لا يخفى على كل محق ذلك الدور المعتدل الذي يقوم به قادة المملكة العربية السعودية تجاه قضايا العالم الإسلامي والدولي؛ لنشر السلم والاستقرار على كافة الأصعدة. بل تخطوا ذلك لدفع عدد من دول العالم
للمشاركة المعتدلة تجاه قضايا العالم بأسره وفي مقدمتها مملكة إسبانيا، متجاوزين بذلك حاجز العقيدة والانتماءات العرقية لتمثيل منهج الاعتدال والوسطية، الذي يسعى من خلاله خدمة البشرية.
وقد برز ذلك الدور المعتدل للتوافق السعودي الإسباني تجاه القضايا الدولية منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - يرحمه الله - إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله.
ويتجلى ذلك التوافق تجاه القضية الفلسطينية، ومشكلة الإرهاب، وحوار الحضارات، وغيرها من القضايا الدولية. مؤكدين لنفيهم ما تعارفت عليه السياسة الخارجية من عدم إمكانية تواجد منهج معتدل على الساحة الدولية، وأن الخوض في ذلك لن يتجاوز الفرضيات النظرية.
وقد مثل التوافق السعودي الإسباني العدالة والوسطية في التواصل فيما بينهما، وخدمة القضايا الدولية بتخطيهما للتباين العقدي والعرقي، في وقت كان هذا التباين عنصراً رئيساً في الاتفاق والاختلاف على الساحة السياسية الدولية.
ولم يكن هذا التوافق وليد اللحظة، فالتواصل السعودي الإسباني شهد اتصالاً مبكراً سُجل على صفحة عام 1367هـ / 1947م، تلاه وبخطوات سريعة تمثيل دبلوماسي عندما قدم المسيو أرجيروا مايستر وديليون Ergeroa Meister DeLeon أوراق اعتماده قائماً بأعمال المفوضية الإسبانية في جدة لوزير الخارجية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - يرحمه الله - يوم الأربعاء الثاني من ذي القعدة 1369هـ / السادس عشر من أغسطس عام 1950م.
ويتجلى التوافق السعودي الإسباني فيما أعرب عنه صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في عام 1404هـ / 1983م بمناسـبة زيارة رئيس الوزراء الإسباني للمملكة العربية السعودية: « .. أن وجهات النظر متلاقية في كثير من الأمور، لاسيما وأن القواسم المشتركة بين المملكة وإسبانيا كبيرة جداً».
ومما أسهمت به العلاقات السعودية الإسبانية تجاه القضايا الانسانية عدد من القضايا من أبرزها:
القضية الفلسطينية
نهجت المملكة العربية السعودية لنصرة القضية الفلسطينية - وغيرها من القضايا - إلى التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة؛ كونها تسمو عند تصديها لهذه القضية إلى تعزيز جهود الدول الأخرى لنصرة القضية الفلسطينية، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بإصدار الأحكام والحلول.
وقد وافقت هذه السياسة السعودية أرضية مشتركة مع السياسة الإسبانية منذ فترة مبكرة - وهي الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تعترف بالكيان الصهيوني. إن هذا الاهتمام بالقضية الفلسطينية ليس مستبعداً على قادة المملكة العربية السعودية ومسؤولي الحكومة الإسبانية، فقد أولاها قادة المملكة العربية السعودية اهتماماً خاصاً، ووجدوا لدى الأصدقاء الإسبان نظرة عادلة متفقة مع النظرة السعودية لحقوق الشعب الفلسطيني، وأن للشعب الفلسطيني حقوقاً مشروعة، منها: حقه في تقرير مصيره، وحقه في وطن قومي له. ولم يقتصر التوافق على مجرد الاعتراف بل أقر الجانبان على أن الحل يقوم على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في عام 1386هـ / 1967م.
ونتيجة لهذا التوافق تخطت الدبلوماسية السعودية الإسبانية تجاه القضية الفلسطينية دور التوافق الناتج عن البيان المشترك عقب اجتماعات الطرفين إلى السعي العملي لإيجاد حل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. ورغم تعدد تلك البرامج العملية إلا أن مؤتمر السلام المنعقد بمدريد في عام 1411هـ / 1991م يأتي في مقدمة تلك البرامج المشتركة.
مكافحة الارهاب
نالت يد الإرهاب الطائشة من بعض دول العالم، ومن ضمن هذه الدول المملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا. وأمام هذه المشكلة تبلور رابط توافقي جديد بين المملكة العربية السعودية ومملكة إسبانيا، ساهم في تعزيز الشراكة المتزنة بين البلدين بتعاون أمني فكري لمكافحة الإرهاب. ومما يسجل لهذا التعاون التزامه منذ البدء بنظرة معتدلة تجاه مشكلة الإرهاب بالرغم من أن العاطفة لدى الدولتين التي شاهدت دماء وأشلاء أبنائها، وآثار الدمار بأرضها كانت أكثر قدرة للانحراف إلى كل ما يمكن أن يخفف من أثر العمل الإرهابي الذي وقع لديها.
ومما يحسب للتوافق السعودي الإسباني تجاه مكافحة الإرهاب خروجه عن الرؤيا التقليدية في معالجة مثل هذه الظاهرة إلى رؤية أكثر فعالية عن طريق إخضاع ظاهرة الإرهاب للدراسات العلمية. وتحقيقاً لهذه الرؤية تناوبت مؤسسات البلدين الدور بين استضافة ومشاركة. ومن أبرز تلك البرامج التي احتوت تلك الدراسات العلمية:
* مؤتمر «موقف الإسلام من الإرهاب» الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بمدينة الرياض في عام 1428هـ / 2008م.
* دورة تقنيات مكافحة الإرهاب نظمتها وزارة الداخلية الإسبانية بمدينة مدريد في عام 1428هـ / 2008م.
* الملتقى العلمي الدولي «دور الانترنت في محاربة الإرهاب والتطرف» الذي نظمته جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في عام 1432هـ / 2011م بمقر الجامعة بمدينة الرياض.
* المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب «الرياض 2005م».