بماذا تستطيع سياحتنا الداخلية أن تتميز، وكيف تضيف قوة متفردة تستغل فيها مميزاتها الخاصة لتجذب الزائرين؟
لا يمكن الاكتفاء ببيع منتجات صناعات الحرف التراثية كما نفعل الآن.
السياحة في ساحل الخليج ما عدا السعودي متقدمة جداً وناجحة, وتتميز بأنها تقدم تجربة ثقافية وفنية ثرية تجمع فيها إحياء التراث المحلي بعطاء الفنون الكلاسيكية الحضارية الراهنة, بصيغة مختلفة حتى عن السياحة التقليدية في جاراتها العربيات أو حتى المراكز السياحية الأوروبية المعتادة. السياحة في دول البحر المتوسط وشمال أفريقيا بما في ذلك مصر وسوريا تشمل زيارة الآثار التاريخية التي تعود إلى حقب بعيدة، كآثار الفراعنة والرومان والآثار الإسلامية، بالإضافة إلى أسواق الحرف التقليدية، وهي سياحة موجهة غالباً للمهتمين والمتخصصين وكبار السن. أما هنا, فرغم كوننا في منطقة ثرية بتاريخ إنساني ثري وممتد من عصور سحيقة, فقد ظللنا حتى وقت قريب تتركز جهودنا في كيف نحمي آثارنا من تعدي الجهلاء عليها بالتخريب والطمس وتعدي العارفين بقيمتها بالسرقة والتهريب. والآثار ليست سياحة بارزة عندنا بعد, وإن ابتدأت تتحسن. أما دبي فقد بنت الصناعة السياحية فيها على تنظيم رحلات الترفيه في أجواء فانتازيا حديثة, وإتاحة إمكانية التسوق بتوجه عالمي يوفر الحصول على كل صادرات العالم شرقاً وغرباً, ونشر ثقافة السياحة العائلية التي توفر لكل أفراد العائلة ما يمتعهم صغاراً وكباراً في أجواء مريحة وحديثة.
يوجه البعض انتقادات تتركز على بعض ما تتيحه الخدمات السياحية في دول الخليج الأخرى؛ ولكنها انتقادات تتعامل مع جانب من الحقيقة وتتجاهل الجوانب الأخرى الواضحة والمتعددة لما تحفل به ساحة السياحة هناك. ولعل هذا التركيز يأتي في محاولة لتبرير ضعف تنافسية وجاذبية بعض الجارات سياحياً, وتعثر محاولاتها في ذلك. وليس من العدل أن تنسب قوة الجذب السياحي في دول الجوار إلى توفر الممنوعات والمحظورات التي لا نسمح بها, فدبي مثلاً توفر ما هو أشمل من ذلك بكثير وتجذب ملايين الزوار على مدى العام أغلبهم لا تحرم دياناتهم الكحول، ولكن دبي تمنع الانفلات في التصرف تحت أي وضع.. ويظل الخيار الأخير للزائر في ما يطلبه, وهو مسؤول عن أي تصرف يقوم به ويستحق والتوقيف أمنياً. هناك عشرات أو حتى مئات الآلاف من العائلات الخليجية التي تزور دبي في كل المواسم دون أن يكون هدفها الحصول على الكحول. ثم الأهم أن دبي توفر انضباطاً أمنياً فريداً يمنع المقيم والمواطن والزائر على السواء من إساءة التصرف في كل المواقع. وإذا كان هناك نجاح لسيادة النظام والقانون فهو يحسب إثباتاً إيجابياً لفاعلية الشرطة والأنظمة في دبي, وليس ظاهرة تلام عليها الأنظمة أو الجهود السياحية بل هو دليل حماية للجميع وتأكيد الانضباط في كل الأحوال, ولذلك ستظل الدولة الناجحة سياحياً تجذب الجميع، عائلات وأفراداً، واثقين من المتعة والسلامة في أجواء سياحية ثرية بالحوافز ومحمية بانضباط الجميع تحت صرامة تطبيق الأنظمة الأمنية.
هل يمكن التوسع في ما نقدمه كجذب سياحي؟
نعم.. وكل ما نحتاج هو الرؤية خارج الصندوق واستغلال معطيات البيئة. في رأيي يمكن أن تنشأ نواة جذب فعالة في السياحة العلاجية حيث الرمال الساخنة والمياه المعدنية المالحة، خصوصاً في مناطق مصانع التحلية يمكن أن تستغل في تأسيس المصحات لعلاج الروماتيزم، بالإضافة إلى توفير خدمات تصحيح الوزن تحت إشراف طبي. ويمكن الاستئناس بالوصفات العلاجية التراثية لأهل الخليج.
كما سيثري تجربة الزائرين أن يتوفر جانب نشاط ترفيهي من الرحلات البحرية وقوافل الجمال.. والعروض الفنية والتراثية والمسرحية.
سوق الفن التصويري والفوتوغرافي واللوحات والنحت تحمل فرصاً واعدة بتحقيق المواهب الفردية لفنانين خليجيين، كما تحمل فرصاً واعدة متنامية للمستثمرين العالميين. وقد أقنعني بذلك مناسبة افتتاح مؤسسة «بنفسجيل» في الرياض مؤخراً مقيمة أول مزاد ناجح للوحات فوتوغرافية لفنانين وفنانات سعوديات من جيل الشباب.
المسألة تحتاج شيئاً من بعد النظر والمبادرة والاستمرارية.
تمنياتي لهيئة السياحة والتراث بالنجاح. أدعو لها ولرئيسها بالتوفيق.