لا يلومني أحدُ من زملائي في عشقي «للراديو» رغم قولهم بأن «التلفزيون» اليوم يغني، وأنه يقدم برامج مشابهة ؛علاوة على أنه يقدم بالصوت والصورة ؛إلا أني أختلف معهم، فمن تعلّق بالراديو منذ صغره، لا يمكنه أن يتنكر له، أو يحتمل فراقه في سفر أو حضر، وللراديو عندي متعة لا أجدها مع التلفاز، ووالدي -حفظه الله- هو من غرس فيّ هذا العشق، لأن الراديو في حياته يعد البوابة الأولى على الثقافة منذ نهاية الستينيات الهجرية، حين كان ولع جيله بالبرامج التي تبث عبر إذاعة لندن، وصوت العرب، وإذاعة القاهرة، وصوت ألمانيا، فهو من جيل تربى على صوت منير شما، وحسن الكرمي، ومحمد رشاد رمضان، وحسام شبلاق، وماجد سرحان، وأيوب صديق، وجميل عازر، وغيرهم جيل المذيعين العمالقة، وكذلك من مذيعي صوت العرب في زمنهم الجميل، كأمين بسيوني، وصلاح عويس، بعضهم لحقنا بأصواتهم، واستمتعنا ببرامجهم، كالمذيعة «نادية صالح « وبرنامجها «زيارة إلى مكتبة فلان» في إذاعة صوت العرب والذي كان يقدم منذ 20 سنة أو تزيد، أعود لأقول إن والدي حينما لمس عندي تعلقي الشديد بالراديو، وارتباطي ببرامجه الثقافية الماتعة، أهداني هدية مازلت أحتفظ بها، وهي عبارة عن «راديو ماركة جراندنج GRUNDIG « ليصبح سمير ليلي، ورفيق أيامي حتى اليوم.
ولأني أحاول البحث دوما في البرامج الثقافية الإذاعية، وبخاصة في «إذاعة البرنامج العام من الرياض» فبرامج الأدب يبقى لها تشوق خاص عند من يهوى الغوص في كتب الأدب ليكتشف ما تحويه من قصائد وكتابات نثرية وشعرية، وقصص وحكايات ومواقف وسير حافلة بالمتعة والإثارة، لهذا فإني أحاول تنسيق وقتي لمتابعتها ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وحينما يفوتني برنامج منها، أحاول معرفة وقت إعادته للاستماع له، من البرامج التي تعلقت بها، وحرصت ألاّ تفوتني متابعته، برنامج (في ظل القصيدة) الذي يقوم على إعداده وتقديمه المذيع المتألق صاحب الصوت الجهْوري «عبدالله بن سنكر» ويخرجه «عبدالمحسن بن سرّان» فالبرنامج يتيح الفرصة للمستمع أن يعيش مع الشعر، حيث يصحب المستمع في كل حلقة من حلقاته مع شاعر وقصيدة، من الشعراء الذين لهم بصمة واضحة، وحضور مميز في عالم الشعر، فينثر قصائدهم بقوافيها المترعة بالشجن والشوق، وشيء من الحنين، وبعض الشكوى والألم، وقليل من الحسرة، يستهل عبدالله بن سنكر برنامجه بمقطوعة جميلة ترسل الإمتاع إلى مسامع المستمع لينسى كل شيء حوله، ويشد كل أحاسيسه، ليتابع سيرة شاعر وقصيدة، يقول ابن سنكر في مقدمة برنامجه:-
ظل القصيدة بوح الروح مافيه
تميس في جبة المعنى وتختال
فالشعر أنفاس قلب بات يعزفها
دفق الحياة وفي جنبيه آمال
ماأعذب الشعر إن ماست رواحله
بالحب تحدو وبالأحلام تنثال
ولا أنسى برنامجه الآخر الجميل (تقاسيم شعرية ) والذي يخرجه صالح الثنيان، وهو عبارة عن رحلة في الشعر، وقراءة في تقاسيم شعراء سعوديين رائعين.
كذلك من البرامج الذي استهوتني متابعته، برنامج (أقوال في الغربال) والذي يعدّه ويقدمه المذيع «خالد بن عبدالله الغانم» والذي يذكرني بأسلوب تقديمه، وطريقة إلقائه، بالمذيع المحبوب، والذي مجرد ذكر اسمه يعيدنا للترنم بالحان زمن جميل «ماجد الشبل» شفاه ربي وعافاه، ولاعجب فالغانم شاعر مجيد، ولغوي جميل، هذا البرنامج يخرجه عبدالله الخمعلي، وفكرة البرنامج، تقوم على تقديم أقوال لطالما نرددها في حياتنا اليومية، بعضنا يوظفها إيجابيا ويستشهد بها في كلامه ليدعم مواقفه، وبعضنا يلقيها في غير محلها، هذا البرنامج يجبرني أن أجلس إلى الراديو قبيل غروب يوم الجمعة بعشرين دقيقة لمتابعته
كذلك من برامج الدورة الإذاعية الحالية لهذا العام، برنامج (بيت سائر قاله شاعر) يقدمه خالد بن عبدالله الغانم، ويعده محمد الخنيني ويخرجه صالح الثنيان،يستوقفني في ختامه حين يلقي خالد الغانم بصوت واضح ثلاثة أبيات، يختم بها البرنامج ترسم مضمونه، وقد سجلتها على عجل وهي:-
بيت من الشعر قد كانت له صور
وفي الرواية قد حفّت به غِيرُ
قد شع سرا وكل الناس تعرفه
وغاب حينا فماتبقى له أثرُ
واليوم نورد شيئا من جوانبه
وبالعبارة نوفي حق ما نظروا
مثل هذه البرامج الثقافية، ذات الصبغة الأدبية، والتي تقدم عبر إذاعتنا الحبيبة بشيء من الامتاع، كم أتمنى تكثيفها، وتنويعها، وألا تغيب دورة إذاعية منها، فهي تعويض لنا بعد قلة إقبالنا على القراءة، وتختصر علينا عناء البحث في الكثير من الكتب، وأنا أحييّ القائمين على الإذاعة، وأحيي بشكل خاص القائمين على هذه البرامج من معديّن ومقدمــين ومخرجين وعاملين، ولو يدرون قمة سعادتنا بها لعملوا على استمرارها، أتمنى ذلك.