القويم الذي جاء به كتابها الخالد حل بها ما أفضت به اليوم. إني وأنا أتصفح كتاب الله وقعت عيني على آية كريمة جسدت ما عليه الأمة اليوم حيث يقول الله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ) إن هذه الآية جاءت بالصميم لتشرح لنا حالة أمتنا الإسلامية اليوم!! فبعضنا صوّب سهامه على البعض الآخر فعاشت الأمة في أتون مشاكل أقضت مضجع كل عاقل حصيف.
إن الأمة الإسلامية يوم نسيت أو تناست مهمتها الأساسية وهي حمل مشعل الهداية في أرجاء هذا الكون الفسيح تسوقه إلى البشرية جمعاء حصل بها ما أفضت إليه من تمزق وضياع.
إن الأمة الإسلامية قد أناط الله بها مهمة سامية وغاية نبيلة جسدها الله في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} لماذا أعطى الله هذه الخيرية لهذه الأمة؟ لأنها أمة وسطاً بين الإفراط والتفريط، قال تعالى في وحيه الطاهر: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ}، إذا يوم أن الأمة نست مكانتها هذه وأن لها قصب السبق جزاها الله بما هي عليه اليوم.
إنه لا منقذ للأمة من وضعها الراهن إلا بالرجوع لمنهج الله الذي به صلاح أمرها الديني والدنيوي.. إنه ليتملكني العجب أن تكون الأمة الإسلامية عالة على غيرها من الأمم تتطفل على موائدها!
ليس في لقمة عيشها فقط بل وفي منهجها! وبين ظهرانيها كتاب الله ذلك الكتاب الذي ما من شاردة ولا واردة إلا وعلمها فيه. إنه إذا أردنا أن نميط اللثام عن سوء حالنا اليوم لوجدنا السبب ظاهرا كالشمس في رابعة النهار وهو التشبث في أطماع الدنيا الزائفة فهذا يسفك دم هذا، وهذا يأخذ حق ذاك، فكل هذا بسبب أن الأمة على مستوى أفرادها وشعوبها نسيت مهمتها السامية وهي نشر مبادئ هذا الدين!! وبدل أن نكون قدوة حسنة ومثال يحتذى به أصبحنا وصمة عار بين الأمم.
إذا كانت الحالة هذه فإنه لا مناص من الرجوع لمنهج الله لتصحيح ما حل بنا من أخطاء كي تعود الأمة إلى رشدها.
يا أمتي إن هذا المنهج بين يديكم هو منهج متين المضامين يجب علينا أن نأخذ منه ونحن متيقظين لا في حالة استرخاء ونوم! فلكي نقف على مضامينه يجب على الأمة أن تأخذه بقوة والله تعالى في وحيه الطاهر يندبنا إلى ذلك قال تعالى {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} إنه يجب أن تتضافر جهود الجميع على مختلف الصعد كي نقع على مراد الله منا.. يا أمتي/ في هذا الشهر الكريم لا تحرموا شيخاً راكعاً ولا عجوزاً ساجدةً لذة الابتهال إلى الله، واحترموا براءة أطفال لا ناقة لهم ولا جمل فيما بينكم! يا أمتي أبدلوا صوت المدافع ودخانها بقراءة آيات ينبعث صداها من مآذن المسلمين العامرة.. وأخيراً اللهم كما أريتنا ذل معصيتك فأرنا عز طاعتك.. دمتم ودامت أمتي تتسنم ذرى المجد من مجد إثر مجد.