مشهد هو بحق لم يكن كارثة سلوكيه بأي حال من الأحوال، فمن هو بقلب الميدان يعلم ما الذي يمكن أن يكون داخل أروقة الصفوف والساحات المدرسية: فلم التعجب والاستهجان والشجب والاستنكار بمثل ما بدر من طلاب واحدة من المدارس في هذا الوطن في حين أن هذا السلوك لم يعدُ كونه ردة فعل طبيعية لتراكمات عبر عقود سحقت فيها كرامة المعلم وهيبته، بل هشمت جماجم البعض الآخر منهم، وفقد البعض منهم ممتلكاتهم الخاصة وحطمت سياراتهم، ومنهم من قصفت جبهته قصفا بين زملائه وطلابه في الفصول والممرات وطوابير مدرسية فأصبح المعلم والمعلمة يمرون خلالها برؤوس منكسة تجنباً لما قد يصدر من طلابهم تجاههم من تصرفات تخلو من الأدب والتربية في صروح يزعم أنها صروح ومعاقل تربوية...
أي تعجب واشمئزاز شعرتم به في وقت استهين فيه بالمعلم وبالكتاب وبالمنهج وبالمدرسة والذي سيطال عاجلا أو آجلا كيان وزارة بأكملها هي ضريبة لابد أن تدفعها وزارتنا الكريمة؛ فالاستهانة بقيمة العلم والمعلم لابد أن يفضي لاستهانة بممتلكات ومقدرات هذا الوطن العامة منها والخاصة، فمناهجكم المكتوبة من سيعززها غير المعلم والمعلمة، وهم من سيفعلها ميدانيا حسب استطاعتهم وحسب ما أتحتم لهم من إمكانات -والإمكانات تعني (بيئة مدرسية جاذبة - ووسائل تعليمية بتقنيات عالية- وسلوك عملي يقتدى به من رموز يزعم أنها القدوة التي تسير على الأرض) فأي قدوة تبحثون عنها في معلم وإدارة مدرسية سلبت كل صلاحياتها) أبسطها في تعديل سلوك بسيط كتعديل سلوك طالب أو طالبة، تعتبر أسرتهم أن حملهم لمخلفات طعامهم في المدرسة بين زملائه ووضعها في المكان المخصص لها إهانة للطالب وتقليلا من قيمته... أي تعديل للسلوك حين يعاقب مدير مدرسة أحد الطلاب الذي اتخذ جدران مدرسته سبورة يدون فيها عبارات بذيئة مخلة بالآداب العامة فيعاقبه بطلاء الحائط بيده وبالمقابل توبخه الوزارة باعتبار تصرف مدير المدرسة ليس أسلوبا تربويا، وهو المدير الذي طبعت أقدامه آثارها في الميدان خبرة وممارسة ويكتفى بكتابة تعهد خطي ينتهي فاعليته بنهاية العام الدراسي، ويوضع في سلة النفايات التي يركلها الطالب بقدمه أثناء مغادرته لينتقل بهذه السلوكيات والممارسات لمرحلة جديدة يعبث فيها كما عبث سابقا، فلا معقب له ولا زاجر يزجره!! أي رغبة لقطبي التعليم الرئيسيين (المعلم - والطالب) - تبحثون عنها وأي إقبال على التعليم توهمون أنفسكم بالوصول لقممه... حقيقة مرة علينا جميعا الاعتراف بها أن القطبين (راغبون عنكم).
هي مجرد صفعة من صفعات متكررة لم تكن تلطم إلا وجه وقفا المعلمين والمعلمات وهم الطبقة الكادحة الحقيقية في هذا الوطن: هل ستعيد الوزارة النظر في المناهج أو في القيم التي لم تعززها الوزارة ذاتها بين منسوبيها؟ وهل ستعيد النظر في وضع إستراتيجيات ربت قياداتها التربوية عقودا طويلة (على عبارة هذه صلاحياتي) دون نقاش أو حوار هادف... على كل القيادات التربوية في البلاد الاستنفار لكوارث أخلاقية ستتوالى لاحقا، وإعادة النظر في كثير من الإستراتيجيات في تعليمنا العام الذي لم يعد يورث للتعليم العالي إلا قنابل موقوتة ستأتي على الأخضر واليابس، إنه الإرث الذي خلفته قيادات تربوية كانت تنظر للميدان من برجها العالي وتقييم شوطي العام الدراسي كمحلل يجيد التنظير ولا يجيد هز الشباك، هو يجيد فقط وضع نظريات أبعد ما تكون عن واقع الميدان.