يعتقد بعض الناس في ليلة النصف من هذا الشهر شهر شعبان: يعتقدون فيه عقيدتين ويفعلون فيه عادة ليس لها أصل من الشرع، أما العقيدة الأولى: فإن بعض الناس يظنّون أن ليلة النصف يُكتب فيها ما يقدر في تلك السنة والأمر ليس كذلك؛ فإن الليلة التي يُكتب فيها ما يقدّر في السنة إنما هي ليلة القدر، وليلة القدر لا تكون إلا في رمضان لقول الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: 1)، وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 3-4)، وقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185)، وبهذه الأدلة الثلاثة يتبيَّن أن ليلة القدر هي التي يُكتب فيها ما يجري في السنة وأنها في رمضان فقط وليست ليلة النصف من شعبان، هذا الأمر الأول.
وأما الأمر الثاني: فإن بعض الناس يعتقدون أن قيام ليلة النصف من شعبان وصوم يوم النصف من شعبان فيه أجر وميزة على غيره من الأشهر وهذه العقيدة بناءً على أحاديث وردت في ذلك ولكنها أحاديث ضعيفة لا تقوم بها حجة ولا تثبت بها شريعة؛ وعلى هذا فليس من السنَّة أن يخصص يوم النصف من شعبان بصيام ولا ليلة النصف من شعبان بقيام، وإنما هما كغيرهما في الشهور الأخرى، ولكنْ إذا صام الإنسان من هذا الشهر ثلاثة أيام - الأيام البيض - فإن له بذلك أجرًا كما أن له أجرًا بذلك إذا صامها في غيره من الأشهر بل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم في هذا الشهر ما لا يصوم في غيره: كان يصومه كله أو كله إلا قليلاً، وأما الأمر العادي الذي اعتاده بعض الناس فإن بعض الناس يصنعون في يوم النصف طعامًا يطعمونه جيرانهم ومعارفهم ويتخذون ذلك أمرًا راتبًا، وهذا أيضًا لا أصل له، فلا أصل في الشريعة لفضيلة إطعام الطعام في يوم النصف من شعبان؛ وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يتّخذه عادة؛ لأنه قد يظن بعض الناس أنه من الأمور المشروعة وليس من الأمور المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واعلموا: أن اتّباع السنّة والتزام ما صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ وأفضل من أعمالٍ لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك هو حقيقة الدين - أعني: اتّباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو حقيقة الدين لا أن يعتمد الإنسان على أشياء تلقَّاها مِمّن سبق وليس لها أصل في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فعبادة يكون الإنسان فيها متّبعًا تمام الاتباع ولو كانت قليلة خير من عبادات كثيرة ليس لها أصل في دين الله بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بعض الأسئلة المتعلقة بشهر شعبان، وأجاب عنها، ومنها:
سؤال:
سمعت بعض أهل العلم يُرغِّب في صيام النصف من شهر شعبان ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ومن ضمن هذه الأيام النصف من شعبان ولذا فهو سنة وليس ببدعة وأيضاً الاحتفال بأيام شعبان لأنها الأيام التي تحولت فيها القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، أجيبونا إجابة مفصلة حول هذا الموضوع؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر وفي محرم وفي ذي القعدة ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام، وأما ما ذكره من الاحتفال بأيام شعبان لأن القبلة حولت فيه هذا يحتاج أولاً إلى صحة النقل أن القبلة تحولت في شعبان وعلى تقدير صحة ذلك فإنه لا يجوز اتخاذ هذه الأيام عيداً يحتفل فيه، فإن هذه الأيام التي حولت فيها القبلة إلى الكعبة قد مرت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، ومع هذا لم يكونوا يحتفلون بها والواجب على المسلمين أن يتبعوا آثار من سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وألا يغتروا بما يعمله الناس اليوم فإن كثيراً منها خارج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محدث وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة). (فتاوى نور على الدرب).
سؤال:
هل هناك سنة مشروعة في ليلة النصف من شعبان, فقد رأينا نشرة مضمنة ببعض الأحاديث في فضل هذه الليلة, قد صحح بعض هذه الأحاديث بعض المحدثين؟
الجواب
الصحيح أن جميع ما ورد فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة, ومنها أشياء موضوعة, ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها, ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل, ولا يخصون يوم النصف بصيام, وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام - التابعون ليس الصحابة- والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضاً, قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام, ولا يوم النصف بصيام, لكن من كان يقوم كل ليلة, فلا نقول: لا تقم ليلة النصف, ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف, إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام ولا نهارها بصيام. (لقاءات الباب المفتوح).
سؤال
هل هناك أحاديث صحيحة ثابتة في فضل كل من شهر رجب وشعبان وفضل الصوم فيهما؟
الجواب
لا، لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان ) على أن الحديث هذا أيضاً متكلم فيه، وعلى هذا فلا يمتاز شهر رجب عن جمادى الآخرة الذي قبله إلا بأنه من الأشهر الحرم فقط، وإلا ليس فيه صيام مشروع، ولا صلاة مشروعة، ولا عمرة مشروعة ولا شيء، هو كغيره من الشهور.
أما شعبان فنعم يمتاز عن غيره بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه، بل كان يصومه كله إلا قليلاً، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان. (لقاءات الباب المفتوح).
سؤال
بعض النساء في ليلة النصف من شعبان كل عام تقوم بصنع طعام وتتصدق به، وتعتقد في ذلك اعتقادا أن له مزية وأن له فضلاً؟
الجواب
بعض الناس في النصف من شعبان يعمل الطعام ويتصدق به على الفقراء، يظن أن لهذا اليوم مزية في الصدقة وليس كذلك، الواقع أن هذه من البدع، وأن نصف شعبان ليس له مزية هوكغيره من أنصاف الشهور، ليس فيه شيء إلا أنه إذا كان يصوم البيض صام النصف فقط، وأما تخصيص ليلة النصف بقيام أو يوم النصف بصيام فلا أصل له، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك شيء.
همسة: إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يوماً ما سيخبرك المطر أين زرعتها.. لذا، ابذر الخير فوق أي أرض وتحت أي سماء ومع أي أحد.. فأنت لا تعلم أين تجده ومتى تجده؟! ازرع جميلاً ولو في غير موضعه... فلا يضيع جميل أينما زرعا.. فما أجمل العطاء.. فقد تجد جزاءه في الدنيا أو يكون لك ذخراً في الآخرة.. فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها.