Thursday 12/06/2014 Issue 15232 الخميس 14 شعبان 1435 العدد

منهاج الدميري في كتابه حياة الحيوان

تأليف - إبراهيم بن عبدالله المديهش / تقريظ - محمد بن ناصر العبودي:

هذا الكتاب الجليل رغم اختصاره أو لنقل عدم التطويل فيه، قد جنى عليه عنوانه الذي قد يفهم منه أن كتاب حياة الحيوان للدميري هو كتاب جيد خالٍ من المؤاخذات، والأشياء غير الصحيحة، أو على الأقل ليس حافلاً بها، وإنما يقتصر عمل المؤلف الكريم صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم بن عبدالله المديهش في ذكر منهج الدميري في تأليف الكتاب.

مع أن المؤلف- حفظه الله وأثابه- قد أوفى الكلام على كتاب الدميري من نواحي البحث المختلفة فيه، وقد نقول: إنه استكمل البحث عنه من جميع النواحي، وليس من ناحية ذكر منهجه فيه فحسب.

وهذا الكتاب هو تمهيد رسالة الماجستير التي هي موسعة، تمثل في الحجم أضعاف هذا الكتاب الذي تتكلم عليه، وتقدم بها الأستاذ إبراهيم المديهش إلى كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

وكنت قرأت قديماً كتاب حياة الحيوان قراءة استفادة لكونه في ذلك الوقت الكتاب الوحيد في أمر الحيوان حتى (كتاب الحيوان) للجاحظ لم أكن قد اطلعت عليه آنذاك، فلم يعجبني كتاب الدميري من جهتين أولاهما:

استطراداته التي قصد منها تضخيم حجم الكتاب ولا تفيد في موضوعه شيئاً مثل ذكره السيرة النبوية وسير الخلفاء إلى عهده.

وهي موضوعات تاريخية موجودة في كتب المؤرخين الثقات الذين لا ترقى منزلة الدميري في التحقيق العلمي إلى منزلتهم.

الجهة الثانية: حشده لما زعم أنه معلومات عن الحيوان الذي يتكلم عليه، وأكثره خزعبلات وخرافات لا حقيقة لها، وقد عنون لها بعنوان (الخواص).

ويعني ذلك فيما يزعم خواص الحيوان الذي يذكره من خواص طبية مزعومة ومن غيرها من خرافات لا حاصل لها.

وقد أوضح المؤلف إبراهيم المديهش ذلك أو أكثره ونقل كلام بعض العلماء القدماء فيه، ولكن أولئك العلماء أو بعضهم لم تكن لديهم معلومات صحيحة متيسرة عما سماه الدميري الخواص، بل ولا معلومات صحيحة كافية عن الحيوان نفسه، بحكم الزمن.

لذلك قل نكيرهم على الدميري في إيراد ذلك في كتابه.

وقد عرفت صديقنا الشيخ الجليل إبراهيم المديهش بأنه باحث منقب كثيراً ما أفادنا ببحوثه وبدقة غوصه على ما في الكتب القديمة من فوائد أو مسائل علمية.

وكان المفهوم أن تكون كتابته عن الدميري نفسه واسعة بل موسعة، وإن كانت الزاوية البحثية التي تناول منها كتاب (حياة الحيوان) ومؤلفه كمال الدين الدميري ضيقة فهي: (الأحاديث المرفوعة والموقوفة في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري من بداية حرف التاء إلى نهاية حرف الجيم تخريجاً ودراسة).

وهي كما قد ترى أنها تبدو محدودة، بل هي زاوية واحدة من دراسة هذا الكتاب: ربما لا يؤاخذ المؤلف الشيخ إبراهيم بن عبدالله المديهش على عدم استيفاء البحث فيها عن البحث في الكتاب كله، مع أنه أثابه الله لم يقصر في الكلام على الكتاب كله وعلى مؤلفه كما سترى.

وهذا تمهيد طلب منه فيه التعريف بالكتاب والمؤلف إجمالاً.

ولكننا نعيش الآن في عصر غير عصر الدميري فقد كثرت المعلومات الصحيحة التي تتعلق بالحيوان، وظهر زيف ما يسمى بالخواص للحيوان من الناحية الطبية، ومن ناحية التأثير في الأشياء كما هو ظاهر.

وإذاً ينبغي أن يتركز البحث على بيان زيف ما ذكر المؤلف في بعض كلامه على الحيوان ما لا يعرفه بعض محدودي الثقافة أو الذين هم بعيدون عن تلك المعلومات عن الحيوان.

وهذا بلا شك لا يدخل تحت عنوان بحث المؤلف الذي هو (الأحاديث المرفوعة والموقوفة في كتاب (حياة الحيوان الكبرى للدميري - بداية حرف التاء إلى نهاية حرف الجيم).

كما هو تمهيد للرسالة وليست الرسالة التي تقع في 1500 صفحة وهي منشورة في المكتبة الشاملة الإلكترونية وفيها تخريج ودراسة نحو 200 حديث وأثر، وبقية الأحاديث في رسائل أخر لعدد من الطلاب والطالبات.

ومع ذلك أوفى المؤلف الكريم البحث من جميع النواحي المتعلقة بحياة الحيوان للدميري وعن مؤلفه منها أو من أكثرها.

وكنت أود أن عنوان الكتاب كان: إيراد الدميري الأحاديث المرفوعة والموقوفة... الخ.

ومع أن هذا الكتاب هو للبحث في ذلك وكيفية إيراده بمعنى أن المؤلف الكريم لم يورد الأحاديث التي درسها ولا الكلام عليها وحدها لأن هذا الكتاب الذي نحن بصدده هو في كيفية إيراد المؤلف تلك الأحاديث في المزايا التي له في ذلك والمآخذ التي أخذت عليه، وغرضه من إيرادها.

بدأ المؤلف الشيخ إبراهيم المديهش بهذه الفذلكة أو الخلاصة النافعة في التعريف بالكتاب وهي: (ص7).

أما قبل:

كان: تمهيداً مختصراً لرسالتي الماجستير: (الأحاديث المرفوعة والموقوفة في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري، من بداية حرف التاء، إلى نهاية حرف الجيم - تخريجاً ودراسة).

ثم: أفردته - أي أفردت التمهيد فقط وكان عنوانه في رسالتي التعريف بالمؤلف والكتاب إجمالاً هنا، مع تصحيحات، وإضافات، و (مقدمة).

أما بعد:

حقيقة: تراثنا كبير، ومتنوع، ومميز، وكاف..

نموذج من الإبداع: كتاب (حياة الحيوان) على ما فيه من مؤاخذات.

رأيت: انصراف كثير من أهل زماننا إلى الثقافة الغربية، وافتتانهم بها، وتبني بعض المكتبات، والمثقفين نشر التراث الغربي...

كتبت: مقدمة حول الموضوع (تغريب الثقافة).

العلاقة: بين موضوع المقدمة، وكتاب الدميري، كالعلاقة بين الدواء والداء، والزبد والماء.

ثم ذكر المقدمة فقال: (ص13، وص 14):

أما بعد..

فإن كتاب (حياة الحيوان) معلمة كبرى، ولدت في شهر رجب، من عام 773هـ(1)، وألبست من العلوم أفناناً، ومن الأفنان ألواناً حساناً وعُلِّق عليها ما يراه المحققون سيئة ونكراناً(2).

جاءت تمشي قروناً عديدة، يمد إليها يده كل صاحب علم وأدب ويدعي بها وصلاً وأرب، تمشي وتتفرد، لا قرينة تعادلها، ولا شبيهة تماثلها في (فنها).

ثم قال المؤلف الشيخ إبراهيم المديهش:

تأتي مثلاً شاهداً على غناء المكتبة العربية وجمالها، ومتعها، وتنوعها المتفرد، ولطاقتها، وتأثيرها في حضارات الأمم الأخرى - كما سيأتي في ترجمات الكتاب.

قال الشيخ: علي الطنطاوي- رحمه الله- عن الكتاب - وقد قرأه في أوائل شبابه: (وهو كتاب عجيب، فيه فقه، بل إنه يعد أقرب مرجع في معرفة ما يؤكل وما لا يؤكل من الحيوان، وكتاب لغة فهو يضبط الأسماء، وكتاب أدب فهو يسرد الأخبار، وكتاب طبيعة فهو يشير إلى بعض خصائص الحيوانات، وكتاب تاريخ فهو يلخص فيه مراحل طويلة من تاريخنا وهو على ذلك كله مملوء بالخرافات، والأوهام والأباطيل، وما يدخل العقل وما لا يدخله، وما يفسده ويعطله ثم لما كبرت قرأت كتاب (الحيوان) للجاحظ، فوجدت فيه تلك الألوان كلها ولكن الذي فيه أعلى وأغلى، وحسبك أنه من تصنيف الجاحظ)(3).

ثم ذكر في المقدمة بعد ذلك جملة صالحة من جهود علماء المسلمين في تأليف الكتب التي تتطرق إلى موضوعات مختلفة وبخاصة منها ما كان غريبا عجيباً وأكثرها غريب وعجيب.

وقال في (ص 38، وص 39):

لا نملك ونحن نرى اللهث خلف المترجمات، تمظهراً بالتقدم والثقافة، حتى ممن يحسبون على العلم الشرعي أو اللغوي - يظهرون المقدرة، وسعة الاطلاع، وعالمية الثقافة - إلا أن نقول: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ .

وبعد انقضاء المقدمة خصص المؤلف عنواناً للحالة السياسية والعلمية زمن الدميري.

وبالنظر إلى سعة الموضوع فقد احترز من أن يطالبه مطالب بأن يكون بحثه هذا أوسع وأشمل قال:

إشارة إلى الحالة السياسية والعلمية زمن الدميري (ص61):

عاش الكمال الدميري (724هـ- 808 هـ) في عصر المماليك الذين حكموا مصر (من سنة 648هـ، إلى سنة 923 هـ).

المماليك البحرية، والمماليك البرجية.

ففي أول عمره إلى أن بلغ (31 سنة) كان يحكم مصر السلطان محمد الناصر قلاوون، وكان عصره يتسم بالاستقرار والرخاء، وبعده ظهرت النزاعات والاضطرابات.

ولما بلغ الدميري من العمر (42 سنة) انتهى حكم (المماليك البحرية) أي سنة 784هـ) وأتى حكم (المماليك البرجية) (من 784هـ إلى 923هـ) الذي تولى فيه الظاهر برقوق، ثم ابنه الناصر زين الدين أبو السعادات فرج في عهده توفي الدميري سنة 808هـ.

انتهى:

وفي (ص 65) عنوان مهم:

التعريف بالدميري (مؤلف حياة الحيوان) مما جاء في ترجمته قوله (ص69، وص 70):

التعريف الدميري:

حياته الشخصية:

اسمه: محمد بن موسى بن عيسى بن محمد الدميري الأصل، القاهري، الشافعي.

نشأته:

نشأ في القاهرة، وتعلم في أول حياته صنعة الخياطة، فكان يتكسب بها، ثم تركها، وأقبل على تلقي العلم، فأخذ عن أكابر العلماء في عصره في مصر، ومكة والمدينة.

رحلاته:

رحل إلى مكة (ست مرات)، وجاور بها، كما فصل في ذلك السخاوي، قدمها أول مرة في موسم حج سنة 763هـ)، ثم في (768هـ)، ثم (772هـ)، ثم في (775)، ثم في (780هـ)، ثم في (799هـ)، وفيها كلها عدا الثانية يمكث ما يزيد على سنة، حتى يحج في السنة القابلة لسنة قدومه، وأما قدومه الثاني فقد كان مع الرجبية، حتى حج في السنة نفسها.

وفاته:

توفي رحمه الله في القاهرة، ليلة الثلاثاء (3-5-808هـ) وعمره ست وستون سنة، ودفن بمقابر الصوفية بـ(سعيد السعداء) في القاهرة.

ومن المصائب العظيمة في الأمة الإسلامية في هذا الزمان أن يكون قبره في (مسجده)!؟ في حي الحسينية، في شارع الصوابي، وقد اتُّخِذ قبره عيداً، يزار ويحتفل عنده في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، في كل عام - ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي ص 87، وص 88، ذكر عقيدته في عنوان بهذا المعنى هو: (عقيدته)، وفي ص 89:

قال الدميري:

قال: وما أحسن قول بعضهم:

وعن فنائي فنى فنائي

وفي فنائي وُجدت أنتا

في محو اسمي ورسم جسمي

سألت عني فقلت أنتا

أشار سري إليك حتى

فني فنائي ودمت أنتا

أنت حياتي وسر قلبي

فحيثما كنت كنتَ انتا

ولم يعقب الدميري على هذه الأبيات، أو ينكر معناها وتصوفه طافح في الكتاب، بألوان شتى (من التصوف) في (1-657) قال: وإحياء الموتى كرامة للأولياء كثير لا ينحصر.

وذكر أمثلة خرافية صوفية في إحياء الموتى كرامة لمشايخهم، ينظر مثلا: (2-338، 23)، 2-741)، و (4-165).

وفي (2-511) قال: (الدنيا تتصور للأولياء في صورة عجوز تخدمهم، كما سيأتي)، وهو في (2-512).

وفي ص 95، 96): وفي (2-70)، ترجم للحلاج، وذكر اختلاف الناس فيه، وحاول الاعتذار له، وأشار إلى اعتذار من سماه: (الإمام، قطب الوجود، حجة الإسلام) يعني: الغزالي.

وفي (2-147) مدح الحلاج.

وتحت عنوان تصوف الدميري (مؤلف حياة الحيوان) قال المؤلف النجيب الأستاذ إبراهيم المديهش، (ص 99، وص 100): وفي (3-19) أخبار وخزعبلات صوفية عن ابن الفارض، وذكر أنه كشف لأحد مريديه مكة، وهو في مصر، فأمره بالذهاب إليها، فوصلها في الحال...!؟

وأدعية بدعية ممن سماه بـ: (سيدي الشيخ العارف بالله تعالى أبو الحسن الشاذلي).

وفي (2-116) قال: (ومما حكي لنا، واشتهر، وروينا بالسند الصحيح عن الشيخ العارف بالله تعالى أبي الحسن الشاذلي رحمه الله أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقد باهى موسى وعيسى عليهما السلام بالإمام الغزالي، فقال لهما: في أمتكما حبر كهذا؟ وأشا إلى الغزالي، قالا: لا.

وذكر المؤلف بعد ذلك مضمون كتاب (حياة الحيوان) فقال: (ص 105):

مضمون الكتاب:

ظهر لي من خلال القراءة الفاحصة للكتاب أن المؤلف الدميري رحمه الله أراد بـ (حياة الحيوان) الحيوان بالمعنى العام، كما قال في مفردة (الحيوان) (2-194): الحيوان: جنس الحي، والحيوان: الحياة.

ويظهر أنه اقتدى بابن يختيشوع في كتابه (الحيوان)، فقد ذكر الدميري (1-141) أنه افتتح كتابه بالإنسان.

ودليل ذلك أن الدميري أورد الآتي:

(1-135): (الأنس)، (1-136 -168): (الإنسان)، 1-414): (البشر)، (1-589): (الثقلان: الإنس والجن)، 1-663): (الجن، (2-194): (الحيوان: جنس الحي، والحيوان: الحياة...).

فذكر ما سبق يدل على أنه أراد كل ما فيه حياة، وقد أطال في (الإنس) وفي (الجن).

وذكر المؤلف الأستاذ إبراهيم المديهش الكلام على الحيوان عند الدميري فقال (ص 113، وص 114، وص 116، وص 117):

حقها أن تكتب قبل هذا، لأن نونها زائدة.

فدل هذا على دقة المؤلف في ترتيبه.

الجدير بالذكر أنه في نهاية كل حرف يذكر: الأبناء، والبنات: مثل: (ابن عرس)، وبنت طبق)، ويذكر الكنى، ولاحظت أن جلها من كتاب (المرصع في الآباء والأمهات والبنين والبنات والأنواء والذوات) لابن الاثير.

التعريف بالحيوان:

بعد ذكر اسم الحيوان، يبدأ بتعريفه، مستمداً إياه من مصادر مختلفة، ناقلاً منها مع العزو إليها، وأكثر النقول في التعريف من المعاجم اللغوية، خاصة من (المحكم)، و (المخصص) كلاهما لابن سيدة، وينقل كثيراً من (عجائب المخلوقات) للقزويني، ومن كتب أخرى عديدة.

فيضبط في التعريف الحيوان المراد الكتابة عنه ضبطاً لغوياً، وكثيراً ما يكون ضبطه بالحرف.

وقد يكون الخلاف في الضبط وصرفية الاسم، واشتقاقه، وهل هو عربي أم معرَّب؟

ويصف الحيوان وصفاً متوسطاً، وهذا هو الغالب في الكتاب، وقد يطيل في الوصف، ويذكر أقوالاً للعلماء، ويعرض إلى الخلاف إن وجد، تارة يرجح ويختار، وتارة لا يرجح.

وقد يكون وصف الحيوان مختصراً وأحياناً لا يفي بالغرض مثل أن يقول:

(1-530) البينيب: سمك بحري، معروف عند أهل البحر.

(1-534)، التفلق: طائر من طير الماء قاله في (العباب).

(2-571)، السميدر: دابة معروفة عند أهل الهند والصين، قاله ابن سيده.

ثم بدأ المؤلف الكلام على المقصود من كتاب المسائل الحديثية في الكتاب، واستغرق ذلك مفصلاً واضحاً ومشتملاً على عنوانات كثيرة صغيرة توضح المقصود من (ص 126 إلى 172).

وعاد بعد ذلك إلى الكلام على المؤلف والكتاب: فقال: عود إلى استكمال سرد منهج الدميري في الكتاب (ص 173).

ذكره الأخبار والقصص:

ويذكر في كتابه أخباراً وقصصاً، وكثيراً من الإسرائيليات ولا ينبه عليها، ولا يتعقبها بشيء، وقد يذكر غرائب الحوادث التاريخية عن الحيوان المذكور.

ومن أنفس العناوين في الكتاب ذلك الذي يقول: (الخواص الطبية) (ص188،وص 189، وص 190):

الخواص الطبية:

ثم يذكر (الخواص الطبية) للحيوان، وهنا محط الخزعبلات، والمحرمات، والأقوال الشنيعة القبيحة والطلاسم، والشعوذة فإذا كان الحيوان غير مأكول اللحم، فاعلم أن جميع الخواص المذكورة من الخزعبلات، ينقلها من: أرسطو، وابن سينا، والقزويني في (عجائب المخلوقات)، وعبدالملك بن زهر الإشبيلي في (الخواص المجربة) وابقراط، ويونس، وهرمس، وكيماس، وابن بختيشوع.

وقد وصف الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله الكتاب بكلمات، ثم قال: (وهو على ذلك مملوء بالخرافات، والأوهام، والأباطيل، وما يدخل العقل وما لا يدخله، وما يفسده، ويعطله)(4).

وما أكثر ما يقول في هذه القبائح: وهو صحيح مجرب.

يقول في (3-426) في (الفهد): الحكم: يحرم أكله، لأنه ذو ناب.

ثم الخواص: (أكل لحمه يورس حدة الذهن، وقوة البدن.

لا أدري ما الفائدة من هذا الكلام، إلا النقل والتبعية لما قاله أرسطو وجماعته. ولعلي أذكر بعض الأمثلة على الخزعبلات والمحرمات والطلاسم الواردة في الكتاب:

(1-135) قال بقراط: من أكل لحكم الأفعى أمن من الأمراض الصعبة.

(1-384)، من أكل لسان ببغاء صار فصيحاً، ودمعه يجفف ويسحق وينثر بين صديقين تظهر بينهما العداوة!

(1-406) إذا شربت المرأة دم برذون لم تحمل أبداً.

(2-587) مما جرب لإذهاب السوس والفراش ما أفادنيه بعض أئمة الإمامية.

(3-180) ذكر أرجوزة فيها أسرار علم الطب لابن سينا، وقيل: لابن شيخ حطين وهي طويلة، وكلها من المحرمات والأكاذيب.

(4-39) روينا في (تفسير الكواشي الأوسط) أن العسل ينزل من السماء، فيثبت في أماكن من الأرض، فيأتي النحل فيشربه!

(1-159) شرب رجيع بني آدم بعد سحقه بماء فاتر.. لصاحب القوالنج!

(1-164) الدهن بدم الحيض!

(2-146) نقل عن أبي حامد الأندلسي أنه رأى سمكة بقرب مدينة (سبته) من نسل الحوت الذي أكل منه موسى وفتاه يوشع... ونسلها في البحر إلى الآن!

وعنواناً آخر بلفظ (طلاسم مع آيات قرآنية) ص 191.

(2-586) ومن الفوائد المستغربة ما أخبرني به بعض أهل الخير أن أسماء الفقهاء السبعة الذي كانوا بالمدينة الشريفة، إذا كتبت في رقعة وجعلت في القمح، فإنه لا يسوس ما دامت الرقعة فيه، وهم مجموعون في قول القائل... فذكره.

وأفادني بعض أهل التحقيق أن أسماءهم إذا كتبت وعلقت على الرأس، أو ذكرت عليه، أزالت الصداع العارض له!

(2-640) حيوان اسمه الشيخ اليهودي، وذكره أيضاً في (4-243)، وهو من خرافات القزويني في (عجائب المخلوقات).

(1-156) طلاسم مع آيات قرآنية، وتكتب في لوح خشب أو مكان طاهر، ويدق في الحرف الأول مسمار ويقرأ.. وذكر آيتين.

والكتابة هي: (أ ح أ ك ك ح ع ح أ م ح) لإذهاب الصداع.

(1-169) يكتب لوجع الضرس على جدار هذه الأحرف: (ح ب ر ص لا و ع م لا).

(1-504) لطرد البق مما جرب فوجد نافعاً أن يكتب على أربع ورقات ويلصق في الحيطان الأربع ما صورته (111212).

(2-177 - 178) ورأيت بخط بعض المحققين من العلماء... في علاج اللديغ.. وذكر خرافات ومنها أن يكتب (سارا سارا في سارا عاتي نور نور أنا وأرميافاه يا طورا كاطورا رملس أورنا أوصنانيما كا ما يوقا بانيا ساتيا كاطوط أصباؤت إبريلس توني تنا أوس).

قال المؤلف الأستاذ إبراهيم المديهش:

وقفات مع هذه الخزعبلات:

الكتاب اشتمل على مخالفات عقدية، وتصوف، وخزعبلات، ومحرمات، وطلاسم شعوذة، أذكار ورقى بدعية، وأحاديث موضوعة.

أما المخالفات العقدية، والتصوف، فقد سبق بيانها في (ترجمة المؤلف) وأما الأذكار والرقى البدعية، فسيأتي الإشارة إليها، وهي متفرعة من تصوفه بقيت الخزعبلات والمحرمات والطلاسم.

الصوفية أكبر من روج للسحر والدجل، انظر مثلا (شمس المعارف الكبرى) لأحمد بن علي يوسف، أبو العباس البوني المغربي الصوفي (ت 622هـ).

وله كتاب آخر سماه (لطائف الإشارات في أسرار الحروف العلويات) نقل بعض خزعبلاته وطلاسمه النويري (ت 733هـ) في نهاية الأرب في فنون الأدب) (12-225).

والخلاصة:

رأي الكاتب لهذا التعريف:

أرى أن كتاب (حياة الحيوان) فيه فوائد كثيرة وفيه خرافات ومخالفات شرعية كثيرة ولذا ينبغي تلخيصه تلخيصاً يقتصر على ذكر الفوائد الحقيقية للحيوان مع حذف الاستطرادات والخزعبلات، والأباطيل وما أحرى المؤلف الكريم الشيخ إبراهيم بن عبدالله المديهش وفقه الله بذلك فهو باحث منقب طالما أسعدنا بغوصه على بعض المسائل المهمة في بطون الكتب واتحفنا بها جزاه الله خيراً.

وهو بهذا العمل جدير، وعليه بإذن الله قدير، والله الموفق.

** ** **

(1) فرغ الدميري من مسودة كتابه، كما في آخر الكتاب (4-249).

(2) كما سيأتي بيان ما فيه من الخزعبلات والطلاسم والبدع.

(3) (ذكريات علي الطنطاوي) (7-349)، واظهر أيضاً (1-208).

وقول الشيخ الطنطاوي رحمه الله: (فوجدت فيه تلك الألوان كلها) فيه نظر، ولعل الشيخ لكثرة اطلاعه وقراءته، ظن أن الكتابين اشتركا في تضمنهما الفقهيات والأمور الشرعية الأخرى، بدرجة متقاربة، والأمر بخلاف ذلك.

(4) (ذكريات علي الطنطاوي) (7-349).