تذمّر ميلتون فريدمان، في سياق البحث الشهير الذي كتبه في العام 1970 بعنوان «المسؤولية الاجتماعية للشركة تقضي بزيادة أرباحها»، من المحاولات التي تقوم بها الشركات للترويج لـ»غايات اجتماعية مرغوبة»، معتبراً أنّ هذه الأخيرة «تلحق ضرراً كبيراً بالنظام الرأسمالي».
ومنذ ذلك الحين، اعتبر كثيرون أنّ فريدمان أخطأ، عندما أقدم على مقايضة بين المساهمين، وبين ما تبقّى من المجتمع، بهدف خدمة مصلحة المساهمين دون سواهم، لكنّ صدور هذا التبرير عن لسان نقّاد فريدمان هو السبب المحدّد الذي جعله محقّاً على امتداد نصف قرن من الزمن تقريباً، ففريدمان نجح في فرض وجهة نظره باعتماد منهجيّة سيلجأ إليها أي مفاوض عظيم- بعد أن حدّد إطار النقاش ليعتمد على شروطه الخاصة.
وبما أن حماسة فريدمان كانت بالغة، عندما ناشد بمقايضة كاملة وشاملة (بنسبة 100 في المئة مقابل صفر في المئة)، أمضى المعترضون كامل وقتهم في الدفاع عن تحديد مستويات استفادة المساهمين عند نسبة تقلّ عن 100 في المئة.
ومن خلال إقدامهم على ذلك، قبل المعترضون ضمنياً بافتراض فريدمان، الذي يفيد بحصول مقايضة أساسية بين مصالح المساهمين وغيرهم من المشاركين في المجتمع، أمثال العملاء والموظفين. ولو أنّ المعارضين كانوا أكثر ذكاءً، لتهجّموا على افتراض فريدمان منذ البداية، عبر طرحهم السؤال التالي: «ما الدليل على حصول مقايضة منذ الأساس؟» ولو فعلوا ذلك، لاكتشفوا أنّ فريدمان لم يملك أي دليل على حصول مقايضة من أيّ نوع كان قبل العام 1970. ولكانوا اكتشفوا أنه ما من دليل على الإطلاق على أن التركيز الشامل على قيمة المساهمين، على حساب استثناء عوامل اجتماعية أخرى، يسمح فعلاً باستحداث قيمة أعلى للمساهمين. ولم يشعر فريدمان بالحاجة إلى جمع أدلة عملية لدعم وجهة نظره، لأنّ المقايضات من هذه القبيل هي ركائز راسخة بنظر خبراء الاقتصاد أمثاله.
وهنا، أشير إلى أنني أيضاً خبير اقتصاد. ومع ذلك، يراودني شعور مختلف تماماً - أعزيه إلى قراءاتي الموسّعة لمؤلفات أرسطو، لأنّ ما كتبه عن السعادة ارتبط بتعزيز قيمة المساهمين أكثر من أي أمر آخر كتب عنه خبراء الاقتصاد. وقد بقي أرسطو يؤكد أن السعادة لا تأتي بنتيجة البحث عنها، بل هي النتيجة المحتمة التي يجنيها إنسان يعيش حياة فاضلة. والأمر سيّان بالنسبة إلى المؤسسات. فإن جعلَت غايتها تعزيز قيمة المساهمين إلى أقصى الحدود، فالأرجح أن يعاني المساهمون، لأن توقهم هذا سيُبعد العملاء، والموظفين، والعالم عموماً. وإن جعلت المؤسسات هدفها، بدلاً من ذلك، خدمة العملاء والموظفين، والمساهمة بجدية في المجتمعات المحلية، فستكون سعادة مساهميها لا توصف.