عندما كنت طفلاً في عمر الثامنة تقريباً اصطحبني أخي الأكبر «علي» في رحلة لا أنساها إلى تنومة، وهي لا تزال بلدةً صغيرة عندما تعيَّن موظفاً مبتدئاً في بلديتها حديثة الإنشاء.. كان ذلك منذ ما يقرب من 34 عاماً.. في الطريق إلى هناك كنت مستمتعاً بالمناظر الطبيعية التي مررنا بها، لكن المتعة بلغت ذروتها عندما وصلنا إلى تنومة. فتلك البلدة الصغيرة كانت بحق استثنائية في طبيعتها وروعة مناظرها الخلاّبة.. وفي مدخل البلدة الجنوبي كان هناك استقبالٌ حافل ينتظرنا «إنها شلالاتُ الدهناء» التي تجبر كل زائر لتنومة أو مسافر على طريق الحجاز أن يتوقف عندها، فمنظر المياه البلورية المنسابة من قمم الجبال تُشكّل مع التكوينات الصخرية العالية شلالاً يسمعك صوته الهادر من بعيد.. وتكمل الطيور والأشجار المحيطة رسم لوحة الإبداع الإلهي في هذا المكان.. تتجه شمالاً فتشاهد حقول القمح وبساتين المشمش والتين، وقد اعتلتها الكتل الصخرية شاهقة الارتفاع.. هذه الرحلة البعيدة بدأت لكنها لم تنته إلى الآن، فأنا ما زلت في زيارات متكررة لهذا المكان الفاتن من وقت لآخر.
وأبشركم.. هذه الطبيعة باقية على حالها.. وما زاد هو تسارع عجلة التنمية في هذا المكان خلال الثلاثة عقود المنصرمة كما هو الحال في جميع مناطق المملكة.. تنومة أصبحت محافظة تكتسي حُلة من العمار والتطور في مختلف المجالات فالطرقاتُ ازدادت اتساعاً وتشعباً.. والمباني الحديثة في السهل والجبل.. تطورت خدمات الصحة والتعليم وانتشرت على طول المحافظة وعرضها الكثير من دوائر الدولة التي تقدم خدماتها للمواطن والزائر والمقيم. وباختصار، العجلة ما زالت تسير إلى الأمام.. وملحمة البناء السعودي تتعالى في كل شبر من وطني الحبيب.. ولا غرابة في ذلك فقد رسم المؤسس لهذا الكيان المترامي جلالة الملك عبد العزيز آل سعود - يرحمه الله - خارطة التنمية في البلاد، وسار على نهجه أبناؤه البررة حتى يومنا هذا، موجهين ومتابعين لكل مسئول بتطوير الإنسان والمكان على ثرى هذه الأرض الطاهرة، وفي عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -.. يستمر العطاء والتلاحم بين المواطن والمسئول وتتجلى أبهى صور الولاء والعرفان في كل مناسبة وطنية بين المواطن وقيادته، وليس أدل على ذلك من الزيارات التفقدية التي يقوم بها أمراءُ المناطق للمحافظات والمراكز في كل منطقة.. وفي هذا اليوم الأغر ازدانت محافظة تنومة بعقد بهيج من ورود المحبة ورياحين الوفاء بمقدم ضيفها العزيز صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز أمير منطقة عسير - يحفظه الله - في زيارة تفقدية ليست الأولى من نوعها، فقد اعتادت محافظاتُ ومراكزُ المنطقة على زياراته المتكررة لتلمس حاجات المواطنين وتدشين مشروعات التنمية والتطوير لتعزيز المكانة السياحية لمنطقة عسير التي أصبحت وجهة السياح الأولى على مستوى المملكة والخليج.. فتحية إجلال وإكبار لكل المخلصين في بلدي من رجال، ونساء طاولوا بهممهم العالية قمم الجبال الراسية.
بارك الله جهودكم يا سمو الأمير ومدكم بعونه وتوفيقه.