لم يعد مقبولا في ظل حقبة العولمة العلمية..تطوير قطاع الشباب والرياضة , وتحديد آفاقه المستقبلية وصناعة العمل الاحترافي بمفهومه العلمي الرصين .. دون الاعتماد على أساليب ومعطيات (البحث العلمي), خاصة وأن الأبحاث العلمية أصبحت، ومع التحولات العولمية وإرهاصاتها..ركنا أساسيا ,وخيارا إستراتيجيا, ومطلبا هاما في الكشف عن المشكلات الرياضية , وتشريح مثالبها , وعلاج إخفاقاتها,.. استهدافا للنهوض بالحركة الرياضية وتطويرها على أرضية علمية صلبة.
*ففي تقرير حديث عن الكراسي البحثية في الجامعات السعودية بلغت حزمتها (200) كرسيا علميا تركز على الجوانب التنموية بالمملكة ..ومعالجة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والطبية ...إلخ, بينما النشاط الرياضي وهمومه مازال خارج دائرة الاهتمامات..مع إن قطاع الشباب والرياضة بحاجة إلى تبني آليات البحث العلمي وإخضاع مشكلاته وظواهره وقضاياه وهمومه في قالب البحث العلمي الرياضي وعلاجها, خاصة مع ارتفاع درجة حرارة الاحتقان في مجتمعنا الرياضي, واتساع دائرة التجاوزات المنافية لقواعد الضبط الأخلاقي والاجتماعي.
* الجزيرة» استطلعت آراء الخبراء والأكاديميين والمتخصصين .. حول غياب البحث العلمي الرياضي, وكانت الآراء كالتالي:
الشراكة العلمية
في البداية تحدث سمو الأمير الدكتور سعد بن سعود رئيس قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود قائلاً : لا شك أن هناك اهتماما ومنافسة واضحة في مجالات البحث العلمي ودعم برامج كراسي البحث على مستوى العالم الأمر الذي شجع جامعاتنا على نقل هذا التقليد الحميد إلى مجتمعنا, خاصة وأن الدولة شجعت هذا التوجه ومنحت أهمية كبيرة للبحث العلمي في جميع المجالات التنموية. وأضاف أن وزارة التعليم العالي تبنت هذا التوجه ودعت الجامعات إلى تحمل مسؤولياتها نحوه وهذا ما حدث بالفعل وقد انتشرت الكراسي البحثية في أغلب المجالات والتخصصات فيما عدا المجال الرياضي الأقل استفادة رغم حاجته الماسة للشراكات العلمية التي هي من أهم سبل التطور والنجاح بعد أن توغلت الرياضة في شتى مناحي الحياة اليومية وتحولت إلى صناعة عالمية أخذت حيزاً ضخماً من التغطية والاهتمام الإعلامي على المستوى العالمي والمحلي أيضاً.
وأكد الأمير سعد أن المؤسسات الرياضية الرسمية تتحمل جزءا من المسؤولية باعتبارها الجهة المعنية بالرياضة والشباب في المملكة, بالإضافة إلى الأندية وأعضاء الشرف ورجال الأعمال المهتمين بالشأن الرياضي, مبيناً أن ما يصرف على كراسي البحث العلمي الرياضي يعود بالنفع على الرياضة وعلى شريحة واسعة من أفراد المجتمع الذي غالبيته من فئة الشباب , وعن السبل التي من الممكن أن تجعل البحث العلمي الرياضي ركناً أساسياً في علاج المشكلات الرياضية قال: بصفتي عضو في اللجنة العلمية لكرسي اليونسكو للحوار بين أتباع الديانات والثقافات, وكذلك لي عدة أبحاث علمية في مجال الإعلام الرياضي أجزم بأن البحث العلمي الرياضي واحد من أهم حلول في علاج المشكلات الرياضية وزيادة الوعي الرياضي من خلال دراسة جميع العناصر ذات العلاقة بالشأن الرياضي وعلى رأسها الإعلاميون- الرياضيون -والجمهور بشرط وجود القناعة والرغبة الصادقة , والتكاتف بين المؤسسات الرياضية والإعلامية في المملكة للعمل وفق خطط علمية مدروسة بجدية وإخلاص وتفاعل.
التنمية الرياضية
ويشير الدكتور عبدالرزاق أبو داوود رئيس لجنة المسئولية الاجتماعية في الاتحاد السعودي لكرة القدم وعضو الشرف بنادي الأهلي قائلاً: كثير من دول العالم المتقدمة تعتمد اعتماداً كبيراً على مناهج وأساليب الأبحاث العلمية لعلاج كافة الظواهر السلبية والقضايا الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والصحية ...إلخ, للوصول إلى حلول ومقترحات علمية رصينة لكثير من القضايا والأزمات التي تواجه هذه الدول بل إنه في المجال الرياضي اعتمدت هذه الدول على تفعيل دور الجامعات ومراكز البحث العلمي بدراسة ظاهرة التعصب الرياضي والعنصرية البغيضة ودعم ومساندة وزيادة الوعي الاجتماعي ضد هذه الظواهر الفكرية الخطيرة , وأكد أبو داوود أن هناك قصورا واضحة في الأخذ بيد الأبحاث العلمية الرياضية والتي يمكن إرجاعها إلى ضعف وعي كثير من القائمين على البحث العلمي في الجامعات بأهمية الرياضة اجتماعياً وأخلاقياً واقتصادياً.
وأوضح قائلاً أن تزايد عدد الكراسي البحثية بالجامعات السعودية ظاهرة إيجابية تصب في مصلحة أوجه التنمية الشاملة والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والأمنية والتنموية وغيرها من المناشط الأخرى, وزاد للأسف لا يوجد بين هذه الكراسي البحثية.. كرسي علمي رياضي يهتم ببحث القضايا والإشكاليات التي يواجهها المجتمع الرياضي, والحركة الرياضة السعودية التي تشكل اهتمام فئات كبيرة من مجتمعنا الفتي.. مشيراً إلى أن هذا القصور مسؤولية الجامعات والرئاسة العامة لرعاية الشباب واتحاد القدم ووسائل الإعلام التي ينبغي أن تتكاتف فيما بينها وتبني فكرة إنشاء كراسي بحثية تهتم بدراسة مشاكل الرياضة ووضع حلول الملائمة وفق معطيات البحث العلمي الرياضي, مشدداً على أن ارتفاع الوعي المشاكل الرياضية داخل الأطر الأكاديمية بالجامعات السعودية سيدفع بالباحثين والمعنيين إلى إعادة التفكير إلى طرح كراسي بحثية رياضية خصوصاً في ظل الانطباع السيئ عن الرياضة والرياضيين في المجتمع.
آليات البحث العلمي
أما الدكتور عبدالإله ساعاتي عميد كلية الأعمال والمشرف العام على برنامج ماجستير الإدارة الرياضية بجامعة الملك عبدالعزيز ,وعضو الشرف بنادي الاتحاد فقال: إن القطاع الرياضي والشبابي في أمس الحاجة إلى تبني آليات البحث العلمي وإخضاع ظواهره وقضاياه ومشاكله لأدوات التحقيق المبني على أسس علمية حتى نتمكن من الانطلاق نحو مستقبل مشرق للرياضة السعودية ولشبابنا. وأضاف: الكراسي العلمية هي الآلية المثلى لاستخدام التطبيقات العلمية في تناول ودراسة واقع ومستقبل الرياضة السعودية ولكن للأسف نجد كراسي علمية لمختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والثقافية والأمنية وغيرها في مختلف الجامعات السعودية التي بلغت نحو 200 كرسي علمي ولا نجد أي كرسي علمي في مجال الرياضة ..!!وزاد لقد تأسفت كثيراً لأن رعاية دوري عبداللطيف جميل والتي بلغت ما يقارب المليار ريال جاءت خالية تماماً من أي بند ينص على تخصص أي مخصص مالي لكرسي علمي رياضي وبيّن قائلاً : لقد حرصنا في برنامج ماجستير الإدارة الرياضية بجامعة الملك عبدالعزيز على هذا الأمر حرصاً كبيراً ورفعنا مقترح كرسي علمي يحمل اسم الأمير نواف بن فيصل باعتباره راعي الرياضة والشباب الأول وهو حقيقة داعم ومشجع لبرنامج ماجستير الإدارة الرياضية بصورة كبيرة ومشكورة .. يهدف الكرسي العلمي المقدم إلى تطوير الأداء الإداري وتعزيز الدور العلمي والبحثي في المجال الرياضي بالمملكة ويسهم في إيجاد بيئة ملائمة للبحث والتطوير ودعم المعرفة الشبابية في المملكة,
غياب الكراسي البحثية
وأوضح الدكتور حافظ المدلج رئيس لجنة التسويق بالإتحاد الآسيوي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود قائلاً : الكراسي البحثية نشاط جامعي يربط التعليم العالي بالمجتمع بدعم من قطاع الأعمال والجامعات السعودية تتواصل مع رجال الأعمال المهتمين بخدمة المجتمع من خلال البحث العلمي ويتم تكليف أساتذة بالجامعة يستعينون ببعض المحاضرين والمعدين لتكوين فريق بحث يدرس قضية ما تهم المجتمع ويتم الصرف على البحث وتسويقه من قبل رجال أعمال أو شركة تضع ميزانية ضمن مخصصات «المسؤولية الاجتماعية» CSR. وأضاف: يمكن القول أن العناصر المكونة لكرسي البحث العلمي هي الجامعة وقطاع الأعمال وأعضاء هيئة التدريس وجميعهم لا يؤمنون حتى الآن بأهمية الرياضة في المجتمع, وكذلك حين يتقدم رجل الأعمال لإنشاء كرسي بحث باسمه فإن البرامج والموضوعات التي تعرض عليه تبتعد كثيراً عن المجال الرياضي ,كما أن أعضاء هيئة التدريس لن يجدوا في الرياضة المادة التي تثري بحوثهم التي تحتاج إلى المراجع والدراسات السابقة غير الموجودة في المجال الرياضي ولذلك سيستمر غياب الكراسي البحثية في مجال علوم الرياضة إلى أن يشاء الله , وشدد الدكتور المدلج قائلاً: علينا أن نمد جسور التواصل مع الجامعات وقطاع الأعمال على حد سواء ,كما يجب أن نؤكد على أهمية الرياضة في حياة الشعوب وتأثيرها الكبير على التعلم والصحة والأمن كأهم عناصر الحياة المدنية التي ترتبط بشكل وثيق مع الرياضة ..مؤكداً أن الدراسات أثبتت أن مستوى التحصيل العلمي للطلاب يزيد إذا تم تضمين بعض المواد الرياضية في جدول الطالب, وأن الصحة مرتبطة بشكل وثيق بالرياضة فالعقل السليم في الجسم السليم ,وأن معدل الجريمة يقل وقت الأحداث المرتبطة التي تستغل وقت الشباب.. مطالباً أن يكون بداية التواصل من خلال :
- التعاون مع الجامعات السعودية في تنظيم وتسويق المؤتمرات الرياضية.
- ربط جائزة الأمير فيصل بن فهد للبحث العلمي بمنظومة وزارة التعليم العالي.
- التواصل مع رجال الأعمال لإقناعهم بجدوى كراسي البحث الرياضية.
- تسليط الضوء الإعلامي على هذا الجانب الهام لجذب المستثمرين فيه .
المخصصات المالية
وينطلق الرياضي المخضرم الدكتور عبدالعزيز المصطفى أستاذ علوم الحركة والتطور البدني بجامعة الدمام من زاوية أخرى قائلاً: كراسي البحث هي مبادرات علمية يكلف بها أحد العلماء المتميزين في مجال علمي محدد للقيام ببحوث علمية تطبيقية تستفيد منها قطاعات المجتمع المختلفة, وأضاف الكراسي العلمية وسيلة هامة من وسائل استكمال منظومة البحث العلمي في المجالات العلمية من خلال تحويل تلك النتائج البحثية إلى مخرجات علمية ملموسة يصل أثرها إلى الواقع الحياتي المجتمعي, وأكد الدكتور مصطفى أن المجال الرياضي يعد من أكثر المجالات مطلباً لتلك الكراسي العلمية وذلك لحاجة الرياضة السعودية إلى تلك الأبحاث والنتائج العلمية الرصينة نظراً لكون المجتمع الرياضي يشهد كثيرا من الإمراض المصاحبة للرياضة التنافسية كالتعصب الرياضي والعنف في الملاعب والعنصرية والإقصاء...إلخ, وكذلك الأمراض الصحية كالسمنة والسكر والقلب, وطالب الخبير الرياضي.. من الكليات المتخصصة وفي مجال علوم الحركة والتربية البدنية والرياضة وكذلك رعاية الشباب واللجنة الأولمبية ورجال الأعمال المؤمنين بأهمية تطوير الرياضة .. بدعم الفكرة من خلال الرعاية والإعلام لأهمية الكراسي العلمية في تبني القضايا التي تسهم في رعاية الكرة التنافسية والاستثمار والقانون الاحترافي والتسويق الرياضي كما ينبغي على الدولة الإسهام في تشجيع تلك الكراسي العلمية المعنية من خلال اعتمادات مالية تخصصها لبرامج تطوير الرياضة من أجل الصحة والترويح وعلاج المشكلات والقضايا التي تهم فئة الشباب الذين يمثلون ما يقارب 65% من تركيبة المجتمع, وكذلك بقية الألعاب الرياضية المختلفة بما يساهم في معالجة همومها واخفاقاتها.. ورسم خططها التطويرية في قالبها العلمي الرصين.
قلة الدعم
*إما الدكتور عبد الرحمن القحطاني أستاذ الإعلام المساعد بكلية الملك خالد العسكرية.. ولاعب الهلال الدولي - سابقاً -، فقد أدلى بدلوه قائلاً: إن الحاجة من البحث العلمي هو الحصول على المعرفة اللازمة لحل المشكلات أياً كان نوعها, فالبحث العلمي الرياضي يرتبط بالرياضة والمجتمع بشكل عام وتنميته وهو جهد منظم وموجه بغرض التوصل إلى حلول المشكلات الرياضية وتشريحها في المجالات المختلفة منها مثالاً الإدارة الرياضية, طرق الممارسة, المرافق الرياضية, توعية الجهور بأهمية الرياضة وانعكاساتها على الصحة والتحصيل العلمي, وأيضاً معالجة التعصب الرياضي والعنف الرياضي, وأضاف أن المشكلات الرياضية وأمراضها الاجتماعية اتسعت دائرتها المظلمة خلال السنوات الأخيرة، في ظل احتقان المجتمع وغوغائية وما أفرزته المنافسة من ممارسات فجة وملاسنات سخيفة وقرارات مشبوهة، قلبت جمال وإثارة ومتعة المنافسة الكروية إلى صراع موجع وألم دائم.. مشيراً إلى أنّ الأمور في السنوات الأخيرة تجاوزت مفهوم كرة القدم إلى أن بلغت حد المشاحنات والصراعات والانقسامات الخطيرة التي تؤثر على وعي وثقافة وسلوكيات المجتمع بوجه عام , ولذلك ينبغي الأخذ بالبحث العلمي الرياضي لعلاج تلك المثالب والأمراض وضبط توازنها. وأوضح الدكتور القحطاني أن عدم التوجه نحو الأخذ بالبحث العلمي الرياضي يعود للأسباب التالية:
-عدم توجه الباحثين السعوديين في الماجستير والدكتوراه نحو القضايا الرياضية -توجه الباحثين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بعمل البحوث لأغراض الترقية دون الالتفات بصورة جدية إلى المشكلات الحقيقية في الميدان الرياضي - اتساع الفجوة بين الباحثين الرياضيين وإن وجدت النتيجة وعدم الاستفادة من تلك البحوث والدراسات .
مشيراً إلى إن واقع البحث العلمي بشكل عام في المملكة يمثل ما نسبته 0.05% من إجمالي الناتج الوطني, فكيف على مستوى الأبحاث الرياضية..! بالإضافة إلى عزوف القطاع الخاص بشكل كامل عن إجراءات البحوث العلمية وعدم الإيمان والثقة بجدوى الأبحاث العلمية في دعم الإنتاج الرياضي وتطوير الاقتصاد والحياة الرياضية الاجتماعية.
التعصب الرياضي
ويقول المدرب الوطني القدير الدكتور عبد العزيز الخالد، إنّ معظم الدول المتحضرة تحرص في الأخذ بأساليب البحث العلمي في مختلف ضروب الحياة الثقافية الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ومن بينها قطاع الرياضة والشباب , وأضاف أن المجتمع الرياضي لا يخلو من المشكلات والمثالب والأمراض الاجتماعية وقضاياه المتعلقة بالفكر تحديداً ..كالتعصب الرياضي والعنصرية وغياب الوعي وثقافة الإقصاء، ومثل هذه العلل والأسقام تحتاج لإخضاعها في قالب البحث العلمي الرياضي ومعالجتها , وشدد أن غياب الأبحاث الرياضية العلمية كفيلة بأن تتسع دائرة المشكلات الرياضية ومثالبها في النسيج الرياضي, مؤكداً أن العمل الرياضي ما زال يعتمد على الاجتهاد والارتجال، وعدم فتح نوافذ التعامل مع ثقافة البحث العلمي الرياضي . ووجّه الدكتور الخالد أصابع الاتهام في غياب الكراسي البحثية إلى المؤسسات الرياضية, خصوصاً رعاية الشباب التي ينبغي أن تقوم بتشكيل لجنة ذات مسئولية واضحة تضم متخصصين في كل المجالات، لتفعيل دور العلم الرياضي وثقافة البحث العلمي، وتطبيق النتائج والتوصيات على أرض الواقع، مع سن قوانين ولوائح ملزمة لكل المعنيين بالرياضية بشكل عام , ويكون الهدف الأسمى تطوير الحركة الرياضية , وحمايتها من الأمراض الفكرية الهدامة كالتعصب والصراعات والإقصاء، مع الاهتمام بالجوانب العلمية في تأسيس منظومة رياضية علمية على أسس متينة , مطالباً أن يكون هناك شراكة بين رعاية الشباب والصروح الأكاديمية من جامعات ومراكز البحوث، بما يضمن فتح بوابة التعامل مع الكراسي البحثية العلمية الرياضية، خاصة في ظل طفرة الكراسي البحثية التي تشهدها الجامعات السعودية في واقعنا المعاصر.
رسم الخطط الاستراتيجية
ويقول الدكتور فهد العليان عضو الشرف بنادي الشباب أستاذ المناهج المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: الحديث عن الكراسي العلمية والبحثية حديث ذو شجون؛ إذ أوجدت الكثير من جامعاتنا كراسي بحثية مختصة في عدد من الموضوعات الحيوية المهمة إلا أن الملاحظ أنها لم تؤدِّ النتائج المرجوة من وجودها. وإذا كان الحديث عن غياب الكراسي البحثية في مجال العلوم الرياضية فإن البحث وإعداد الدراسات في الرياضة يُعد أمراً ضرورياً، غير أن هناك غياباً أو تغيباً لهذا الأمر من الجهات المعنية بالرياضة، ممثلة بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، إضافة إلى تأخر مؤسسات القطاع الخاص ورجال أعمال في الدخول في هذا المجال، وربما يعود هذا إلى رؤية ونظرة بعض أفراد المجتمع, وكذلك المثقفون تجاه الرياضة وأهميتها. وأضاف: إنني هنا ألوم في المقام الأول الجهة الرسمية المسؤولة عن الرياضة والشباب (الرئاسة العامة لرعاية الشباب)؛ وذلك أن أحد أهم واجباتها الرئيسية هو السعي لإيجاد كراسي متعددة ومتنوعة، تدعم من قبلها سعياً لقيام الأكاديميين والمختصين بشأن الرياضة بإجراء الدراسات والأبحاث العلمية المتنوعة التي تهم القائمين على هذا الشأن. وشدد الدكتور العليان على أن الدول المتقدمة تعتمد كثيراً على الأبحاث العلمية ونتائجها في رسم الخطط والاستراتيجيات بعكس ما يحصل في مجتمعنا الرياضي تحديداً من اجتهادات لا طائل من ورائها. فلم نسمع يومياً أن بعض قضايا الرياضة لدينا كانت نتيجة عمل وتخطيط لدراسات وأبحاث علمية رياضية، بالرغم من وجود الأقسام العلمية المتخصصة مشيراً أن المجتمع الرياضي يعاني من احتقان والحل في توظيف الابحاث العلمية. ورفع بعض الاقتراحات المتعلقة بالبحث العلمي المتخصص من خلال:-
-أن تقوم الرئاسة العامة لرعاية الشباب بحصر الموضوعات الرئيسية التي تحتاج إلى دراسات وبحث علمي -الإعلان في مؤتمر صحفي عن هذه الموضوعات، ودعوة الجامعات والأساتذة المتخصصين للاطلاع عليها -دعوة مؤسسات القطاع الخاص ورجال الأعمال إلى تبني ودعم هذه الدراسات وفق بنود واضحة ومحددة.
ظاهرة اجتماعية
وبيَّن الدكتور صالح الخضيري أستاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة الملك سعود قائلاً: إن الرياضة بوصفها ظاهرة اجتماعية، قبل أن تكون ميدان فوز وخسارة، هي استثمار واقتصاد وثقافة وصناعة، ينبغي الاستفادة من أنشطتها بما يحقق الأهداف المنشودة في هذه الاتجاهات بالاعتماد على الإحصائيات والأرقام والأبحاث العلمية التي تختصر زمن النجاح ومسافة الإصلاح. وأضاف: معظم الدول المتحضرة تحرص على الأخذ بأساليب البحث العلمي في مختلف ضروب الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والطبية والصناعية، ومن بينها قطاع الشباب والرياضة. وزاد بأن النسق الرياضي في المجتمع السعودي يعاني ضعفاً في بنيته الفكرية وتركيبته الثقافية؛ ولذلك ظهرت المشكلات والمثالب والأمراض الاجتماعية كالتعصب الرياضي والعنصرية والتجاوزات السلبية والممارسات المناهضة لقواعد الضبط الاجتماعي والمهني والقيمي، وتجاوزت في السنوات الأخيرة مفهوم كرة القدم إلى أن بلغت حد المشاحنات والصراعات والانقسامات الخطيرة التي تؤثر في وعي وثقافة وسلوكيات المجتمع بشكل عام، وبدلاً من أن تكون الرياضة للتسلية والترفيه والإمتاع والمنافسة الشريفة انقلبت بسبب هذه الأمراض الاجتماعية وأسقامها إلى ميادين لتكريس الكراهية والأحقاد والضغينة. مطالباً بضرورة جعل البحث العلمي الرياضي ركنا أساسياً في علاج المشكلات الرياضية ورسم خططها التطويرية في سياقها العلمي. وشدد الدكتور الخضيري على أن الكراسي البحثية في الجامعات السعودية تشهد طفرة نوعية في واقعنا المعاصر، وبلغت ما يقارب 2.. كرسي علمي، تركز على الجوانب التنموية بالمملكة ومعالجة الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصناعية والطبية.. إلخ، بينما النشاط الرياضي وأمراضه الاجتماعية ما زالت خارج الحسبان. وزاد: ينبغي من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، بوصفها جهة رسمية مسؤولة عن الرياضة وهمومها، تبني كراسي بحثية، وتوسيع دائرة التفاعل مع المعطيات العلمية، سواء مع الجامعات السعودية أو حتى المعاهد العالمية المتخصصة في البحث العلمي الرياضي، وتأخذ على عاتقها دراسة تطوير الأداء الرياضي وتنمية المهارات السلوكية والنفسية، ومعالجة الظواهر الرياضية كالتعصب الرياضي ودور الإعلام في تشكيل الوعي الرياضي.. إلخ. مشدداً على أن الأبحاث العلمية أصبحت ركناً أساسياً وخياراً استراتيجياً في تحقيق تنمية رياضية تواكب الآمال والتطلعات النشودة.
تمويل الأبحاث
أما الدكتور محمد الثقفي مدير إدارة البرامج العلمية والندوات بجامعة نايف للعلوم الأمنية فيؤكد قائلاً: معروف أن الكراسي البحثية تُعد ظاهرة حديثة في الجامعات السعودية، وما زلنا نعول عليها كثيراً في التنمية الوطنية, ومعالجة المشكلات والقضايا المجتمعية. وأضاف: هناك جهات أخرى تضطلع بهذا الدور، إضافة إلى الجامعات السعودية. ومن هذه الجهات العلمية مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، التي تقف على هرم المؤسسات البحثية «تخطيطاً وتنفيذاً أو تمويلاً». وهناك وكالات وعمادات ومراكز البحث العلمي في الجامعات، وغيرها من مراكز البحوث الخاصة التي تقوم بعمل دراسات واستشارات لعدد من القضايا والمشكلات المجمعية. وأوضح الدكتور الثقفي أن هناك - مع الأسف - شح كبير في الدراسات العلمية التي تتناول المجالات الرياضية وهمومها على وجه التحديد، بالرغم من أن الرياضة مجالٌ خصب للدراسة والبحث والتقصي نظراً لكثرة الظواهر السلبية في هذا النشاط، منها - على سبيل المثال - قضايا التعصب الرياضي التي باتت تتفاقم في المجمع الرياضي. وشدد قائلاً: إن معالجة أي ظاهرة سلبية أو انحرافات فكرية أو سلوكية مسؤولية مؤسسات المجتمع كافة، الأهلية والحكومية. فعلى سبيل المثال، عندما نبحث في العوامل المؤدية للتعصب الرياضي نجد أن مؤسسات عدة معينة بذلك؛ فالمؤسسات الرياضية والتربوية والإعلامية والأكاديمية مسؤولة عن تلك الظاهرة وإرهاصاتها, وتبقى المؤسسات الرياضية ربما هي الأكثر اهتماماً بدراسة مثل هذه الظواهر الخارجة عن قواعد الضبط الاجتماعي والأخلاقي والقيمي. وأوضح أن الظواهر السلبية في الوسط الرياضي، كالتعصب والعنف والعنصرية وغياب الوعي الرياضي، ينبغي إخضاعها للبحث العلمي الرياضي, والبحث العلمي هو الآلية المثلى لترقية الحياة الإنسانية، وهو الوسيلة الأنجع لكشف الأسقام وتجليتها وتشخيصها، ومن ثم علاجها وفق أسس علمية ومعايير موضوعية سلمية؛ ولذلك حرصت الأمم على الأخذ بأساليب البحث العلمي في مختلف مناحي الحياة، ومن بينها قطاع الشباب والرياضة.
** ** **
التوصيات والمقترحات
1 - إنشاء مركز للبحث العلمي الرياضي تابع للمؤسسة الرياضية، يضطلع بدوره في معالجة القضايا الرياضية وتطوير مناشطها, وتحديد آفاقها المستقبلية, بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية.
2 - ربط جائزة الأمير فيصل بن فهد للبحث العلمي بمنظومة وزارة التعليم العالي.
3 - التواصل مع رجال الأعمال لإقناعهم بجدوى تأسيس وإنشاء كراسي بحثية في العلوم الرياضية.
4 - الاستفادة من عقود الشركات الراعية بتخصيص بند ينص على إيجاد مخصص مالي لكرسي علمي رياضي.
5 - تخصيص ميزانية محددة من ميزانية الرئاسة العامة لرعاية الشباب للقيام بالدراسات والأبحاث العلمية.
6 - تطوير استراتيجيات وآليات البحث العلمي الرياضي بما يتوافق مع التوجهات الحديثة وتحولاتها العولمية.