قرأت في جريدة «الجزيرة» يوم السبت 9 شعبان العدد 15227 مقالة عنوانها «إدمان النساء» بقلم الكاتبة الدكتورة مضي الزهراني وهو بحق طرحٌ مهمٌ نحتاجه لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة والمعضلة الكبيرة التي بدأت تطفو على السطح ويستشري خطرها في المجتمع وتفوح رائحتها وتظل مقلقة ومزعجة لأنها تحكي واقعاً مراً لفئة غالية في مجتمعنا أمهات المستقبل ومربيات الأجيال ومدارس الرجال واللاتي عرف عنهن الرقة والحنان والرحمة وتدفق العاطفة والحياء وتندهش كيف وقعن وأوقعهن ممن لا أخلاق لهم من الذكور في بؤرة ادمان المخدرات وأصبحن يتعاطين تلك السموم وقد أشارت الكاتبة الفاضلة والتي دفعتها غيرتها الدينية والوطنية إلى هذه الخطورة بقولها: (إن إدمان النساء من القضايا الخطيرة أمنياً وأسرياً وأخلاقياً وجنائياً وتحتاج لتدخل قوي من الجهات المختصة... المؤلم فعلاً عندما تدخل النساء في دوامة الإدمان نتيجة لتعرضها للاستغلال من رجل مدن أو مروج دخل حياتها وسحبها لمستنقع الإدمان تحت تأثير العواطف المزيفة، وأصبحت قضية المخدرات قضية وطنية بالدرجة الأولى وتستهدف أمن البلاد ومواطنيها) وإني إذ أشكر الكاتبة على تناولها لهذا الموضوع وطرحها له وإثارته عبر جريدة رائدة تعد من وسائل الإعلام المؤثرة لأشد على أزرها وأدعوها لمواصلة مثل هذا الطرح المفيد ومناقشة مثل هذه الظواهر السيئة والسعي في علاجها ويا ليت كتابنا وكاتباتنا ينهجون هذا النهج ويحذون حذوها فقد وهبوا أعمدة وزوايا صحفية وأعطوا الفرصة فما المانع أن يستغل في طرح ما ينفع المجتمع وأفراده؟ ونبعدها عن إثارة العواطف الأنثوية أو المتاجرة بها فالنساء ضعيفات في قلوبهن وعقولهن وكذلك أجسامهن.. سريعة التأثر فتعجب أشد العجب عندما ترى فئة من الكُتاب وعدداً من المجلات تهتم بطرق موضوعات يدغدغون بها المشاعر فيتحدثون عن الحب ويعرضون قصص الغرام وإن كانت خيالية بل ويطرحونها وكأن الناس خلقوا من أجل الحب ويدعون أنهم يقفون صفاً واحداً مع المرأة مناصرين لها ويحاولون -ظناً منهم- إشباع حاجاتها الفطرية وما علموا أنهم يثيرون غرائزها ويتسببون في تجريدها من حياتها وبالتالي دفعها -شعروا أو لم يشعروا- إلى بؤر الفساد ومستنقعات الادمان دفعاً.. إذ نلحظ أن أهم أسباب وقوع الفتاة في المخدرات إقامة علاقة غير شرعية بشاب عن طريق الهاتف تبث إليه ويبث إليها مشاعر الحب والشوق والوله ثم تتطور العلاقة الهاتفية إلىلقاء وسهر واجتماع في استراحات لا يقتصر الشاب ذلك على نفسه وإن كان محرماً بل ويدخل فتاته مع «شلته» فريق من الشباب وفاء وصداقة زعماً كي يأخذ كل واحد منهم نصيبه.. اجتماع يبدأ بريئاً في أول الأمر ثم ما يلبث أن يكون خطراً على المجتمع بأكمله.. حيث إن هناك فئة مريضة من ذئاب البشر لا يسرهم إلا أن يوقعوا فريستهم المسكينة في وحل المخدرات حتى تكون ألعوبة في أيديهم والعياذ بالله.. فكم حصل من المآسي جراء ذلك ومن سأل رجال الحسبة ورجال الأمن -وجد عندهم الخبر اليقين، بل إن بعض الشباب تدفعه المخدرات إلى موت «الغيرة» لديه فيزج بأخته أو زوجته في وحل المخدرات كي يحقق مآربه ويحصل على ما يريد من سموم ثم ما تلبث هذه المسكينة إلا أن تفقد عفافها وطهرها وأخلاقها ودينها إما معه أو مع رفقة فاسدة منحرفة والمآسي كثيرة والقصص عديدة.. ومن الخطأ أن نغفل أو نتغافل عن أخطائنا.. ثم إني أتساءل: أين الآباء؟ أين الأمهات؟ هل اقتصر دورهم على توفير المأكل والمشرب والملبس وكماليات الحياة؟ أين التربية الحقة السليمة؟ أين التوجيه؟ أين الرعاية؟ لماذا يخونون الأمانة التي أمنهم الله إياها؟ يتقاعس الأبوان في تربية أولادهما ثم إذا وقعوا في الفساد ومستنقعات الإدمان عضوا أصابع الندم وذرفوا دموع الحسرة ولا أدري أين كانوا قبل أن تقع مثل هذه الوقائع الشنعاء. إننا نحتاج لبيوت يظللها الاستقرار ويرفرف فيها الحب ويحلق في أجوائها الحنان والشفقة ويحترم فيها الأولاد وخصوصاً الفتاة المتدفقة عاطفة والمليئة بالأحاسيس فلا تعيش في بيت والدها مقهورة مقيدة مضطهدة أو يكون وضع أسرتها مزرياً مليئاً بالخلافات فتضطر إلى الهروب من هذا الجحيم إلى نعيم في نظرها فيكون أشد جحيماً وأشد خسرانا حين يحتضنها ذئاب بشرية ويؤونها في شقة أو استراحة يسلبون طهرها وعفافها وحيائها ثم إذا انتهوا من مآربهم وقضوا حاجتهم منها رموا بها في الشارع وقد تموت على هذا الوضع وتتلقفها مجموعة أخرى إن لم تتدارك وتنتشل من هذا المستنقع..
فلنسع جميعاً إلى إنقاذ فتياتنا وفتياننا بالتوجيه والإرشاد كل بحسبه الإمام في مسجده والخطيب في منبره والمعلم في مدرسته والمعلمة مع طالباتها والأب والأم في بيتهما والكتاب في زواياهم والصحفي في جريدته والمذيع في برنامجه وهكذا.. وما أحسن أن تكثف برامج التوعية وتجرى اللقاءات مع المدمنين والمدمنات عبر وسائل الإعلام من إذاعة وقنوات لتؤخذ العظة والعبرة من تجاربهم المريرة وقصصهم المحزنة .. وقد تابعت قبل فترة عبر إذاعة الرياض برنامجاً جميلاً ناجحاً عنوانه «دعوة للحياة» يستضيف من ابتلوا بالإدمان وشقوا وتعافوا منه وإن من تابع هذا البرنامج واستمع إليه لا أشك أنه تألم من واقع شباب في أعمار الزهور اقحموا في حفرة الإدمان وسقطوا في هوة المخدرات وقد لا يتمالك نفسه إلا ويبكي حزناً وأسفاً يخالط ذلك دموع فرح بعودتهم وتوبتهم وشفائهم من هذا الداء العضال..
وفي الختام أكرر شكري للكاتبة القديرة الدكتورة موضي الزهراني على هذا الطرح الجريء وادعوها لمواصلة مثل هذا الطرح الواعي والذي يخدم المجتمع ويعالج أمراضه فهذه مسؤولية القلم وأمانة الكلمة كما أن الشكر موصول لجريدة «الجزيرة» الرائدة وخصوصاً صفحتي الأثيرة «عزيزتي الجزيرة» بمشرفها الأستاذ: عبدالله الكثيري على إتاحة الفرصة لقلمي كي يعبر عمّا يجول بنفسي حباً لوطني وغيرة على أبنائه وبناته.